طوال خمسة أشهر من الاحتجاجات ضد الرئيس المعزول عمر البشير، لم يكن الإسلاميون جزءا من المشهد في السودان، إلى أن تحركوا أخيرا منددين بتجاهل الشريعة الإسلامية في مفاوضات المجلس العسكري وقادة الاحتجاج، وهدفهم أن يكون لهم دور في المرحلة الانتقالية.
غياب عن الاعتصام
ولا يشارك الإسلاميون في الاعتصام الذي بدأه المحتجون أمام مقر الجيش وسط الخرطوم منذ السادس من أبريل الماضي، والذي يستمر بالرغم من الإطاحة بالبشير، للضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة للمدنيين. ولا يشكل الإسلاميون جزءا من القوى السياسية المجتمعة ضمن تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" الذي يتفاوض مع العسكريين على المرحلة الانتقالية.
وتم الاتفاق بين المجلس العسكري الحاكم في البلاد والمحتجين خلال المفاوضات التي بدأت في 20 أبريل، على فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات وتشكيل ثلاثة مجالس: مجلس السيادة، ومجلس الوزراء، ومجلس التشريع، لحكم البلاد خلال هذه الفترة. وعلقت المفاوضات الأسبوع الماضي بسبب "نسب التمثيل ورئاسة المجلس السيادي بين المدنيين والعسكريين"، بحسب بيان مشترك أصدره الطرفان.
وأعلن الإسلاميون تأييدهم لأن يتولى عسكري رئاسة المجلس السيادي، ما يوسع المسافة بينهم وبين المعتصمين أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم.
ويقول حسن رزق، نائب رئيس حركة الإصلاح الآن الإسلامية المنشقة عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في عهد البشير، "نتفق معهم في أن يكون هناك مجلس وزراء مدني تكنوقراط، ولكن يكون المجلس السيادي برئاسة القوات المسلحة لأن هناك مشكلة أمن".
ويشير المحللون إلى أن الإسلاميين الذين كانوا جزءا من نظام البشير، دعموا الانقلاب الذي قاده الرئيس المعزول في 1989 قبل أن يصبح رئيسا للبلاد ويحكم لمدة 30 عاما، ما يجعل مشاركتهم في تحالف قوى الحرية والتغيير والمشهد الثوري، أمرا صعبا.
ويقول الصحافي السوداني البارز خالد التيجاني لوكالة فرانس برس "لا يمكن المساواة بين جهة ظلت طوال الوقت معارضة للنظام (الحرية والتغيير) وجهة ثانية كانت مع النظام حتى وقت سقوطه". وأضاف "بالتالي الحرية والتغيير يبقى لها الحق في الدور الريادي".
وحدد الاتفاق بين العسكريين وتحالف الاحتجاج أيضا هيكلية المجلس التشريعي ليضم 300 عضو، 67% بينهم يختارهم تحالف قوى الحرية والتغيير. وتذهب بقية المقاعد إلى ممثلين لقوى سياسية خارج هذا التحالف.
تعبئة بالمساجد
وسعى الداعية الإسلامي عبد الحي يوسف، وهو من قيادات تيار نصرة الشريعة ومعروف بتشدده خلال خطبة يوم الجمعة الماضي في أحد مساجد الخرطوم، إلى تعبئة عدد كبير من أنصاره لدعم اعتماد الشريعة الإسلامية كأساس للحكم ولمعارضة الاتفاق الحالي.
ونبه يوسف المصلين الذين امتلأ بهم المسجد المكون من طابقين بحي جبره في جنوب العاصمة، إلى وجود حافلات يمكن أن تنقلهم إلى ساحة أمام حدائق القصر الجمهوري وسط الخرطوم حيث يكسرون صيامهم ويتظاهرون ضد الاتفاق.
وتجمع الإسلاميون يومها في الساحة في اليوم التالي، وهتفوا "ثوار أحرار ولن تحكمنا قوى اليسار".
وقال الأمين العام لتيار نصرة الشريعة محمد علي الجيزولي لوكالة فرانس برس إن الاعتراض يأتي "باعتبار الاتفاق إقصائيا" لا يشمل كل القوى السياسية.
وأضاف "قوى الحرية والتغيير شريك في التغيير ولكن ليس صحيحا أنها القائد الوحيد للثورة".
وتابع "أنا متأكد أن الإسلاميين سيفوزون في أول انتخابات في السودان.. الثورة لم تكن ضد إيديولوجيا، إنما كانت ضد الفساد والاستبداد وسلوك حاكم".
وقال الطيب مصطفى، رئيس تحالف 2020 الذي يضم أحزابا وحركات تؤيد اعتماد الشريعة في القانون وتناهض الأفكار العلمانية، وبينها حزب المؤتمر الشعبي الذي كان متحالفا مع البشير، "السبب الرئيسي لرفض الاتفاق هو أنه تجاهل تطبيق الشريعة الإسلامية... منتهى اللامسؤولية (...)، وإذا تم تطبيقه سيفتح أبواب جهنم على السودان".
وأضاف أن "قوى الحرية والتغيير سرقت الثورة في وضح النهار".
لكن في الشارع السوداني، كثيرون يخشون عودة نفوذ الإسلاميين.
"سئمنا إدخال الدين في السياسة"
وقال رجل يرتدي الجلباب السوداني وقد أشعل سيجارته بعد آذان المغرب وتناول الإفطار، على مسافة قريبة من تظاهرة الإسلاميين، بصوت منخفض، "هنا في السودان سئمنا إدخال الدين في السياسة".
وأضاف لفرانس برس "نريد حرية، لا نريد أن يحكمنا أحد باسم الدين.. ماذا فعلنا طوال 30 سنة بهذا الحكم؟"، مؤكدا "الدين لله والسياسة في الشارع".
ويقول رئيس حركة الإصلاح الآن غازي صلاح الدين الذي يقدم على أنه إسلامي وسطي، "لا أرى أن الموقف منغلق. إذا توافرت إرادة حقيقية لدى الأطراف، قد يكون هناك حل".
وحذر صلاح الدين من "المواجهة والصدام" بين الطرفين، وقال "إذا لم يكن لدينا غير المواجهة والصدام فكلنا خاسر".