لماذا موريتانيا...؟!

أحمد مدياني

عنوان قصير بتساؤلات ضخمة وأعمق من روابط ضاربة في عمق التاريخ، يستحضرها الأشقاء في موريتانيا أكثر ممّا نستحضرها نحن هنا في المغرب!

لماذا موريتانيا؟

قبل أسابيع من فاتح عام 2024، ناقشت مع من أطمئن للنقاش معهم عن أشياء كثيرة، ما حملته المبادرة الملكية لفتح المحيط أمام دول جنوب الصحراء والساحل. ومن بين ما طُرح مع من يحملون الهمّ لأجل الوطن، دور دولة شقيقة نتقاسم معها أهم الحدود البرية للمملكة.

كان السؤال المركزي هو: لماذا نحن حاضرون في الإعلام الموريتاني وهم غائبون عندنا؟!

الجواب عن السؤال لا يمكن أن يتحقق بدون اقتراف حزم الحقائب والسفر إلى العاصمة نواكشوط، من أجل البحث عن تفاصيل "النقص" وأين يكمن، عندنا؟ أم عندهم؟

قبل أسابيع من موعد السفر ناقشت الفكرة مع الزملاء في مؤسسة Telquel، سواء من يكتبون بالعربية أو الفرنسية. وكان الإجماع حينها ولايزال الانخراط جملة وتفصيلا في كل ما يتعلق بالعلاقات بين المغرب وموريتانيا.

يوم 1 يناير 2024 توجهت نحو "مطار محمد الخامس" للوصول في الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء 2 يناير إلى مطار "نواكشوط - أم التونسي". رحلة منذ انطلاقتها لم تكن كما خُطّط لها، لأن أحد أركانها حرمته قطارات المكتب الوطني للسكك الحديدية من الوصول إلى المطار. توقف القطار الذي على متنه في منطقة خلاء بين حي الرياض في الرباط ومدينة تمارة.

كان الزميل الذي سيرافقني على علاقة قريبة جدا من مصدر مهم في موريتانيا. حَمَل تخلّفه "بزز منو" عن الرحلة مؤشرات أقرب إلى السلبية من نجاح الرحلة.

استحضرت حينها ما تعلّمته من الصديق والزميل مصطفى ابن الرضي، أول مدير نشر حقيقي أشتغل تحت قيادته، وهو اليوم أحد أهم الصحافيين المغاربة في الصحافة الدولية. كان يقول:

"مدياني أنت تاع التيران…انتا اختاريتي الصحافة والصحافة اختارتك باش تكون ديال التيران.. منين كتهبط تخدم في الميدان لا خوف عليك".

تسلّحت بكلمات صديقٍ قبل أن يكون زميلاً، ولم يكن يوما ما "مديرا"، لأنه لا يؤمن بمثل هذه الألقاب الزائفة.

كما كان للزميل ورئيس المنتدى المغربي للصحافيين الشباب سامي المودني الفضل في تيسير لقاء الزميلات والزملاء هناك.

وصلت موريتانيا في الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء 2 يناير 2024. وشرعت في تأمل ما أنا وسطه وما أنا مقدمٌ عليه، لأنها كانت الزيارة الأولى.

موريتانيا امتحان لمن يريد التركيز في العمل فقط دون غيره. اعتدت أن أشتغل في ظروف خاصة أنا من وضع قوانينها وكل ما يرافقها من طقوس. هنا أترك كل هذا جانبا واستعد للامتحان الذي ينهار فيه كثيرون خلال الأيام الأولى فقط.

هل أبالغ؟ طبعا لا! خلال رحلة العودة صادفت عشرات المغاربة في المطار، وسألتهم كثيرا عن سبب قدومهم إلى نواكشط. 90 في المائة منهم جاؤوا لأجل غرض معين فقط. غرض مهني صرف. منهم من قلّص مقامه من شهر إلى أسبوع، وآخرون رفضوا بعنف في تواصلهم مع إدارتهم تمديد مقامهم.

هنا في موريتانيا: جاي باش تخدم ولا شيء غير ذلك.

في موريتانيا التقيت نخبة من الأطر في مجالات كثيرة. جالست مستشارين في دواليب الدولة وبرلمانيين وأستاذات وأساتذة جامعيين. التقيت رجالات دولة حاليين وسابقين. خالطت الشعب الموريتاني.

لمست الارتباط الصادق الذي تحمله "جمعية الأطر الموريتانيين خريجي الجامعات والمدارس والمعاهد المغربية"، بكل من ينتمين وينتمون إليها، للمملكة.

ووقفت أنا الصحفي على قوة حضور المرأة بعيدا عن الشعارات داخل المجتمع الموريتاني.

جالست "شبكة الصحفيات الموريتانيات" التي تناضل وتشتغل على وصول أول امرأة في شمال إفريقيا وعربيا إلى موقع مسؤولية نقيبة الصحفيات والصحفيين.

وللإشارة أيضا، من يرأس "جمعية الأطر الموريتانيين خريجي الجامعات والمدارس والمعاهد المغربية" امرأة دكتورة في مجالها.

عندهم هناك حقوق المرأة أقرب إلى الواقع من الشعارات. كما أن احترامهم للمغرب والمغاربة تستشعره وتحسّه واقعياً أكثر من محاولات بيع الارتباط بمقابل.

في موريتانيا روابط كثيرة مع المغرب والمغاربة يجب استثمارها. هناك شعب يمتلك ما يمكن أن يساهم في نهضة المنطقة برمتها إن جرى بعث الثقة من أجل التأسيس للشراكة.

لأجل كل ما سبق وغيره، يجب أن ننظر بكل ثقة ورسوخ ومُسْتقبلية نحو جنوب المغرب الأقرب.. موريتانيا.