قوانين ناقصة أم تربية معيوبة؟.. حقوقيات يفصلن واقعة التحرش بطنجة ويدعين لتوفير متابعة نفسية للضحية

بشرى الردادي

شهدت مدينة طنجة حادثة تحرش جماعي أثارت جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعليقات متباينة من الرواد، بين من استهجن ما حدث واعتبره أمرا شاذا لا يمثل المغاربة، وبين من برر هذا العنف بلباس الفتاة.

وفي هذا الصدد، تواصلت "تيلكيل عربي" مع عدد من الحقوقيات والمحاميات، بغرض تفصيل الواقعة، ومعرفة مكامن الخلل، وإلقاء نظرة على القوانين المتعلقة بجرم التحرش في بلادنا.

متحرش "غير محتشم"

وصفت زكية البغدادي، رئيسة جمعة "الأيدي المتضامنة"، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، فيديو الواقعة، بكونه "مستفزا للغاية"، معتبرة أنه "يدل على التراجع الكبير في أخلاقنا وقيمنا كمغاربة".

وقالت البغدادي: "عيناي لم تصدقا مقدار تلك الوقاحة.. تعري بنت بهاديك الطريقة؟ هادشي خايب بزاف! وما وجدته مستفزا أكثر هو تعليقات المشاهدين الذين برروا ذلك التحرش الجماعي بكونه ردا على عدم احتشام الفتاة.. لدي سؤال بسيط، أين هو احتشام الشخص الذي استباح جسد الفتاة بداعي أنها غير محتشمة؟ إن كان، فعلا، يتحدث عن الأخلاق، فإن أخلاقه أولى بالمراقبة. ثم أي أخلاق هاته وأي دين هذا الذي يبيح لك فعلتك، أو يمنحك حق تبريرها؟ هل تعتقد أنك ستغير العالم بسلوكك؟ عراها وقاسها، الجرأة لي عندهم راها كتخلع!".

رغبة في التغيير أم الاعتداء؟

وتابعت المتحدثة نفسها: "ما يحز في النفس هو أننا ما غيرنا والو، ما ربينا والو! 13 عام باقي ما خرج حتى من البيضة، وشوف شنو كيعمل! من يفعل هذا لا تنتظر منه أن يستثني امرأة محجبة أو منقبة. النساء عنده سواسية، فقط لأنه أراد فعل ذلك، رفقة أصدقائه. هدفه ليس التغيير، بل الاعتداء، فلنكن صريحين وواقعيين".

وقالت البغدادي: "لقد استباحوا جسدها لأنها امرأة، ويبررون ذلك بأنها أخلت بالحياء العام. ما حدث جعلني أتذكر واقعة إنزكان؛ حيث تمت محاكمة الفتاة لنفس السبب. هادشي كيدل على الكبت والمرض لي عند الكثيرين، لا غير".

وأضافت: "كلهم كيحماقوا فوقاش أيوصلوا لهاد أوروبا، واش عندهم عقلية أوروبا فيما يخص التحرش؟ كون كانوا فأوروبا، واش كانوا أيديروا هاد الفعلة؟ واحد التناقضات حنا عايشين فيها خطيرة جدا!".

قوانين ناقصة أم تربية معيوبة؟

من جهتها، قالت سعاد بطل، محامية بهيئة الرباط وعضوة المكتب الوطني لفدرالية رابطة حقوق الإنسان، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، إنه "لمن المؤسف أننا مازلنا نشهد مثل هذا التسيب في المغرب، رغم قطعه لأشواط متقدمة ضد التحرش، سواء في الأماكن المغلقة، أو في الشارع العام، والتي توجت بقانون يجرم العنف بكل أشكاله".

وتابعت بطل أن "تصرفا كهذا يضعنا في مأزق كبير، ويجعلنا نتساءل: هل العيب في القوانين التي لم تعد رادعة، أم في التربية التي لقناها لأبنائنا في البيوت والمدارس؟ ما حصل غير مقبول، ومن المؤكد أن القانون سيأخذ مجراه، وسيتم إلقاء القبض على جميع المتورطين".

