في البرلمان الأوروبي، لا يوجد أصدقاء الرباط فقط، بل هناك العديد من النواب الأوروبيين الذين يساندون طروحات البوليساريو، ويميلون إلى التصويت ضد الاتفاقات المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. "تيل كيل" تنقلك إلى كواليس "المعركة الديبلوماسية" التي خاضها المغاربة في البرلمان الأوروبي لضمان مصادقته على اتفاق الصيد البحري.
الساعة تشير إلى التاسعة من صباح هذا اليوم، 12 فبراير، في مدينة ستراسبورغ (شمال شرق فرنسا). أحمد رضا الشامي، الذي مازال يقوم بأعمال سفير المغرب لدى الاتحاد الأوروبي يجلس بإحدى طاولات مطعم النواب الأوروبيين محاطا باثنين من مستشاريه. ليس لوقت طويل. إذ بالكاد تناول الثلاثة نصف "كرواسون" حتى نهضوا وقصدوا طاولة قريبة، بعد أن رصد أحد مستشاريه نائبة أوروبية تجلس لوحدها. فهذه فرصة لتذكيرها بأنه عند الساعة 12.30، يجب عليها ألا تنسى التصويت، وتأييد اتفاق الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، ورفض الملتمس الذي يقترح طلب رأي محكمة العدل الأوروبية حول شرعية الاتفاق.
في الواقع، لم يكن هناك أي تشويق بخصوص نتيجة التصويت على بعد بضع ساعات من إدلاء النواب الأوروبيين بأصواتهم، وبعد أقل من شهر على مصادقتهم على الاتفاق الفلاحي في 16 يناير الماضي. وبالفعل لن يعبر الوفد المغربي الحاضر بالبرلمان الأوروبي عن فرح جارف بعد مصادقة هذه الهيئة التشريعية الأوروبية على اتفاق الصيد ورفض طلب رأي محكمة العدل الأوروبية بـ415 صوتا مؤيدا مقابل 189 معارضا، فيما امتنع 49 نائبا عن التصويت.
استمرار اليقظة
مع ذلك، كان على المعسكر المغربي الحفاظ على يقظته طيلة الأيام القليلة التي سبقت موعد التصويت. ويقول عبد الرحيم عثمون، رئيس اللجنة البرلمانية المختلطة المغربية الأوروبية، "منذ ظهور نتيجة الاتفاق الفلاحي، لمسنا تعزيزا للوبيينغ من طرف أعداء الوحدة الترابية للمغرب، من أجل التشويش على هذا المسار الإيجابي بين المغرب والاتحاد الأوروبي. وظهر هذا الأمر جليا لدى مؤيديهم التقليديين مثل الخضر، وحتى الاشتراكيين".
الخميس سابع فبراير، اجتمعت ندوة الرؤساء، التي تتألف من رئيس البرلمان الأوروبي وقادة الفرق البرلمانية الثمانية. لم يكن الهدف من الاجتماع اختيار الفائز بجائزة سخاروف، وهي من صلاحيات هذه الندوة، بل كان يروم تحديد جدول أعمال الجلسة العامة التي ستفتتح يوم الاثنين الموالي. وحمل الاجتماع مفاجأة للمغرب، إذ تم تقديم التصويت على اتفاق الصيد إلى يوم الثلاثاء 12 فبراير، أي يوما واحدا قبل الموعد الذي كان مبرمجا في السابق، "لأن ملك إسبانيا سيحل بالمغرب يوم 13 فبراير" يقول نائب أوروبي إسباني. بالمقابل حملت ندوة الرؤساء خبرا سارا يتمثل في كونهم قرروا عدم السماح بأي مناقشة قبل التصويت.
ولكن فريق الخضر أصر مع ذلك على طلب إجراء مناقشة مع انطلاق الجلسة صباح الاثنين. في هذه الحالة كان يجب إخضاع طلب الخضر لتصويت النواب الحاضرين. "كنا نتوقع هذا. فقد سبق للخضر أن قاموا بالأمر ذاته في ملف الاتفاق الفلاحي، وتم رفض طلبهم بفارق عشرة أصوات فقط لأنه لم يكن حاضرا سوى 350 نائبا من أصل 750" يقول مصدر مغربي. ولكن هذه المرة حضر عدد كاف من النواب.
تحصين التصويت
بعد التخلص من مسألة المناقشة هذه. كان يجب تحصين توجيهات التصويت لدى مختلف الفرق البرلمانية. ويقول مصدر مغربي " كان يجب التأكد من كون فريق ليبراليي الوسط (هو رابع أهم فريق بالبرلمان الأوروبي) سيعطي توجيهاته بالتصويت لصالح الاتفاق. لم يكن هذا مؤكدا لأن 'نيلس تورفالدس'، مقرر الظل (أي نائب مكلف بمتابعة ملف معين مع المقرر الرسمي) من فنلندا وينحدر من أقلية سويدية ويصوت ضد المغرب".
