خرج أكثر من 200 وفد شاركوا في مؤتمر الأطراف الموقعة على الاتفاق الأممي حول التغيرات المناخية "كوب 24" بكاتوفتشي البلونية، في وقت متأخر من يوم السبت الماضي، بأقل الأضرار الممكنة، بعد مفاوضات عسيرة، أفضت إلى الاتفاق دون إجماع على تنفيذ مقررات اتفاق باريس للحد من ارتفاع حرارة الأرض، بحيث لا تزيد عن درجتين مئويتين، رغم أن الهدف كان هو سقف 1.5 درجة بحلول العام 2030.
ووسط كل الزخم الذي عرفه المؤتمر، وتدخل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس أكثر من مرة للدفع بمسار المفاوضات، كان للنشطاء البيئيين في الدول العربية والمغاربية، نصيب من المشاركة في مسار التفاوض، بعقد لقاءات وتنظيم ورشات على هامش المؤتمر، والمشاركة في المفاوضات حين تمنح الكلمة للمجتمع المدني.
"تيل كيل عربي" رافق تكتلاً يضم أكثر من جمعية وشبكات تجمع الآلاف من المنظمات التي تعنى بالبيئة والمناخ تمثل 12 دولة عربية ومغاربية، وحضر معهم لقاء تقييم حصيلة تحركاتهم بين أروقة وفضاءات وقاعات التفاوض بمكان انعقاد "كوب 24" بكاتوفيتشي.
تحركات كانت الغاية منها حشد الدعم لقضايا البيئة والمناخ بالدول العربية والمغاربية، وكشفوا للموقع كواليس ما دار، وما يحمل المستقبل للدول والشعوب، والقطاع الخاص المقبل على رسوم ضريبية بسبب مصادقة الدول على إجراءات التأقلم.
خلية لصالح البيئة
عددهم يفوق العشرة. عند فضاء فسيح قرب باب الولوج الأخير إلى داخل مكان انعقاد "كوب 24"، اتخذوا من زاية صغيرة مكاناً لعقد اجتماعات التقييم، حيث يقوم كل عضو بالإئتلاف أو التكتل كما يسمونه، بتقديم تقييمه الخاص عن مشاركتهم في فعاليات المؤتمر الأممي، ومدى تقدم المفاوضات لصالح القضايا التي يدافعون عنها، بينهم نشطاء من المغرب ولبنان وموريتانيا وتونس والأردن وفلسطين، بالإضافة إلى جنسيات أخرى تتحرك وفق الأجندة التي وضعوها، وهمهم انتزاع مكاسب لصالح البيئة والأرض التي يقطنونها.
تقول سامية الباوشي، مغربية، عضوة الهيئة الإدارية لشبكة العمل المناخي بالعالم العربي، إن "مشاركتهم في كوب 24، تأتي تمثيلاً لمجتمع مدني فاعل في قضايا البيئة والمناخ، وهم هنا انطلاقاً من الواقع الذي تعيشه الدول العربية والمغاربية من أضرار بسبب التغيرات المناخية، ومهمتهم نقل المعاناة التي تعيشها الشعوب".
اشتغلوا طيلة المؤتمر، على تقريب وجهات النظر بين المسؤولين في الدول العربية والمغاربية، عبر عقد لقاءات مشتركة
وتضيف الباوشي، أنهم اشتغلوا طيلة المؤتمر، على تقريب وجهات النظر بين المسؤولين في الدول العربية والمغاربية، عبر عقد لقاءات مشتركة، والتعريف بالتجارب المختلفة، وتوفير المعلومة البيئية لوفود المسؤولين الحكوميين المشاركين في المفاوضات.
وتشدد المتحدثة ذاتها، على أن "الدول العربية والمغاربية، مقبلة على تغيرات لها أثر خطير على المناخ، وأصبح من المفروض علينا تغيير توجهاتنا الاقتصادية بالدرجة الأولى، فضلاً عن السلوكيات".
وتضيف المغربية الباوشي: "قبل قدومنا إلى كوب 24، قمنا بتقسيم المهام فيما بيينا، ووضعنا منسقاً لكل لجنة، هناك من يتابع مسألة التمويلات وسير المفاوضات بشأنها، وهناك من يتابعون آثار التغيرات المناخية ويجمعون التقارير والأرقام المعلنة من طرف الدول والخبراء والجمعيات والمنظمات في ما يخص الدول العربية والمغاربية، وآخرون يرصدون تقارير صناديق المناخ وحصيلة اشتغالها مع الدول والمنظمات، ومنا من يشرف على التنسيق بين المسؤولين الحكوميين في المنطقة، فضلاً عن حضور جميع عروض الجمعيات غير العضوة في الشبكة للاستفادة من تجاربها وخبرتها".
