في هذا الحوار مع "تيلكيل عربي"، تسلط النائبة البرلمانية، أمينة ماء العينين، الضوء على موقفها من الأزمة القائمة بين الحكومة المغربية، ومنظمة العفو الدولية. كما تقدم رؤيتها لتنظيم الانتخابات المقبلة، وتموقعها داخل حزب العدالة والتنمية
كيف تعلقين على الأزمة القائمة بين الحكومة المغربية ومنظمة العفو الدولية؟
تعليقي بقي ثابتا منذ بداية هذه الأزمة أو سوء الفهم الحاصل بين "أمنيستي" والمغرب. وأتصور أن هناك الكثير من الملاحظات التي يمكن تسجيلها بهذا الخصوص، فهناك أولا على منهجية عمل منظمة العفو الدولية، خاصة ما أثير بشأن مدى إرسالها للتقرير للسلطات المغربية قبل نشره من عدمه، حيث كان يمكن أن تبعث بالتقرير بطريقة رسمية مثبتة لرئيس الحكومة والسلطات المغربية وتلقي أجوبتهم ونشرها.
كما أن هناك ملاحظات على تعامل الحكومة مع هذا الملف، الذي أتصور أنه كان من الممكن احتواؤه قبل أن يتحول إلى أزمة تمس بصورة المغرب في النهاية، سواء عند مواطنيه في الداخل أو على الصعيد الخارجي.
إن سوء الفهم الذي حصل مع "أمنيستي" ليس جديدا، بل إن سوء الفهم حصل معها منذ مدة كما حصل مع منظمات حقوقية أخرى. ولذلك، أتصور أن هذه الأزمة قد تكون لحظة مناسبة لتعميق آليات الحوار، وتجاوز سوء الفهم حرصا على التراكم الذي حققه المغرب في التعامل مع الآليات الأممية والمنظمات الحقوقية غير الحكومية الدولية، كما يجب أن يتوقف خطاب "نحن مستهدفون"، لأن صورة البلد المستهدف، الذي يراد تحويله في الإعلام الدولي إلى بؤرة لخروقات حقوق الإنسان غير مفيد بتاتا.
إن هذا المأزق لا يمكن تجاوزه إلا بالحوار والإبداع في الآليات التواصلية حرصا على صورة المغرب مع مواطنيه وكذلك خارجيا.
ما الذي تؤاخذينه على الحكومة في تعاملها مع هذا الملف؟
أولا، سجلت ملاحظات على الندوة الصحفية التي تحدث فيها ثلاثة وزراء، وبلاغ الحكومة، الذي تحدث عن الصحفي عمر الراضي موضوع التقرير. وأتصور أن الحكومة كان يمكن أن توصل خطابها بطريقة أخرى، فالأمر يتعلق بمواطن اشتكى من التجسس، وقامت هذه المنظمة بنشر تقرير يتضمن ادعاءات، مما كان يستدعي الجواب بطريقة رسمية دون تشنج.
وأتصور أن الحكومة كان عليها أن تفند مزاعم "أمنيستي" بدل الاكتفاء بمطالبتها بتقديم الأدلة، ولذلك طرحت سؤالا مباشرا في البرلمان حول شراء المغرب لبرنامج التجسس "بيجاسوس" من عدمه، وهي فرصة للإجابة على الادعاء الوارد في التقرير، كما أن هناك وسائل إعلام دولية تزعم أن المغرب من ضمن زبناء هذه الشركة الإسرائيلية.
لذلك، أعتقد أن سؤالي هو فرصة للحكومة المغربية من أجل الجواب على هذه الادعاءات، وإذا لم يكن دور البرلمان هو نقل الأسئلة للحكومة من أجل أن تجيب فما هو دوره؟ إن دور البرلمان أن يطرح الأسئلة، فهو لا يتوفر على المعطيات، ودور الحكومة أن تجيب.
صرحت في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان أن البرلمان ليس ملزما بترديد رواية الحكومة هل تشعرين أن البرلمان لم يقم بدوره؟
هذا ما عبرت عنه قبل مداخلتي في لجنة العدل والتشريع، وبالنسبة لي هذا رهان دائم منذ ولوجي للبرلمان، فأنا مؤمنة حتى النخاع بدور البرلمان، وبأن المناخ الديمقراطي لا يمكن قطعا أن يتحقق دون تقوية مؤسسة البرلمان بالنظر إلى تمثيليته ومركزيتها في البناء الديمقراطي.
