في كل استشارة انتخابية، كان الملك الراحل يتلاعب بنتائج الاقتراع. تقطيع الدوائر الانتخابية على المقاس، خلق أحزاب من عدم، حشو صناديق الاقتراع بأوراق تصويت وهمية... كل هذه تقنيات كان يوظفها، بل ويسرف في استعمالها. أسفله مختارات من المناورات الملكية في هذا الإطار.
في سنوات 1970 وعقب استشارة انتخابية جديدة تميزت هي الأخرى بالتلاعب، طرح الصحفي حميد برادة السؤال التالي على إدريس البصري: "لماذا تزورون الانتخابات؟"، فأجابه وزير الداخلية بدون أن يبدو عليه أي انزعاج: "لو كانت الانتخابات حرة، لحصد حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية جميع المقاعد. المقابلة ليست متوازنة، فنحن فريق الخميسات وهم فريق أجاكس أمستردام"، محيلا في جوابه على فريق كرة القدم الهولندي الذي كان حينها مهيمنا على الساحة الأوربية. هكذا إذن، وبطلب من الحسن الثاني، كان على الحكم البصري أن يمنح الامتياز لكثير من الفرق على حساب أخرى.
تقطيع انتخابي على المقاس
كان الحسن الثاني يتوفر على وسيلة وقائية لتفادي أي اكتساح انتخابي لحزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي لاحقا)، هي التقطيع الانتخابي؛ ووزراء داخليته المتعاقبون رسموا له دوائر انتخابية على المقاس، هدفها تقليص وزن الهيئتين السياسيتين في صناديق الاقتراع. "لقد وظف التقطيع الانتخابي منذ بداية عهده، وذلك انطلاقا من أول انتخابات تشريعية عرفها المغرب سنة 1963"، يتذكر محمد الخليفة، العضو التاريخي في صفوف حزب الاستقلال. في تلك السنة، ندد بكل ما أوتي صوته من قوة بالفضيحة، ومعه قادة آخرون لحزبه وللاتحاد الاشتراكي، حين وقف على أن مرسوم التقطيع الانتخابي وخريطة الدوائر الانتخابية نشرا بجريدة "كلارتي" (Clarté)، لسان حال جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، قبل صدورهما بالجريدة الرسمية. "هذا ما أكد التواطؤ القائم بين الحسن الثاني والحزب المؤسس من طرف أحمد رضا اگديرة قبيل الانتخابات بغية محاربة الاستقلال والاتحاد الوطني"، يضيف الخليفة. خصوصا وأنه كان يجوز لاگديرة، بصفته وزيرا للداخلية، الاطلاع على المعطيات المرقمة، معلومات يمكن إدراج استعمالها ضمن خانة "جريمة سوء استغلال المعلومات السرية". وسيصبح التنديد بالتقطيع الانتخابي على صفحات الإعلام الحزبي كلما حلت ساعة إحدى الاستشارات الانتخابية، جنسا من المقالات الصحفية التي تتردد باستمرار في مواعيد محددة. لكن، ما هو أهم نقد كانت سهامه توجه للخريطة الانتخابية؟ إنه إغراق المناطق الحضرية عن طريق ضم مناطق قروية إليها. منذ اعتلائه العرش، اعتمد الحسن الثاني على التصويت القروي للحد من تأثير أحزاب الحركة الوطنية، إذ كان بإمكانه الاتكال على أعيان مساندين له، أعيان يناصرون استمرار الوضع القائم ويشكلون قوة مضادة للطبقة الوسطى الحضرية الراغبة في التغيير السياسي.
إلى حدود سنوات 1980، ظل الملك يعول على هذا المكون السياسي الثابت. ويجسد التقطيع الانتخابي لاستشارة 1983 الجماعية مثالا صارخا على ذلك، حيث كانت الجماعات الحضرية تنتخب مستشارا عن كل 885 ناخب، والقروية عن كل 375 مسجل في اللوائح الانتخابية. كما تمت إعادة تقسيم الدار البيضاء والرباط، لينتقل عدد جماعات المدينة البيضاء من خمس إلى أربعة عشر جماعة، وتتفرع الرباط، المسيرة من قبل الاتحاد الاشتراكي منذ 1976، إلى ثلاث جماعات. كان من اللازم "تفادي تحول هذين القطبين الحساسين إلى فضاء لتبلور سلطة منتمية لليسار"، يكتب الباحث ألان كويس ضمن دراسته حول انتخابات 1983 الجماعية.