كما شددت: "لا يمكن السكوت على هذه الفوضى. دستور 2011 هو دستور الحقوق والحريات بامتياز، ولا يمكن للمغرب أن يعرف دينامية تشريعية كبيرة من أجل زرع وإثبات هاته الحقوق، وتأمين تلك الحريات، ثم نشهد مثل هذه الواقعة التي تشوه صورة بلادنا. عن أي سياحة نتحدث؟ وعن أي أمان؟ وعن أي حرية؟ خصوصا في مدينة مشهود لها بالسياحة، سواء الداخلية أو الدولية"، مشيرة إلى أن "فرع الرابطة في مدينة طنجة سيتبنى هذا الملف، وسيترافع من أجل حق الفتاة".

وعما يجب مراجعته بعد هذه الواقعة، بعيدا عن المشاعر، ردت بطل: "أولا، هم كانوا جماعة، لا نعرف من حرض من، أو من أين بدأ كل هذا، أو ما إذا كانوا جميعهم، بالفعل، قاصرين. والأمر الذي تجب مراجعته، هو المنظومة التعليمية والتربوية. نعتبروا أن القاصر المتحرش ولدنا كيفما الضحية بنتنا".

وأوضحت المتحدثة نفسها: "قاصر كيدير هادشي كيخليك تسول راسك فين كبر باش كينظر للمرأة بهاد النظرة. قاصر كيدير هادشي خاصو يتعاود يتربى كيفاش يتعامل مع المرأة ويحترمها ويحترم حريتها وما يتجرأش عليها أو يستبيح جسدها. ما خاصش تبقى النظرة الذكورية الاستعلائية. دابا ولد عندو 13 سنة ممكن ينظر للمرأة واخا تكون عندها حتى 40 سنة على أنها امرأة وأقل منه، تربى على أنه واخا طفل راه راجل".

وتابعت: "لكن الخطير فعلا، هو أن الواقعة حصلت في الشارع العام، أمام أعين الجميع، فما بالك لو صادفتهم الفتاة في زقاق مظلم ومغلق؟ ما الذي كان يمكن أن يحدث لها؟".

صُمّ بُكم

وعن رأيها في رد فعل المارة، قالت بطل: "الناس د اليوم ما بقاوش كيتدخلوا ويدافعوا ولا ينهيو حتى. بل بالعكس، غايعاتبوها على لباسها وعلاش دايزة فهاد الوقت من هنا. الفتاة لم تعنف من طرف أولئك القاصرين فقط، بل عنفت من طرف المجتمع بأكلمه، والغريب أنها عنفت حتى من طرف طفلة من نفس جنسها!".

وأضافت: "والمشكل أن الشهود يرفضون الإدلاء بشهادتهم، لكن القانون بات يغرمهم الآن، إن لم يفعلوا ذلك. ما أريد أن أختم به كلامي هو: إن قلنا جميعا، كل من موقعه ومن موقفه، لا للعنف، فسنقضي عليه".

وفيما يخص حاجة الفتاة للعناية النفسية بعدما حدث، قالت المتحدثة نفسها: "بالفعل، هي تحتاج، بشدة، لدعم نفسي كبير، فهي لن تنسى ما حيت ما حدث لها. وأي شخص سيشاهد الفيديو، سيخاف على ابنته. تلك الفتاة تعنينا جميعا، كيف ما بغات تكون".

كما سجلت سعاد بطل أن "الأخصائيين سيعرفون أنها ربما دمرت نفسيا، لسنوات. ليس هناك أنثى تقبل على نفسها الإهانة، حتى وإن كانت مجرد كلمة مسيئة، فما بالك باستباحة جسدها بهذا الشكل؟ للأسف، نحب هذا الوطن، ولكن باش نشوفوا بحال هادشي، كنقول أين هو الأمن لي بغينا، ولي حتى فرحنا بيه؟ هوما حكروا عليها حينت هي بنت، وعارفين ما كاينش لي غيدافع عليها، وكأنه تواطؤ جماعي".