إن مؤسسة البرلمان هي مؤسسة رقابية إلى جانب دورها التشريعي وتقييم السياسات العمومية، وهو ما يقتضي من البرلمان بالضرورة طرح الأسئلة، وربما يطرحها بطريقة قوية مثل باقي البرلمانات الدولية سواء من طرف المعارضة أو من طرف الأغلبية، وعلى الحكومة أن تجيب.
إن الحكومة من حقها أن تكون لها روايتها الخاصة، ولكن من حق البرلمان أن يسألها وينتقدها إذا تطلب الأمر ذلك، ولكن أن يقوم البرلمان بالتطبيل للحكومة كلما بلورت رأيا أو توجها فهذا غير معقول، بل يجب أن نحافظ على الدور الرقابي للبرلمان حتى نحافظ على ثقة المواطنين ونحفظ صورة المغرب في الخارج.
ما تعليقك على رد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان الذي اتهمك بالازدواجية؟
لا أريد أن أعلق على طريقة وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، وإنما أدعوه إلى معاودة الاطلاع على الفيديو في البث المباشر وأترك له الحكم، لذلك أمتنع عن التعليق. فما يهمني هو أدائي كنائبة برلمانية، وأنا مقتنعة بكل ما قلته داخل اللجنة، وأعتبر أنه من الوطنية جدا، ومن دعم الدولة أن أقوم بأدواري كما يجب أن أقوم بها، والتي من بينها توجيه الانتقادات حينما يكون ذلك مطلوبا. ولهذا، حذرت من دعوات تأجيج الوضع بين المغرب ومنظمة العفو الدولية، واعتبرت أن أكبر من يستفيد من هذا التأجيج هم خصوم المغرب، لأن هذه المنظمة مهما حدث لنا معها من سوء تفاهم، فهي تحظى بمصداقية وسمعة في الخارج، كما أن لها إرثا وتاريخا في المغرب، وسنحتاج للتعاون معها في المستقبل.
وفي اعتقادي لا يجب أن يصور المغرب كبؤرة لانتهاكات حقوق الإنسان، في الوقت الذي نجد فيه دولا أخرى تغرق في هذه الانتهاكات ولا أحد يتحدث عنها، ومن هنا يجب أن نصوب ما نراه خاطئا، وأن نقوم بأدوارنا كما ينبغي.
هناك من يعتبر أنه ليس من المعقول أن تنتقدي الحكومة وأنت تنتمين لحزب يقودها؟
هذا سؤال جيد. لقد سمعنا كلاما واتهاما بالازدواجية، وهنا أقول أنه لا بد من التوقف عن الكيل بالمكيالين، وأؤكد أن هناك وزراء عارضوا مشاريع قوانين جاءت بها الحكومة، وهناك وزراء قاموا بتعبئة فرق برلمانية للتصويت ضد مشاريع قوانين جاءت بها الحكومة، ولا أحد اتهمهم بالازدواجية، ولذلك لا يمكن أن نكيل بمكيالين، ففي العالم كله تقوم الأغلبية بمساءلة الحكومة، فهي ليست أداة للتصفيق والتمرير، بل دورها أن تقوم وتصوب عمل الحكومة.
كيف يمكن أن تناصري منظمة حقوقية دولية وأن تتفادي في نفس الوقت إمكانية استغلال مواقفك ضد بلدك؟
أولا، أنا لا أناصر منظمة العفو الدولية ضد الحكومة المغربية، بل إن ما يعنيني هو خدمة بلدي، وما أقوم به أعتقد أنه يصب في مصلحتها. لكنني أقوم بذلك وبمقاربتي الخاصة ولست ملزمة باتباع مقاربة الحكومة أو مقاربة أطراف أخرى.