المنهج ذاته سيتكرر خلال تشريعيات 1984، إذ سيتعرض الوزن الانتخابي للدوائر الحضرية للتقليص مجددا عبر اعتماد دوائر قروية إلى جانبها. هكذا، فنائب بوجدور البرلماني يمثل أقل من 8.500 نسمة، في حين ينوب كل نائب عن إقليم تطوان مثلا على 117 ألف نسمة. "في بعض الدوائر، كان البرلماني يحتاج إلى 100 ألف صوت للظفر بمقعده، وفي أخرى، وهي عبارة عن قرى في الواقع، أقل من 500 صوت كانت تكفيه"، يفسر المؤرخ المصطفى بوعزيز الذي تابع العديد من الاستشارات الانتخابية.
وعلاوة على ما سلف، فالتقطيع الانتخابي لتشريعيات 1984 لم ينشر للعموم إلا 48 ساعة فقط قبل تاريخ إيداع الترشيحات، وذلك من أجل مباغتة الأحزاب السياسية على مستوى استراتيجياتها الانتخابية واختيار مرشحيها حسب الدوائر.
لنفحص اللوائح الانتخابية
جميع الوسائل كانت صالحة بالنسبة للحسن الثاني للتحكم في نتائج صناديق الاقتراع، وفي مقدمتها اللوائح الانتخابية. من ثمة، ولتقديم يد المساعدة لمرشحي الإدارة، كانت الآلة الإدارية تشرع في الاشتغال قبل الانتخابات بكثير. "وزارة الداخلية كانت ترصد دوائر بعينها لبعض المرشحين سنة قبل الانتخابات، موفرة لهم ما يكفي من الوقت لتكوين نواة صلبة من الناخبين من شأنها ضمان فوزهم"، يشرح المصطفى بوعزيز. وتتمثل المناورة الأولى في هذا المنهج في تسجيل ناخبين غير قاطنين في دائرة المرشح المعين. "آنذاك، تم ابتكار كلمة لتوصيف هذا الفعل: الإنزال. والأدهى أن القانون كان يبيح الأمر، لأن معايير التصويت في دائرة بعينها كانت جد فضفاضة: الإقامة، أو العمل، أو دفع ضرائب أو الازدياد فيها... ونظرا لعدم اللجوء إلى المقارنة بين المعطيات للتحقق، فالناخبون كانوا يستطيعون التصويت حتى في عشر دوائر مختلفة"، يضيف بوعزيز. أما ذروة التدليس، فكانت تتجسد في إقحام مغاربة مقيمين في الخارج ضمن اللوائح الانتخابية، بل حتى الموتى، لتوزع بطائقهم الانتخابية على أحياء يرزقون تذهب أصواتهم لفائدة المرشحين الذين اختارتهم الإدارة.
غداة انتخابات 1977 البرلمانية، لم يتخلف الاستقلال عن الإعلان بجهورية في جريدتي الحزب على أن السيل وصل الزبى، منددا باللوائح الانتخابية المملوءة بالمتوفين وبالهويات المزورة. وشهرا بعدها، أقدمت "البيان"، صحيفة التقدم والاشتراكية، على تعميق مدى المؤاخذة، طاعنة في الإحصاء الانتخابي لوزارة الداخلية الذي حدد عدد المصوتين في سبعة ملايين، في حين قدر حزب علي يعتة العدد في ثمانية ملايين ونصف.
أجل، ليس المرء بحاجة إلى أن يكون مهاجرا إلى الخارج أو متوفى ليسلب منه صوته. "بما أن بطائق الناخبين لم تكن تتضمن لا صورة الناخب ولا رقم بطاقته الوطنية، فـ "المقدمين" لم يكونوا يسلمونها لأصحابها في الدائرة الانتخابية ويوزعونها على غيرهم لترجيح كفة مرشح الإدارة"، يروي المصطفى بوعزيز. مثلما تشخص أسلوب آخر للإدارة في التشطيب على مناضلي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي من اللوائح الانتخابية. وقد جرد الاتحاد الاشتراكي، إثر تشريعيات 1977 التي لم يحصل خلالها إلا على الرتبة الرابعة، الخروقات التي طالته، مسجلا أن عددا من أعضائه لم يتسلموا بطاقاتهم الانتخابية.
