كوبل مغربي عالق في أوروبا.. من سفر عمل إلى الدنمارك إلى سياحة إجبارية في إسبانيا

عبد الرحيم سموكني

انقلبت رحلة عمل من أجل التوقيع على عقد حصري لنقل تكنولوجية دنماركية إلى المغرب، إلى كابوس نفي قاس، أبعد أبا وأما عن بناتهما الأربعة لمدة تزيد عن الثلاثة أشهر، نتيجة إغلاق الحدود في وجههما بعد تطبيق المغرب لحالة الطوارئ الصحية.

بعد أن نجح المقاول المغربي عبدالرحيم عبيدة في التوصل إلى اتفاق مع إحدى الشركات الدنماركية على توقيع عقد حصري لنقل تكنولوجيا الاتصال اللاسلكي إلى المغرب، كان عليه التنقل إلى هذا البلد الاسنكندنافي من أجل التوقيع النهائي على العقد.

أراد عبدالرحيم وزوجته استغلال رحلة العمل التي ستستغرق اسبوعا لينعما برحلة سياحية موازية، لذا قرارا العبور إلى أوروبا عبر السيارة، ليقصدا أول الأمر مدينة هامبورغ الألمانية التي وصلاها يوم 27 فبراير الماضي، والقريبة من الدنمارك، أرادا اكتشاف بلاد الجرمان ثم العبور إلى بلاد الفايكينغ، والوصول إلى مدينة سوندربورغ الدنماركية حيث مقر الشركة المزمع التوقيع معها.

يقول عبدالرحيم عبيدة لـ"تيلكيل عربي" "ما بدأ كقصة نجاح انقلب إلى معاناة مست أسرة بأكملها، وعصفت بنفسيات أطفال وجدوا أنفسهم غير قادرين على استيعاب منع والديهما من العودة إلى وطنهم، لم أتوقع أبدا أن أعيش ظروف إبعاد كهاته".

كانت ثلاثة أيام كافية في مدينة سودنربورغ لإتمام العمل وتوقيع العقود، يقول "لقد لاقينا ترحابا كبيرا من طرف الشركة الدنماركية، وتفاجأنا لكونهم حجزوا لنا غرفة في فندق فاخر على حسابهم".

في بداية مارس سيعود الزوج إلى هامبورغ لقضاء بضعة أيام قبل مواصلة الرحلة صوب جنوب أوروبا ثم دخول المغرب، لكن رياح الوباء ستقلب الأوضاع رأسا على عقب.

ستصل أولى الأنباء عن إغلاق المغرب لحدوده كالصاعقة على رأس الزوج المغربي، فبعد وصوله إلى إسبانيا، حاولا اللحاق بآخر رحلة إلى المغرب، بعدما نجحا في العثور على مكان لترك السيارة، لكن دون جدوى، بعدها سيحاولان السفر إلى البرتغال بعدما علما بأن لشبونة لم تغلق أجوائها بعد، كما فعلت إسبانيا قبلها بيومين.

 

يحكي عبيدة "لم نتصور أن يطول مقامنا القسري لأكثر من شهر، رغم أن الأجواء والحدود أغلقت في وجهنا دون سابق إنذار، ورغم اننا تركنا اربعة بنات اصغرهن سنا تبلغ من العمر 3 سنوات، دون الحديث عن وضع الشركة التي نسير، فبحكم أن زوجتي هي نائبتي في التوقيع، كان الوضع صعبا سواء على المستوى الأسري أو المهني، حاولنا السفر إلى تركيا والعودة إلى المغرب، بحثنا عن كل الطرق للعودة لكن دون جدوى".

بعد البلوكاج في إسبانيا، سيرفض الزوج المغربي الاستفادة من دعم القنصلية المغربية في مالقا، مفضلين أن يدفعا نفقات الفندق على حسابهما، يقول عبيدة "لقد تفاجأ القنصل المغربي من رفضي الاستفادة من نفقات الإيواء والمأكل، والسبب أني شاهدت حالات محرجة لمغاربة عالقين، وارتأينا أن نترك مكاننا لمن هو في حاجة أكثر منا للغرفة والمأكل، وهو تصرف استقبله القنصل بإعجاب".

يكتري الزوج شقة في منطقة "ستيبونا" السياحية الإسبانية منذ منتصف شهر مارس، وهما اليوم مهددان بالطرد مع اقتراب فصل الصيف وفتح دول الاتحاد الأوروبي للحدود فيما بينها، وهو ما يدفع أصحاب الشقة إلى التخلص منهما بحثا عن نزلاء صيفيين بأسعار مرتفعة.

يروي عبدالرحيم عبيدة ظروفه كعالق بمرارة كبيرة ويقول "غادرنا المغرب في رحلة عمل، وكان هدفنا جلب تكنولوجيا جديدة إلى البلاد، فوجدنا أنفسنا مبعدين وممنوعين من العودة إلى أطفالنا وديارنا، من الطبيعي أن نحس بالغبن فكدافع ضرائب، أحسن بالخزي من موقف الحكومة المغربية وتدبيرها لهذا الملف، كان من الأجدر أن يقترحوا منذ البداية أن يدفع العالقون مصاريف رحلتهم ومصاريف العزل والكشف عن الفيروس، كنا مستعدين لذلك منذ اليوم الأول، وكم صعب أن أشهد باخرة عائدة إلى بلدي وهي فارغة من الركاب، لقد صرنا محل تعاطف من طرف الشرطة الإسبانية والمواطنين، الذين يستغربون كثيرا لموقف حكومتنا من عودة العالقين".

 

يحاول عبدالرحيم تسيير مقاولته المستقرة في الدارالبيضاء من إسبانيا اليوم، بعدما تعب من رحلات الذهاب والإياب إلى القنصلية المغربية، بعدما مل من الوعود، وما زاد حزنه وتذمره فشله في العثور على مقعد في الطائرات التي أقلت بعض المغاربة العالقين بحر الشهر الماضي.

كل شيء يهون بالنسبة لرجل الأعمال المغربي، لكن الأثر النفسي الذي ترك جرحا أعمق يتجلى في معاناة أطفاله، يقول "ترفض بناتي اليوم التكلم معنا عبر تطبيقات الاتصال المرئي، لأنهم ملوا من سماع الوعود، ويعتقدن أننا تركناهم وهربنا أو تخلينا عنهن، هذا الجانب هو أكثر ما يؤلمنا بحرقة".