"الواقع لا يرتفع". والواقع هنا أن الجزائر احتكمت للرغبة أكثر من الواقعية في محاولات تحقيق حلم التحاقها بتكتل "بريكس"، رغم أنه يضم أبرز حلفائها سياسيا، واقتصاديا، ودبلوماسيا.
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تحدث، وبكل ثقة، عن انضمام الجزائر المنتظر إلى مجموعة "بريكس"، معتمدا في ذلك على دعم موسكو وبكين، خلال زيارتين أجراهما إلى روسيا والصين، في يونيو ويوليوز الماضيين.
وعبر تبون، أمام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن "رغبة بلاده في التعجيل بقرار الانضمام"، مسقطا من توقعاته أن دول "بريكس" تبحث في الدول الجديدة الملتحقة بها عما يفوق "الرغبة".
وإن كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قد جرتا معهما حليفتهما الإستراتيجية مصر، فإن تبون لم يجد في الحليفين المؤسسين للتكتل، بكين وموسكو، ما وجدته القاهرة في الرياض وأبو ظبي.
وقدم الرئيس الجزائري بلده كثقل يوازي القوى الاقتصادية الغربية المهيمنة، بل ذهب قبل طرح تغيير عملة التداول. كما صرح، عام 2022، أن بلاده استوفت "جزء كبيرا" من المعايير الاقتصادية للانضمام إلى مجموعة "بريكس".
لكن بلغة الأرقام، كيف هو وضع اقتصاد الجزائر فعلا؟ وهل تتوفر فيه الشروط التي يتطلبها الانضمام إلى "بريكس"، بعيدا عن دعم البلاغات المشتركة؟
معايير الالتحاق
وسبق للمحلل السياسي الجزائري، توفيق بوقاعدة، أن أكد، قبل الإعلان عن قرار المجموعة بضم ست دول (السعودية، والإمارات، ومصر، وإيران، والأرجنتين، وإثيوبيا)، ليست الجزائر ضمنها، أن "انضمام هذه الأخيرة لـ(بريكس) قد يتأجل، خلال القمة المقبلة، لأسباب يرتبط بعضها بالتكتل ذاته، ويتعلق البعض الآخر بطبيعة ونمط الاقتصاد الجزائري".
وأوضح بوقاعدة، في حديثه مع وكالة "الأناضول"، أنه "لحدود الساعة، لم تتضح صورة وآليات توسعة التكتل، وهل يقدم فعلا على ضم دول جديدة؟ أم يتم إرجاء ذلك إلى وقت آخر يتميز باستقرار دولي أكثر، حتى لا تتم إثارة حساسية قوى غربية من وراء توسعة المجموعة".
أما الأسباب المتعلقة بطبيعة ونمط الاقتصاد الجزائري، فقال المحلل السياسي إنه "لا يتوفر لحدود الساعة، على أهم 3 عوامل أساسية تفكر المنظمة في إدراجها كشروط أساسية للانضمام، بحسب أغلب المتابعين، وهي تنوع الاقتصاد، وقيمة الناتج المحلي الإجمالي، وعدد السكان".
شروط أبرز حلفاء الجزائر
من جهته، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يوم أمس الخميس، خلال مؤتمر صحفي، في ختام قمة "بريكس" في جنوب إفريقيا، إن "معايير توسيع المجموعة تضمنت وزن وهيبة الدولة ومواقفها على الساحة الدولية".
وأوضح أن "النقاشات حول توسيع "بريكس" كانت مكثفة. لم تخل من مشاكل، لكن بشكل عام، كانت كل دولة تستهدف اتخاذ القرار بضم أعضاء جدد"، مشيرا إلى أنه "تم أخذ المعايير والإجراءات بالنسبة للمنضمين الجدد بعين الاعتبار، لكن الاعتبارات الأهم لقبول عضوية دولة من الدول المرشحة كانت هيبتها ووزنها (السياسي)، وبطبيعة الحال، موقفها على الساحة الدولية، لأن الجميع متفقون على أن نوسّع صفوفنا، من خلال ضم ذوي أفكار مشتركة".
وتابع لافروف أن "من الدول التي تحمل الأفكار المشتركة، تلك التي تؤيد تعددية الأقطاب، وضرورة جعل العلاقات الدولية أكثر ديمقراطية وعدالة، وزيادة دور جنوب العالم في آليات الحوكمة العالمية".
وأضاف وزير خارجية روسيا أنه، في هذا السياق، ستستوفي الدول الست التي تم الإعلان عن أسمائها اليوم، هذه المعايير، بشكل كامل".
توقعات اقتصادية قاتمة
وبالعودة للغة الوضع الاقتصادي في الجزائر، فإن البلد يعيش، خلال هذه الفترة، على وقع أزمة حادة في توفير حاجيات المواطنين الاستهلاكية، خاصة منها الفلاحية؛ حيث يقف الجزائريون في طوابير طويلة من أجل الحصول على نصف كيلو عدس أو فاصوليا، وغيرهما من المنتجات التي شحت في السوق الدولية، بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ولم تتمكن الدولة في الجارة الشرقية من إيجاد بدائل لتأمين استيرادها.
ولأن من أسس قبول الانضمام إلى تكتل "بريكس"، حسب تصريحات قادة دولها الأعضاء المؤسسين، توفر الدول على ناتج محلي إجمالي يؤهلها لذلك، وجب هنا الوقوف عند توقعات صدرت، مؤخرا، عن محللين في شركة "بادجر ميتر إنكوربوريشن" (فيتش سوليوشنز) سابقا، والتي جاء فيها أن "الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبلاد سيبلع 2.1 في المائة، عام 2023، و1.9 في المائة، العام المقبل، مسجلا انخفاضا من 3.3 في المائة، عام 2022، حسبما نشر موقع "أرابيان غلف بزنس إنسايت".
ودائما في ما يخص المجال الطاقي بالجارة الشرقية، من المتوقع أن يتقلص إنتاج الجزائر من الغاز، الذي انخفض بنسبة 3.4 في المائة، عام 2022، بنسبة 1.8 في المائة أخرى، في عام 2023، رغم استمرار ارتفاع الطلب على الغاز الجزائري في أوروبا، جراء الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي السياق ذاته، يتوقع استمرار تضرر الاقتصاد الجزائري من قرارات مجموعة "أوبك" بخفض إنتاج النفط، أضف لذلك تأثير تباطؤ نمو القطاع الفلاحي في البلد على نموها الاقتصادي؛ ما أدى، خلال الأشهر الأخيرة، إلى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الزراعية بنسبة وصلت حد 60 في المائة.
وحسب توقعات البنك الدولي لهذا العام، سوف ينخفض النمو في القطاع الفلاحي الجزائري إلى 1.9 في المائة، هذا العام، وخلال عام 2024. كما يتوقع البنك أيضا، تراجعا آخر، في عام 2025، سيصل إلى 1.7 في المائة.
كل هذه المعطيات وغيرها تظهر أن "رغبة" الرئيس الجزائري التي عبر عنها أمام بوتين، في التعجيل بركوب قطار "بريكس"، لا توازيها رغبة في تركيز قادة البلاد من جنرالات الجيش على التعجيل بإصلاح نظام اقتصادي يعيش على عائدات ما يصدره من غاز ونفط فقط.