أحزاب كوكوت- مينوت
شهد يوم 17 ماي 1963 إجراء أول انتخابات برلمانية في المغرب، مشكلا بذلك موعدا تاريخيا حل ثلاث سنوات بعد الاستشارات البلدية التي استعرض خلالها الاستقلال والاتحاد الاشتراكي قوتهما. شهران قبل التشريعيات، وردت للحسن الثاني، الملك الشاب إبانها الذي لم يكن ينظر بعين الرضا لاكتساح معارضيه المحتمل لصناديق الاقتراع، فكرة تكليف وزير الداخلية المقرب منه، أحمد رضا اگديرة، بتأسيس حزب جديد. الوافد الجديد سيحمل اسم جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (الفديك)، لتكون مهمته "محاربة الحزب الوحيد" وفق ما كان يشهر من أخبار. "كنا نسميه "الفليك" (البوليسي) أو "الفريك" (المال) في أوساط المناضلين"، يصرح محمد الخليفة بسخرية. والواقع أن الحسن الثاني حاول عبر هذه المناورة تصفية خصومه، حتى لو تطلب منه الأمر إضفاء واجهة عصرية على حزب الكوكوت- مينوت هذا. وهو ما حصل مثلا حين أصدر أحمد رضا اگديرة جريدته معنونا إياها بـ "كلارتي" (Clarté)، مقتبسا عنوان صحيفة الشبيبة الشيوعية الفرنسية، دون أن يجد أدنى حرج في نشر مقالات لرايمون أرون على صفحاتها تهاجم الشيوعية. وكان وزير الإعلام في تلك المرحلة مساندا لاگديرة، ما جعله يخلق له منبرا صحفيا بالمناسبة، تحت عنوان... "آخر ساعة". "كنا نعتبر نحن أحزابا معارضة للملكية، وهم مدافعون عن المؤسسات"، صرح لنا الراحل امحمد بوستة، عضو حزب الميزان التاريخي، نابشا في ذاكرته.
شهران فقط بعد تأسيسه، سيتفوق حزب سيدْنا الجديد انتخابيا على جميع خصومه. ولهذه المعجزة تفسير جد بسيط: حشو صناديق الاقتراع ببطاقات تصويت وهمية. كان بوستة، الذي ترشح حينئذ في مراكش، يحتفظ بذكريات مريرة حول الموضوع: "كنت قد غادرت منذ مدة يسيرة وزارة العدل. التقيت عامل المدينة في تلك الحقبة، فقال لي بدون لف ولا دوران إنني لن أفوز رغم شعبيتي في الدائرة الانتخابية. الجبهة هي التي حازت المقعد. وقد تدخلت الإدارة مباشرة في هذه الواقعة، حيث ذهبت إلى حد استبدال صناديق الاقتراع بأخرى."
"بصفته وزيرا للداخلية، كان رضا اگديرة يقدم نتائج انتخابات 1963 البرلمانية: الاتحاد الوطني للقوات الشعبية اكتسح الميدان في الرباط، حاصلا فيها على أربعة مقاعد مقابل عدم نيل الجبهة لأي مقعد، والمهدي بنبركة انتخب في البرلمان. فجأة، عمت الجلبة القاعة، ذلك أن الحسن الثاني كان قد وصل على التو. التحق اگديرة بالملك الذي تحدث إليه باقتضاب، ثم رجع ليعلن أن خطأ ارتكب وأن الجبهة حصلت على مقعد في العاصمة"، يتذكر الصحفي حميد برادة. وعلى سبيل الطرفة، فالمقعد المعني يخص دائرة توارگة والمشور، أي بصيغة أخرى القصر الملكي بالرباط. وصباح اليوم الموالي، تم الإعلان عن فوز محمد برگاش، أحد أصدقاء اگديرة، في الدائرة تلك... إذ احتسبت لصالحهءء الأصوات التي حصل عليها مرشح الاتحاد الوطني! وفي مدن أخرى، رفض بعض رجال السلطة من بين قدماء المقاومين أو أنصار حزب الاستقلال مد يد العون لجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، فكان مصيرهم النقل من أماكن العمل أو التشطيب من الوظائف.
