تخيل فقط أن تكون عالقا في قعر حفرة عمقها 32 مترا. قضيت ليلة بين ظلمات ترابها وصخورها. لا تكاد تعرف من أنت ومن أين أتيت ولماذا علقت هنا! سوف يستبد بك الخوف، إن كنت بالغا راشدا. قد يقتلك، قبل أن تموت اختناقا أو جوعا أو عطشا. فكيف سيكون الحال إن كنت طفلا، لم يتجاوز عمره ست سنوات، يصارع منذ مساء يوم أمس الثلاثاء ليظل على قيد الحياة.
#أنقذوا_ريان ... ليس مهما كيف! لا ينتظر المغاربة ولن ينتظروا بعد مرور كل هذه الساعات سماع الأعذار. لن يتحملوا قراءة برقيات التعزية. قلوبهم معلقة بحبال يرجون أن تحافظ على ما تبقى من الأمل الذي تنخره كل مرة ضعف إمكانيات بلد يقال إنه نافس الغرب لانقاذ أرواح وصحة المغاربة، ريان واحد منهم فقط، تأخرتم كثيرا! الطفل اختفى يوم الثلاثاء، قرابة الساعة الثالثة زوالا، وأعلن عن ذلك رسميا قرابة الساعة السابعة، ولم تتحرك عمليات الإنقاذ حتى صباح يوم الأربعاء، بعدما أطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي هشتاغ "أنقذوا ريان". تأخرتم كثيرا!
ريان امتحان للوطن. هل سينام رئيس الحكومة قرير العين الليلة؟ أم أن دموع لاعبين بسبب الاقصاء، قال إنهم لم يناموا الليل كله تفجع أكثر من ما يفجع ليل طفل طال وإن أشرقت شمس اليوم الأربعاء.
عام 1987 حبست جيسيكا ماكلور أنفاس الولايات المتحدة الأمريكية، واهتز البيت الأبيض الذي كان يجلس على كرسي رئاسته جورج بوش الأب، وفي زمن لم يكن فيه وجود لمواقع التواصل الاجتماعي، أطلق الأمريكيون على الفاجعة عنوان: "طفلة الجميع: إنقاذ جيسيكا ماكلور"، ملحمة انقاذ تحولت لفيلم سينمائي أنتج عام 1989، أظهرت الإمكانيات التي سخرت في ذلك الزمان الغابر مقارنة بما هو متوفر اليوم من آليات تقنية ولوجستيكية، لا نتوفر هنا عندنا على جزء منها.
جيسيكا أخرجت من حفرة عرضها لا يتحاوز طول مسطرة المستوى الابتدائي (20 سنتيمترا). هل سيخرج ريان ليعانق الحياة مرة أخرى؟ ذلك ما نتمناه بدون رغبة في المزايدات على أحد.
آخر المستجدات التي ينقلها الزملاء من عين المكان، نواحي شفشاون، تفيد بفشل عملية إنقاذ تطوع للقيام بها شابان من محترفي الاستغوار، أحدهما بلغ عمق 30 مترا، والآخر 13 مترا، لتستأنف عملية الحفر بالاستعانة بحرافات، قيل إنها لن تصل قبل ساعات إلى حيث علق ريان ما بين الحياة والموت.
قد يقتلك الاختناق داخل مرحاض عصري تعطلت "الساقطة تاعو". وقد تصاب بالهلوسات إن انقطع عنك تيار الكهرباء وحوصرت داخل غرفة يعصرك ظلامها. ولن تقوى على مقاومة ليلة برد وإن تحت أضواء الشوارع. فما بالك بصمود طفل يواجه ألم السقطة، وخوف المصير، وبعد الحاضنة والحاضن، ونقص الأوكسجين، والجوع والعطش، لأزيد من 20 ساعة.
أتساءل، كم من مهندس يرافق الآن فرق الانقاذ؟ وكم من خبير تبوغرافي؟ وهل من بين كل هؤلاء خبراء جيولوجيا عارفون بتضاريس وقوع الحادث؟ ... لماذا تطرح كل هذه الأسئلة؟! ... لا عليكم، استحضرت هنا حادث الأطفال الذين علقوا رفقة مدربهم داخل كهف في تايلاند عام 2018، وكيف تم تسخير العلم لإنقاذ أرواحهم ونجحت المهة. ولمن فاتته ملحمة كيف أخرجوا من غيابات الكهف، أدعوه لمشاهدة الفيلم الوثائقي "الإنقاذ" الذي أخرجه الزوجان الحاصلان على جائزة أوسكار تشاي فاسارهيلي وجيمي تشين.
نتمنى جميعا أن لا يكون مقام ريان المكره في قعر الحفرة لليلة أخرى، ولا يجد المغاربة غير سلاح الدعاء أن لا تكون ليلتهم بيضاء وهم يرجون أن يشاهدوا ملامح الطفل الامتحان وهي تعانق السماء.
ريان امتحان لنا جميعا!