فيديو غير مشرف

أما لبنى الصغيري، المحامية بهيئة الدار البيضاء، فأعربت، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، عن "أسفها الشديد لهاته الواقعة، في مغرب تجاوز، بدرجات كبيرة، المستوى الذي عكسه الفيديو".

وأشارت الصغيري إلى أن "بلادنا مشرفة على محطتين مهمتين، عامي 2025 و2030. وبالتالي، سنستضيف دول العالم، ونحمل مشعل التقدم والحداثة بالنسبة للدول الإفريقية، التي تعتبرنا سباقين، وهو ما نحن عليه بالفعل، خاصة فيما يتعلق بالقضايا النسائية".

وتابعت المتحدثة نفسها: "كلنا نعرف المادة 19 من الدستور وباقي المقتضيات القانونية التي تنص على المناصفة وحرية النساء. وفي ظل كل هذا، هناك القانون رقم 103.13 الذي دخل حيز التنفيذ، عام 2018، وحارب العنف بجميع أشكاله، بما في ذلك العنف النفسي، كما حارب التحرش الجنسي، من خلال مقتضيات قانونية خاصة"، معتبرة أن "الفيديو لا يشرف المغرب، وخاصة مدينة طنجة، التي تعتبر بوابته على أوروبا".

شرط "الإمعان"

كما أوضحت المحامية أن "مقتضيات المادة 503-1-1-2-3 تطرقت لجريمة التحرش، وعاقبت عليها بالحبس من شهر إلى سنة، وغرامة تتراوح ما بين 2000 إلى 10 آلاف درهم، في حق كل من أمعن في مضايقة الغير"، مشيرة إلى أن "الفيديو تضمن الإمعان، بل وأكثر من ذلك، عاشت الفتاة حالة نفسية مرعبة، لمدة 5 دقائق تقريبا".

وسجلت الصغيري أن "المتحرشين كانوا مستمتعين بفعلتهم، لدرجة أن أحدهم بدأ بالرقص والتباهي بعد أن عرى الفتاة عنوة. كما يوثق الفيديو لحظة سقوط الفتاة على الأرض؛ مما يدل على حالة الذعر التي عاشتها، قبل أن يحيطها شخص بذارعه، وما عرفناش حتى فين غادي بيها!".

وتابعت أن "القانون رقم 103.13 كان قفزة صفقنا لها جميعا، وكانت أحكام في هذا الإطار عاقبت المتحرشين بعقوبات حبسية تتراوح ما بين شهر وسنة، بالإضافة إلى عقوبات مالية. هنا، ربما حتى السلطة التقديرية للقضاء يجب أن تكون حاضرة؛ لأن واقعة الإمعان متوفرة. وبالتالي، كيف ما كان تكريس الإمعان، يجب أن يكون تكريس الزجر".

كما قالت الصغيري إن "عقوبة متراوحة ما بين شهر وسنة هي عقوبة خفيفة جدا، بالنسبة للعنف الذي تعرضت له الفتاة. نحن لا نتحدث عن التحرش الجنسي فقط، وإنما عن العنف النفسي أيضا، والذي نصت عليه مقتضيات المادة 1 من القانون 103.13، التي عرفت أنواع العنف"، موضحة أن "العنف النفسي يتضمن الاعتداء اللفظي، وأكيد أنها تعرضت له هو الآخر. وبالإضافة إلى كل هذا، فإن التحرش تتحقق فيه واقعة التهديد. وبطبيعة الحال، كل هذا فيه مساس بكرامتها وبحريتها. لقد عرضوها للتخويف والإرهاب".