ومن اديس أبابا، تخلى وزير الشؤون الخارجية، ناصر بوريطة، عن مهامه داخل الاتحاد الإفريقي لبضع دقائق ليهاتف عضوا مؤثرا بهذا الفريق البرلماني، فكانت النتيجة أن أعطت هذه المجموعة توجيهاتها بالتصويت لصالح المغرب.
ولكن هناك ما هو أخطر من هذا. فقد استقبل جياني بيتيلا، الرئيس الإيطالي للفريق الاشتراكي، وفدا من البوليساريو صباح الاثنين. وكان الفريق سيجتمع بعد الزوال اليوم نفسه لإعطاء توجيهاته بخصوص التصويت. وكان النواب الاشتراكيون الألمان (عددهم 27 برلمانيا) يعتزمون التصويت لصالح طلب رأي المحكمة الأوروبية، وتبعهم أربعة نمساويين و14 بريطانيا. "من المستحيل التصويت ضد الاتفاق وتأييد إحالته على المحكمة الأوروبية تعتبر طريقة لتجنب الإدلاء صراحة بموقف واضح" قال اشتراكي إيطالي. إثر هذه التحركات تعبأ كل أعضاء الجهاز المغربي لوقف النزيف. هكذا حرك وزير الخارجية علاقاته في مصلحة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، ومن جهته اتصل عبد الرحيم عثمون بالنائبة الاشتراكية الإسبانية، إنيس أيالا، التي تترأس معه اللجنة البرلمانية المختلطة المغربية الأوروبية. هذه الأخيرة أوضحت لأصدقائها المغاربة أنها قالت للألمان "لما تقصدون جزر الكناري لقضاء عطلكم، ترون بعيونكم أن أوضاع الصيادين هناك لا تبعث على الارتياح بتاتا.. هم محتاجون لهذا الاتفاق".(...)
من جهته، يواصل السفير أحمد رضا الشامي لقاءاته بوتيرة جهنمية. نائب اشتراكي بلجيكي قال له في مكتبه "هل رأيت هذا؟ البوليساريو يقصف بالميلات منذ بضعة أيام"، ومد هاتفه للديبلوماسي المغربي. فورا أخذ أحد مستشاريه يهيء ردا وهو يسطر بالأحمر على المقاطع "الخاطئة"، بينما كان مستشار آخر يحدد المواعيد عبر الواتساب.
لا تتجاوز مدة اللقاءات 15 دقيقة بما فيها زمن الطريق. وكان السفير يتنقل راكضا بين البنايات الضخمة للبرلمان الأوروبي، من موعد إلى آخر(...). وخلال جريه، لم يكن السفير، الذي يقول إنه التقى بشكل رسمي أكثر من 320 نائبا منذ تسلمه مهامه في بروكسيل في نونبر 2016، يتوقف سوى لتحية النواب الأوروبيين الذين ينادي بأسمائهم الشخصية. وكان لديه لكل واحد منهم كلمة خاصة بلورها بعد أن درس بدقة سيرته الشخصية. فهو يعرف أن هذا النائب ولد في 16 ماي مثله، وأن هذا الأخر سبق له أن اشتغل لدى "IBM" أي في مجال المعلوميات مثله هو الذي كان في صفوف ميكروسوفت. في طريقه التقى نائبا فبادره "كيف كان طعم التفاح في الطريق السيار؟". فقبل أيام أخبره أحد أقاربه أن التقى هذا النائب بمحطة استراحة وشاهده وهو يأكل تفاحة. واستغل السفير هذه المعلومة البسيطة للحديث معه. "ياه، ما هذا.. يبدو أن المخابرات المغربية في كل مكان" رد النائب المكلف بحماية المستهلكين بابتسامة خبيثة(...)
كل هذه الجهود لم تكن حاسمة في النهاية، لأن النصاب القانوني غاب في اجتماع فريق الاشتراكيين بعد زوال ذلك الاثنين، وبالتالي كان قرار الحسم في توجيه التصويت بيد مقررة الفريق. هذا أراح الجانب المغربي كثيرا، فالمقررة كلارا أغيليرا، وهي من إسبانيا - كانت كذلك نائبة رئيس لجنة الفلاحة وعضو في لجنة الصيد- كانت مؤيدة للجانب المغربي(...)
هكذا ورغم محاولات أخيرة للبوليساريو صباح يوم التصويت، وكذلك محاولة الخضر الإسبان، حصل اتفاق الصيد على الضوء الأخضر من الهيئة التشريعية الأوروبية(...).
ترجمة بتصرف: تيل كيل عربي