أحرار فعلا؟
مستهجنا، لم يعمر حزب اگديرة، المدعوم من طرف أوفقير، طويلا. لذا سيلجأ الحسن الثاني إلى طرق مغايرة، لكن مع الاستمرار في مراقبة معارضيه السياسيين. هكذا، تقدم 159 مرشحا غامضا من "الأحرار" لانتخابات 1970، أغلبيتهم من الموظفين الذين انتخبوا خلال استشارة 1969 الجماعية. "نتائج الخمس وثمانين دائرة التي كانت الترشيحات فيها متعددة جد معبرة، ذلك أنها لا تترك أي مجال للشك حول الدعم الذي ناله المرشحون "الرسميون" من قبل السلطات بوصفهم مرشحين معينين قبليا من طرف السلطة"، يكتب جول دوبون في دراسته حول تشريعيات 1970. الباحث يستشهد على وجه الخصوص بحالة الحسيمة حيث فاز نائب كاتب الدولة في الداخلية، الذي لم تكن تربطه أدنى علاقة بالجهة، على منافسه المنحدر من المدينة بحوالي 20.000 صوت مقابل 16 صوت فقط لخصمه. الفائز كان يتحكم، بحكم وظيفته، في رجال السلطة.
سيراهن الحسن الثاني من جديد على "الأحرار" مع دنو انتخابات 1977 التشريعية. " كنا قد استوعبنا المناورة. الحسن الثاني كان يخطط لتأسيس حزب التجمع الوطني للأحرار قبل الانتخابات. وكان هذا تطويرا لتقنية "الأحرار" المعتمدة في تشريعيات 1970 لمواجهة الأحزاب الوطنية"، يبين محمد الخليفة، الوزير السابق في حكومة اليوسفي. وسيتم جمع شمل"الأحرار" المعنيين في سنة 1978 تحت لواء التجمع الوطني للأحرار، حزب الحمامة الذائع الصيت، الذي لم يتبوأ زعامته سوى الوزير الأول وصهر الحسن الثاني: أحمد عصمان. "إنها ممارسة الغش بواسطة التعدد الحزبي"، يعلق الصحفي حميد برادة، محيلا على تأسيس أحزاب من العدم قبيل الانتخابات. الحسن الثاني سيكرر التجربة هذه مكلفا وزيره الأول، المعطي بوعبيد، بإنشاء الاتحاد الدستوري الذي كان من المفترض فيه أن يضم نخبا حضرية جديدة لا يستقطبها لا الاستقلال ولا الاتحاد الاشتراكي، بورجوازية ذات تطلعات جديدة. ومرة أخرى، سيحصد الحزب الجديد الأخضر واليابس في انتخابات 1984 التشريعية، إذ سينال الاتحاد الدستوري 83 مقعدا، يليه في المرتبة الثانية... التجمع الوطني للأحرار. حميد برادة، الذي قام بتغطية تلك الاستشارة لأسبوعية "جون أفريك"، سجل حالة تزوير جلية لا غبار عليها: فيما كانت نتائج الصحراء قد وصلت إلى الإدارة المركزية، كانت نتائج الرباط لا تزال في قاعة الانتظار. "أكد لي إدريس البصري أن السبب يكمن في تعطل الحاسوب. ولقد حصلت على محاضر النتائج بالعاصمة، حيث احتل مرشح الاتحاد الدستوري الرتبة الأخيرة. غير أنه انتقل إلى الصف الأول لحظة الإعلان عن أسماء الفائزين"، يحكي حميد برادة. وقد كتب الصحفي أن الديمقراطية الحسنية ديمقراطية مستوحاة من شخص المسيح، يصبح في إطارها أصحاب الرتبة الأخيرة أولين. لكن الحكم لم يرق الرباط، ما أدى إلى حجز "جون افريك".
البصري مهندسا انتخابيا
إذا كان أحمد رضا اگديرة أول مهندس لتزوير نتائج صناديق الاقتراع، فإن أحد خلفائه، إدريس البصري، لم يقل عنه " لا حنكة ولا كفاءة" في هذا المجال. وبالمناسبة، فأثناء الإعلان عن نتائج أول انتخابات تشريعية جرت في المغرب، في 1963، جلس سليل مدينة سطات، وهو أيامها عميد شرطة، خلف اگديرة، مقدما نفسه على أساس كونه صحفيا، ولم يتوقف عن رصد حركات وسكنات رئيسه الإداري. "كنت منتخبا في مراكش سنة 1976. استدعانا العامل ليصدر لنا تعليماته بالتصويت على منتخب بالذات رئيسا للبلدية. رفضنا الأمر، فوجدنا أنفسنا في الكوميسارية التي قضينا بها عدة ساعات، كانوا يريدون الضغط علينا. قال لي شرطي برتبة عالية إن شخصا ما يريد التحدث إلي في الهاتف. المتصل كان إدريس البصري، الموظف السامي في وزارة الداخلية. أوضح لي أن سيدْنا غاضب منا لأننا رفضنا الانصياع لتعليمات عامل مراكش"، يتذكر محمد الخليفة.
