مازال ميدان طب الأسنان يعرف حالة فوضى كبيرة، سببها متطفلّون يمارسون المهنة دون حسيب أو رقيب، أو أي شيء يضمن حق أناس تتم المتاجرة في صحتهم، ونفسيتهم، وحياتهم الاجتماعية، والذين كل ذنبهم أنهم قصدوا "عيادات" لنصابين، ومحتالين، ومنتحلي صفة، ليتخلصوا من آلامهم، دون أن يدروا الدوامة التي أدخلوا فيها، والتي لن ينقذهم منها حتى القضاء.
ومن بين قصص كثيرة حزينة، كشف أمين توفيق، رئيس المجلس الجهوي للجنوب لهيئة أطباء الأسنان الوطنية، في تصريح لموقع "تيلكيل عربي"، أن "فضيحة تفجرت بقصة تادلة، بطلها شخص (ز.ف)، ينتحل صفة طبيب أسنان راح ضحيته شاب يدعى ياسين ثلجة، قصده من أجل تثبيت ضرسين في الجهة اليسرى من الفك العلوي، مقابل سومة 2000 درهم، ليتفاجأ بسقوطهما بعد مرور أسبوع، وبأنهما مكونان من مادة بلاستيكية، وليس من مادة العاج كما كان متفقا عليه".
وأضاف توفيق أن "ياسين ظلّ يتردد على المرفق الذي يدعي صاحبه أنه عيادة، لمدة سنة ونصف، قبل أن يقترح عليه صانع الأسنان الاستفادة من حشو لضرسه السفلي، كتعويض له عن الاتفاق الأول، وهي العملية التي أجريت في الأسبوع الأول من مارس 2020، بطريقة غير مطابقة لمعايير مهنة طب وجراحة الأسنان، ما تسبّب له في التهاب وتقيح على مستوى الفم نزل إلى منتصف العنق".
ولفت إلى أن "تعرّض ياسين لتعقيدات طبية، صادف فترة بداية جائحة "كورونا"؛ حيث لم يجد طبيبا ينقذه، قبل أن يتدخل مجموعة من الأطباء الذين أجروا لهم عملية جراحية، ما مكنه من تجاوز الخطر".
وأكّد أمين توفيق أن "ياسين لم يجد غير الهيئة ليقصدها، حتى يتأكد من أهلية "الطبيب" الذي يشتغل في هذا المرفق لأزيد من 20 سنة: "قمنا بتسليمه شهادة، في إطار اختصاصاتنا، تؤكد أن ذلك الشخص غير مقيّد بجدول الهيئة، وليس بطبيب. لذلك، فهو ممنوع منعا كليا، من مزاولة طب الأسنان بالقطاع الخاص".
وتابع: "بعد منح الضحية ياسين الشهادة، راسلنا والي جهة بني ملال خنيفرة، والسلطات مشكورة قامت بمعاينة ذلك المرفق الذي يعلق يافطة على بابه، تفيد بأنه عيادة لطب الأسنان، ليتبين أن ذلك المنتحل للصفة لا يتوفر على دبلوم ورخصة".
وأضاف: "وعلى إثر هذه المعاينة التي قامت بها السلطات، قاموا بإقفال المرفق الذي يمارس فيه المشتكي عليه طب الأسنان، بصفة غير مشروعة، إلا أنه تحدى السلطات، وقام بفتح مرفق آخر، يبعد عن الأول بقرابة 100 متر. وبناء عليه، دخلنا على الخط كطرف مدني، وقمنا برفع دعوى قضائية ضده. ورغم كل الإثباتات، تم الحكم بالبراءة عليه، ابتدائيا. الآن، مازالت المحاكمة مستمرة أمام محكمة الاستئناف ببني ملال، وأنبّه هنا إلى التأخير الذي شهدته القضية على مدى 15 جلسة، بسبب رفض الشاهد الذي كان يرافق المتضرر إلى المرفق، الحضور، من أجل الإدلاء بشهادته، رغم وجود أمر للنيابة العامة بالإحضار".
وأوضح توفيق: "حتى في الإثباتات، أكد محضر المعاينة الذي قامت السلطات العمومية بتحريره، ووقعت عليه لجنة تضم 10 أعضاء، من بينهم ممثل لوزارة الصحة، وممثل لهيئة أطباء الأسنان الوطنية، وممثل للجماعة، وممثل للشرطة الإدارية، أن المرفق غير مرخّص، وأن مرمم الأسنان غير حاصل على دبلوم يخول له ممارسة مهنة طب الأسنان، وهذا ما يثبت أنه منتحل للصفة، وهو ما تعاقب عليه المادة 381 من القانون الجنائي بالحبس، لمدة تتراوح ما بين 3 أشهر إلى سنتين".
من جهته، قال ياسين ثلجة في تصريح لـ"تيلكيل عربي": "بعد كل ما تعرضت له، حضّرت ملفا طبيا مفصلا لحالتي، وتقدمت بشكاية لدى النيابة العامة. إلا أنه لم تتم معاينة مرفق المشتكى عليه، أو الاستماع إليه. وبعد أسبوع، سأتفاجأ بتحفيظ الشكاية، بدون مبرر، وبدون مآل، قبل أن يتم تحريكها، حينما دخلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على الخط، وراسلت النيابة العامة والوكيل العام؛ حيث تم الاستماع للأطراف المعنية. إلا أن المفاجأة الكبرى كانت دخول طرف ثالث في القضية، وهو شقيق منتحل الصفة رقم 1، وادعاؤه أمام الضابطة القضائية، أنه طبيب أسنان هو الآخر، وأنه هو من عالجي بدلا من شقيقه، حتى ينقذه من ورطته، فضلا عن ذكره في المحضر أنه صادفني ذات يوم في المرفق، وذكره لتواريخ علاج مختلفة تماما عن التواريخ الذي ذكرها شقيقه، وهو ما أسقطهما في فخّ التناقض".