وتلخص عضوة الشبكة عملهم في "خلق لوبي للضغط في مسار المفاوضات، ليس فقط لصالح الدول العربية والمغاربية، بل لصالح باقي الدول التي تعيش نفس الأوضاع المناخية، لالتزام الدول الغنية الأكثر تلويثاً للأرض باتفاقية باريس، خاصة أمام تراجعها على الوفاء بالتزامها للمصادقة على خارطة تنزيله خلال مؤتمر كاتوفيتشي".
مسار المفاوضات
طيلة أيام المؤتمر، عملت شبكة العمل المناخي بالعالم العربي، على ضمان وجود أحد أعضائها أو أكثر في كل اللقاءات التي يمكن حضورها كمجتمع مدني.
في هذا الإطار، تقول آسيا كزي، عضوة الهيئة الإدراية بالشبكة، والمكلفة بتنسيق لجنة تتبع مسار المفاوضات والمشاركة فيها، لـ"تيل كيل عربي"، إن "كوب 24 كان محطة مهمة جداً، لأنه كان من المتوقع أن يضع قواعد المصادقة على تنزيل اتفاق باريس وتطبيقه، أي كل ما يتعلق بالشفافية والتمويل وإجراءات التأقلم مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها وآليات تنزيل ذلك، كل هذا كان من المفروض أن يحسم في هذه القمة".
ما وقع خلال المفاوضات، هو الاختلاف عند انطلاق المؤتمر حول أكثر من 900 نقطة، قبل أن تتقصل إلى 600 نقطة خلافية، لم تحسم كلها رغم انتهاء المؤتمر
وتوضح آسيا أن "ما وقع خلال المفاوضات، هو الاختلاف عند انطلاق المؤتمر حول أكثر من 900 نقطة، قبل أن تتقلص إلى 600 نقطة خلافية، لم تحسم كلها رغم انتهاء المؤتمر وتهم أساساً إقناع الدول الغنية حول كيفية تمويل المعركة ضد التغيرات المناخية، والضغط عليها من اجل إقرار ما يسمى بإجراءات (العطل والضرر)، أي أن تدفع الدول الغنية الأموال لتلك الفقيرة من أجل مساعدتها على مواجهة تأثيرات تغير المناخ".
وتضيف المتحدثة ذاتها، أنه "كانت هناك عرقلة كبيرة للمفاوضات، خاصة من طرف المملكة العربية السعودية في المنطقة العربية والمغاربية، والتي وقفت سداً منيعاً أمام تشكيل تكتل يمثل منطقتنا، ويترافع لأجل القضايا التي تعاني منها الشعوب، خاصة ما يتعلق بالتصحر وشح مياه الشرب وانحصار الأراضي الصالحة للزراعة وصعوبة وصول الملايين من المواطنين للغذاء، ومشكلة النفايات، دون أن نغفل تحالف الخلافات المسلحة في المنطقة مع التغيرات المناخية، ما يجعل الأوضاع التي نعشيها أصعب بالمقارنة مع باقي الدول".
وتابعت الناشطة التونسية، أن "المفاوضات لم تصل إلى الأهداف المنشودة"، وتنقل جزء مما حضرته بالقول: "يوم الأربعاء 12 دجنبر الجاري، كان هناك ضغط قوي من خلال المرحلة السياسية لحوار تالانوا، الذي يعد من النتائج الهامة التي خرج بها مؤتمر الأطراف، والذي يضع حيز التنفيذ الاتفاقية المناخية التي وعدت الحكومات الالتزام بها قبل عامين، للحفاظ على درجة حرارة عند ارتفاع بأقل من 1.5 درجة مئوية".
كانت هناك عرقلة كبيرة للمفاوضات، خاصة من طرف المملكة العربية السعودية في المنطقة العربية والمغاربية، والتي وقفت سداً منيعاً أمام تشكيل تكتل يمثل منطقتنا
وتشدد آسيا، على أن "المجتمع المدني استبق عقد مؤتمر كوب 24 في كاتوفيتشي، ونظم حوار تالانوا شهر أكتوبر الماضي، وأفرز الاتفاق على توصيات وجهت للحكومات والسياسيين، للتقدم في المفاوضات وعدم التنازل عن سقف 1.5 درجة مئوية، لأنه هناك دفع نحو اعلان سقف 2 درجة مئوية بحلول العام 2030".
كما ذكرت الناشطة التونسية، "أن المفاوضات عرفت صعوبات جمة حول مسألة وصول الدول والمنظمات للتمويلات، أمام المعايير والعراقيل التي وضعتها الدول الرافضة لتنزيل اتفاق باريس، خاصة ما يهم الصندوق الأخضر للمناخ وصندوق التأقلم، وكانت الدول الإفريقية الأكثر اهتماماً بهذا الجانب وتركيزاً عليه، لأنه يهمها بالدرجة الأولى، وقالت إن مسألة وصولها للتمويلات يبقى صعباً جداً بل مستحيلاً في عدد من الحالات".