سيتفوق التلميذ على معلمه اگديرة لما سيتسلم مقاليد وزارة الداخلية في 1979. "سنة 1997، ورغم وعود الحسن الثاني بضمان شفافية الانتخابات، تدخل البصري مباشرة عن طريق تزوير النتائج بطريقة مفضوحة. وقد رد علي بأكاذيب جوابا على استفساراتي. حينذاك ألقيت في البرلمان مداخلتي التي قلت فيها إن المغرب لن يتقدم ما دامت الانتخابات تزور فيه"، حكى لنا امحمد بوستة. عبد الرحمان اليوسفي، هو الآخر، تذوق مرارة التجربة أربع سنوات من قبل. في هذا السياق، يسجل محمد الطائع في مؤلفه "عبد الرحمان اليوسفي والتناوب الديمقراطي المجهض" بأنه في 1993، احتل الاتحاد الاشتراكي المرتبة الأولى برسم الاقتراع التشريعي المباشر المخصص لثلثي أعضاء البرلمان (...)، لكن هكذا منهج حساب كان يشكو من إغفاله للبصري، إذ سيفقد الحزب، رغم حصوله على 48 مقعد، متبوعا بالاستقلال بـ 43 نائبا.
محزنا كان هذا الفصل الذي دفع عبد الرحمان اليوسفي إلى الرجوع إلى كان في شتنبر 1993، التي لن يعود منها إلا بعد مرور ثلاث سنوات. ذلك أن البصري، المدعوم دائما من الحسن الثاني، دفع حماسته إلى بلوغ أقصى الحدود. وكدليل على هذا، نسوق الحكاية الطريفة التالية التي كان حميد برادة شاهدا عليها: في أحد الأيام، كان محمد عصمان، وهو حينها رئيس مجلس النواب، يعقد لقاء مع إدريس البصري في مكتبه. صهر الملك كان ملتزما بكتابة نص حول المؤسسات سينشر في كتاب رسمي. "مدح المؤسسات التي خلقها الحسن الثاني، لكنه آخذ البصري على إفسادها بفعل تزويره للانتخابات"، يحكي حميد برادة. وهما مستقلين السيارة بعدها، صرح وزير الداخلية للصحفي مقهقها: "لا يريدني عصمان أن أزور الانتخابات، فليكن! لكنه في حالة عدم قيامي بذلك، فبنسعيد أيت إيدر هو من سيكون رئيسا للبرلمان وليس هو".
سلطة المال
كان الحسن الثاني يتوفر على عدة أسلحة لتحقيق هدفه في مواجهة المعارضة القوية. وخاصة المال. "هو سر يعرفه الجميع: المرشحون الفاسدون كانوا يدفعون الأموال للناخبين لدفعهم إلى التصويت "، ذكرنا امحمد بوستة. "كانوا يطلبون من الناخبين في البداية، بعد تصويتهم، إحضار أوراق التصويت الخاصة بالمرشحين المنافسين، عربونا على أنهم لم يضعوها في صندوق الاقتراع. وفي حالة إحضار الناخب لتلك الأوراق، يمنحه المرشح الراشي 100 أو 200 درهم مقابلها"، يوضح من جانبه المصطفى بوعزيز. ما ولد معركة دامت عشرات السنين لإقرار ورقة التصويت الفريدة التي لم تعتمد إلا في 2002. وهمت معركة أخرى وضع علامة بمداد غير قابل للمحو على أصبع الناخب حتى لا يصوت أكثر من مرة. "الحسن الثاني، الذي كان معارضا لهذا الإجراء، سخر من الأمر قائلا إن العلامات لا توضع إلا على البهائم، وبأن هذا خرق لكرامة الناخبين"، يقص المؤرخ متسليا. وكان صنف آخر من الإرشاء يأخذ شكل رشوة للهيئات السياسية. "كانت أحزاب الإدارة تتوصل بتمويلات سرية، بحقائب من المال تستفيد منها بعتامة مطلقة الهيئات التي كانت تراد مساعدتها. لكنه انطلاقا من تشريعيات 1993، تم إقرار نوع من التقنين، لكن التمويل السري ظل مستمرا إلى ذلك الحين"، يختتم بوعزيز.