من السماء، تبدو كأنها أنماط دائرية ضخمة صنعتها كائنات فضائية لكنها في الواقع تقنية قديمة أحياها مزارعون لمحاربة أزمة المناخ على هضاب بونو في جبال الأنديس، على الحدود بين البيرو وبوليفيا.
ويقول المزارع سيزار كوتيبا (42 عاما) في سهول أكورا الرطبة، وهي قرية تقع على ارتفاع 3812 مترا قرب بحيرة تيتيكاكا لوكالة "فرانس برس"، إن هذه التقنية الزراعية المسماة "وارو وارو" وهي كلمة في لغة الكتشوا تعني "قمامة"، "مفيدة جدا في فترات الجفاف والصقيع".
داخل دائرة تجري فيها المياه في قنوات يبلغ عمقها مترا، منصات مستطيلة تزع فيها الشتلات. في القنوات، تمتص المياه حرارة الشمس خلال النهار وتطلقها في الليل عندما تنخفض درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر.
ويوضح عالم الآثار فيلكو ماروسيك من وزارة الثقافة في منطقة بونو "مك نت مهارة المستوطنين قبل الإسبان من تطوير هذه التكنولوجيا التي تحقق أقصى استفادة من القدرة المائية للمنطقة ومن فترات الأمطار".
ويضيف أن تربة المرتفعات فقيرة وجافة وغير مؤاتية للنشاط الزراعي، لكن بفضل هذه التقنية "التي تجعل مكافحة الصقيع وتخصيب التربة وتوليد مناخات محلية أمورا ممكنة"، يحصد المزارعون محاصيل البطاطا والكينوا.
من جهته، يقول غاستون كيسبي، وهو مهندس زراعي يبلغ 43 عاما، إن فوائد هذا النظام مهمة للغاية نظرا إلى التغيرات المناخية غير المتوقعة بسبب احترار المناخ.
ويشرح لوكالة فرانس برس "لا يمكن أن تفيض وارو وارو خلال فترات هطول الأمطار إذ تتمتع بنظام صرف ذكي مرتبط بالنهر".
وكانت مفيدة خصوصا العام الماضي، عندما شهدت منطقة بونو واحدة من أسوأ فترات الجفاف منذ ستة عقود بسبب غياب الأمطار، وفقا لهيئة الأرصاد الجوية الوطنية.
وتعود أصول "وارو وارو" إلى ألفي عام في منطقة أيمارا، لكن إمبراطورية الإنكا (القرن الخامس عشر) توقفت عن استخدامها. ويوضح ماروسيك أن إعادة بنائها بدأت في التسعينيات.
في أكورا، تقام أيضا طقوس يطلق عليها "لوكتا" (قداس بلغة أيمارا) لمناشدة الآلهة من أجل حصاد جيد. يقوم المشاركون بإلقاء تقديمات وأوراق كوكا في الهواء ليطلبوا من باتشاماما، الأم الأرض، إحلال ظروف جوية معتدلة.
وتقول المزارعة العشرينية فاليريا ناهوا "هنا يمكننا أن نعيش بسلام لأن لدينا البطاطا والكينوا والشعير التي نزرعها. لا داعي لأن نترك أرضنا ونذهب إلى المدينة".
عودة الحديث عن هذه التقنية الجديدة واللجوء إليها بسبب توالي سنوات الجفاف في مناطق عدة من العالم، يدفع لطرح سؤال عن: لماذا لا يستفيد المغرب منها؟
خاصة وأن المملكة تواجه منذ خمس سنوات، انحصار التساقطات المطرية، وتراجع نسبة ملء السدود واستنزافا للفرشة المائية بسبب النشاط الفلاحي الذي يعتمد على السقي.