وطلحة علي - باحث في العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس
اقتضت الضرورة والحاجة المتزايدة لتكريس وتعزيز مبدأ سيادة القانون وتحقيق السلم والأمن والإستقرار العالمي، إلى إيجاد اليات لتسوية النزاعات الدولية سلميا مما جعل وجود محكمة العدل الدولية كجهاز قضائي يفصل في هذه النزاعات أمرا بالغ الأهمية. هكذا تلعب المحكمة أدوارا مهمة إلى جانب باقي أجهزة المنظمة الأممية في تسوية مجموعة من النزاعات الدولية.
حيث أصدرت المحكمة العديد من القرارات النهائية والإلزامية لأطراف النزاع ساهمت في ترسيخ عدد من المبادئ والأسس القانونية التي صار متعارف عليها في العمل الدولي وأصبحت مرجعا أساسيا للفصل في أي نزاع ينشأ بين دولتين أو أكثر مما يجعل منها المنبر القضائي الرئيسي لتسوية النزاعات الدولية وتقديم الإستشارات.
في سياق عملها الدؤوب في تسوية النزاعات، أصدرت محكمة العدل الدولية حكما ابتدائيا ضد إسرائيل يقضي باتخاد هذه الأخيرة لمجموعة من الإجراءات والتدابير المؤقتة والفعالة لمنع أي أعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية أو تحرض عليها وتمكين الفلسطينين من الخدمات الأساسية وإيصال المساعدات الإنسانية لتجاوز الظروف الصعبة في المنطقة، وفقا لإلتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، بناء على دعوى رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بسبب ما قامت به من إبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني، طبقا لأحكام المواد 36،40،41 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
تبعا لذلك، إن الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية تعد نهائية وملزمة قانونيا بحق الدول أطراف النزاع كما تنص عليه المادة 59 من النظام الأساسي للمحكمة، بالإضافة إلى المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على تعهد أعضاء الأمم المتحدة بتنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية التي يكونون أطرافا فيها. وفي حالة الإمتناع أعطت الفقرة الثانية من المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة الحق للطرف المتضرر اللجوء إلى مجلس الأمن الذي يقدم توصياته أو قراراته التي يجب اتخاذها لتنفيذ الحكم.
إن حكم المحكمة القاضي بإصدار أوامر عاجلة تلزم إسرائيل باتخاد إجراءات مؤقتة لحماية السكان المدنيين في غزة ومنع تفاقم الوضع الإنساني في المنطقة يعتبر حكما أوليا، ريثما يتم إصدار الحكم النهائي والبت في موضوع الدعوى، كما نصت على ذلك المادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة الدولية للعدل.
من الجدير بالملاحظة، أن الحكم النهائي في القضية لن يكون له أي تأثير واضح بسبب التهرب من تنفيذ أحكام المحكمة في كثير من الأحيان، على الرغم من تدخل مجلس الأمن الدولي، هذا الأخير الذي يصطدم هو الأخر في بناء قراراته وتوصياته بحق "الفيتو"، مما يجعل القانون الدولي حبرا على ورق ويفقد المؤسسات الدولية مصداقيتها. وبالتالي تصبح قرارات محكمة العدل الدولية غير ذات أهمية في حل النزاعات الدولية، الأمر الذي يطرح من جديد ضرورة القيام بإصلاحات هيكلية على نظام الأمم المتحدة تشمل مختلف أجهزتها، بداية بتعديل ميثاقها.