نقطة أخرى تشير إليها آسيا في حديثها لـ"تيل كيل عربي"، كانت محط خلاف بين الوفود الحكومية، وهي تقرير خبراء الأمم المتحدة (أي بيس ي سي 1.5)، ويتكون من 400 صفحة، صدر شهر أكتوبر الماضي، ويتضمن تحذيرا مباشرا وصريحا تجاه عدم المحافظة على ارتفاع حرارة الأرض في حد أقل من 2 درجات مئوية، وما لذلك من آثار على الكوب والحياة، وأشار التقرير إلى أنه أمام الدول عقد من الزمن فقط كفرصة أخيرة لتجاوز ارتفاع حدة التغيرات المناخية، وما سوف ينجم عنها من فيضانات مدمرة ومواسم جفاف طويلة بعدد من المناطق وتفقير الملايين من سكان الأرض، بالإضافة إلى إبادة الشُعب المرجانية، وإن لم يؤخذ هذا التحذير على محمل الجد سوف نضيع فرصة تخفيف الضغط على ذوبان جليد القطب الشمالي".
هذا التقرير حسب المتحدثة ذاتها، "اختلفت حوله الوفود المتفاوضة، واعتبرت الدول الغنية أنه لم يشر صراحة إلى مسؤوليتها تجاه ما وصلت إليه الأرض بسبب التلوث والتغيرات المناخية، بل خلقت بلبلة حوله كانت عنيفة في تدخلات عدد من الدول حين نقاشه، رغم أنه تم التوافق عليه حين صدوره باجماع جميع الدول الأطراف، بل وصلوا حد التشكيك في مصداقيته واعتبروا أنه سياسي أكثر منه تقرير علمي".
رغم التوافق على تقرير الخبراء حين صدوره باجماع جميع الدول الأطراف، وصل بعضهم حد التشكيك في مصداقيته واعتبروا أنه سياسي أكثر منه تقرير علمي
دور القطاع الخاص
بدورها ندى زعرور، تنقل لـ"تيل كيل عربي" كيف تحركت الشبكة خلال "كوب 24" بكاتوفيتشي، لاقناع مؤسسات القطاع الخاص المشاركة في مسار المفاوضات.
وتقول الناشطة اللبنانية، عضوة الشبكة وهي أيضاً رئيسة حزب الخضر اللبناني ورئيسة جمعية "الفكر الأخضر"، إن "فتح الحوار مفروض على الدول المشاركة كما كان الحال في المحطات السابقة، وعملنا طيلة هذا المسار على خلق منصة لاستقطاب جميع الفاعلين من أجل تبادل الآراء والإقناع بضرورة اعتماد اتفاق باريس".
وتشدد المتحدثة ذاتها، على أن "لقاءاتهم على هذا المستوى كانت ناجحة، واستطاعوا إقناع عدد من الفاعلين في القطاع الخاص، بمسؤولياتهم تجاه التغيرات المناخية، من منطلق أن القطاع الخاص هو الملوث الأول، ويجب أن يضع ضوابط لما تنتجه مؤسساته بالتعاون مع الحكومات، ومساعدتها على الالتزام بالاتفاقيات التي صادقت عليها، ويجب عليه أن يكون فاعلاً وليس مرافقاً فقط في مسار التفاوض، لأنه معني بالدرجة الأولى بإجراءات التكيف التي نص عليها اتفاق باريس".
القطاع الخاص النشيط بالدول الغنية مقبل على اجراء فرض رسوم على انبعاثات الكربون، ما سوف يؤثر على مصالحها، ويجب أن يعلم أن حكوماته صادقت على الإجراء
ومن بين ما نقشته الشبكة مع القطاع الخاص، حسب ندى زعرور "ضرورة فتح المجال لإنتاجات الدول الفقيرة والنامية بالأسواق العالمية، خاصة وأن القطاع الخاص النشيط بالدول الغنية مقبل على فرض رسوم ضريبية على نسب انبعاثات الكربون، ما سوف يؤثر على مصالحها، ولكن أيضا مصالح المؤسسات الخاصة الصغيرة بدرجة أكبر".
وتضيف رئيسة الخضر بلبنان، أن "مؤسسات القطاع الخاص، مجبرة خلال الـ15 سنة القادمة على التأقلم مع التغيرات المناخية، ودورنا هو اعطاؤهم المعلومة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مسألة فرض الرسوم على اتبعاثات الكربون وقعت عليها كل دول العالم تقريباً، أي هناك 13 فقط لم توقع على هذا الاتفاق، والحكومات ملزمة بتطبيقها".
كاتوفيتشي/بلونيا - مبعوث "تيل كيل عربي": أحمد مدياني