وأوضح ثلجة: "الشخص منتحل الصفة رقم 2 غير مقيد بجدول هيئة أطباء الأسنان الوطنية هو الآخر، ودبلومه غير مطابق، ولا يتوفر على أي ترخيص لمزاولة هذه المهنة"، مشيرا إلى "ادعائه حصوله على الدكتوراه من روسيا".
وأشار المشتكي إلى أنه "وجّه شكاية بالنصب والاحتيال، ومزاولة مهنة ينظمها القانون، وهي فصول متابعة الطرفين من طرف النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية لقصبة تادلة"، مبديا استغرابه من "صدور حكم بالبراءة لصالحهما، بعد مرور ست جلسات، تغيبا عنها".
وتابع ياسين ثلجة: "وبالإضافة إلى الأضرار الصحية التي لا أستطيع وصفها، والتي كانت ستؤدي إلى وفاتي، لولا تدخل الطبيب الذي أجرى لي عملية، ووثّق لي تقريرا طبيا مفصلا لحالتي، كانت هناك أزمة اجتماعية تمثلت في توقيفي عن العمل، نظرا لتغيبي المستمر، بسبب حضوري لأكثر من 14 جلسة بمرحلة الاستئناف، بعدما لم ينصفني القضاء، في المرحلة الابتدائية. أضف إلى ذلك، الآثار النفسية. فأنا لم أعد أجرؤ على التبسم، أو التكلم وشخص ما بقربي".
وعودة إلى تواريخ الإغلاق، أوضح ثلجة لـ"تيليكيل عربي" أن إغلاق المرفق الأول تمّ، يوم 28 أكتوبر 2021، بينما تم إغلاق المرفق الثاني قبل 22 يوما تقريبا فقط، وذلك بعدما دخل في اعتصام مفتوح أمام المحكمة الابتدائية بقصبة تادلة، يوم 22 فبراير المنصرم، وخروجه بتصريحات إعلامية أكد فيها أن "هذا الشخص فوق قوة القانون، وإلا كيف يعقل أنه افتتح مرفقا ثانيا، رغم عدم تسويته لوضعيته القانونية والإدارية، بعد إغلاق مرفقه الأول؟"
وأشار ياسين ثلجة إلى أن "المشتكى عليه أنكر أمام الضابطة القضائية أنه طبيب أسنان، وأنه مرمّم أسنان فقط، رغم أنه تم في محضر المعاينة، ضبط أدوات زرع الأسنان، ومواد صيدلانية، ومخدر، بالمرفق المشبوه، فضلا عمّا صرح به المرضى الذين تم ضبطهم أيضا.. ها لّي باغي يتبث ضرسة، ها لّي باغي يدير الحشو".
وتابع أنه "تلقى اتصالا من رئيس فرعية مرممي الأسنان الذي عرض توسطه، من أجل إبرام صلح بين الطرفين، والذي قال له بصريح العبارة: أنا نقاد لك فمك. خليني مني ليه وحكم باش ما بغيتي".
وكشف المشتكي أن "منتحل الصفة رقم 1، وبمجرد الوصول إلى الجلسة الثالثة، قام بتغيير يافطة مرفقه من عيادة لطب الأسنان إلى عيادة الأسنان للترميم، وهو ما تم توثيقه عن طريق عون قضائي".
وأشار إلى أن "المرمم منتحل الصفة الذي لا يمنح مرضاه أي وصفة طبية باسمه وباسم العيادة، أنكر علاجه له، متناسيا أن هناك رسائل بصوته عبر تطبيق "واتس آب"، يصف فيها الدواء المناسب للمتضرر، خلال فترة مرضه، ووعده له بأنه سيكمل معاينته لاحقا، وهو ما تم إثباته".
وتساءل ثلجة في هذا السياق: "كيف تسمح السلطات المحلية لشخص منتحل لصفة طبيب أسنان، بتعليق يافطة مزعومة فوق باب مرفقه للترميم؟ ثم كيف يعقل أن يتم إغلاقه مرفقه الأول، ليفتح مرفقا ثانيا أمام أعين الجميع، عن بعد 100 متر فقط، وكأن شيئا لم يحدث؟ هناك تواطؤ كبير، وأنا أتحمل مسؤولية كلامي".
وأفاد المشتكي بأن "مرمّمي الأسنان بمنطقته راكموا ثروات كبيرة، في فترات زمنية قصيرة، بسبب تقديمهم لخدمات خارج مقتضيات القانون، مقابل نفس الأثمنة الخاصة بأطباء الأسنان، فضلا عن عدم أدائهم للضرائب"؛ إذ "لا يتعدى ما يقومون بدفعه 700 درهم سنويا"، حسب رئيس المجلس الجهوي للجنوب لهيئة أطباء الأسنان الوطنية.
وختم ياسين ثلجة تصريحه لـ"تيلكيل عربي": ما يفعلون ببساطة، هو المتاجرة في صحة البشر، أمام أعين المسؤولين"، لافتا إلى أنه "مازال مستمرا في اعتصامه أمام المحكمة الابتدائية لقصبة تادلة؛ حيث يبيت في الشارع، تحت قساوة البرد، رغم توصله بعرض من مرمم الأسنان بـ50 ألف درهم، مقابل تنازله عن المتابعة، وهو ما رفضه رفضا قاطعا".
يشار إلى أنه تم تداول ملف ياسين ثلجة، أمس الاثنين 28 مارس 2022، في انتظار ما سيسفر عنه قرار القضاء.