ومن هذا المنطلق، أتصور أنه يجب الحفاظ على نوع من التوازنات داخل المغرب، وليس من السليم أن نعزف جميعا نغمة واحدة، فحتى في سنوات الجمر والرصاص كان يتم العزف بنغمة واحدة، ويتم نفي وجود خروقات حقوقية في المغرب، لكن ذلك لم يكن سليما.
أنا ضد من يصفي حساباته مع بلده، وضد من يطلق الكلام على عواهنه، لكن وظيفتي تقتضي مني طرح الأسئلة، وهو ما قمت به وأعطيت فرصة للحكومة من أجل أن تجيب من داخل مؤسسة دستورية ورقابية محترمة.
إن كل الذين ناضلوا في سنوات الرصاص، اتهموا بالوقوف مع جهات خارجية ضد بلدهم، لكن التاريخ أثبت عكس ذلك.
كيف تقيمين الوضع الحقوقي في المغرب؟
في الحقيقة، لقد حققنا تراكما كبيرا في السنوات الأخيرة، لكنني أتأسف لوجود تجاوزات تتنامى بطريقة مقلقة، تطرح علينا جميعا أكثر من سؤال، وتسائل أدوار جميع المؤسسات سواء الحكومة أو البرلمان وكذلك الإعلام.
وطبعا لا نحتاج إلى التذكير بعدم وجود تجاوزات إرادية وممنهجة يتم التخطيط لها، ولكن مع ذلك يقع أحيانا نوع من الاختناق لا مبرر له، ولا حاجة للمغرب به، مما يستدعي التوقف عن اختلاق قضايا تسيء للتراكم الذي حققه المغرب، ويجعله كمن يطلق الرصاص على رجليه، في وقت يجب أن تتم مناقشة القضايا الكبرى من قبيل التنمية بدل أن نقدم كبؤرة لانتهاكات حقوق الإنسان. إن هذه الخروقات التي تقع يجب أن تتوقف، فنحن لسنا في حاجة إليها، ولنا رهانات أخرى كبيرة.
ما رأيك في إعلان وزارة الداخلية تنظيم الاستحقاقات الانتخابية في سنة 2021 ؟
أولا، أعتقد أن هذا قرار جيد، لأنه يحترم منطوق الدستور، الذي يؤكد على افتتاح برلمان جديد من قبل صاحب الجلالة في أكتوبر من السنة المقبلة، والحقيقة أنني كنت متخوفة من دعوات تأجيل الانتخابات وأطرح السؤال حول المخرج الدستوري للتأجيل.
ومن جهة أخرى، فبالنسبة لي ليس المهم هو الإعداد التقني للانتخابات من حيث الاستعداد اللوجيستيكي، بل المهم في اعتقادي هو المضمون السياسي، وهنا بصراحة أقول لك بأن لدي مخاوف حقيقية، إذ لا وجود لمضمون سياسي نتوجه به للمواطنين، وهناك غموض كبير يكتنف تدبير المرحلة المقبلة، وللأسف الشديد فإن الفاعلين السياسيين لا يساهمون في تقديم أجوبة للمرحلة.
ومن هذا المنطلق، يطرح السؤال حول الخيارات التي سيختارها المواطنون، ففي المرحلة السابقة كانت هناك أطروحتين يمثلهما العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، مما سهل الاختيار على المواطنين، أما الآن فهناك تقارب كبير بين الأحزاب مما يزيد من الضبابية.
,
إذا قلنا إننا أمام انتخابات بدون رهانات سياسية، فأعتقد أن الجواب هو نعم، وأننا في الحقيقة أمام استحقاقات تنظيمية نلجأ فيها للصندوق مما سيترتب عنه احتلال حزب للمرتبة الأولى، لكن بدون أفق سياسي.
هل يمكننا القول أن حزب العدالة والتنمية فشل بدوره في تطوير أطروحته التي جاء بها سواء في انتخابات 2011 و 2016؟
أعتقد أن الحديث عن الفشل حكم قيمة مبكر، ولكن بالنسبة لي حزب العدالة والتنمية تصدر المشهد السياسي لولايتين، وخبر التدبير الحكومي لعشر سنوات، ويطرح عليه السؤال حول تقييمه للمرحلة بالمعايير العلمية والمعيارية لتجربته. أنا أستطيع أن أؤكد لك بأن هذا التقييم الموضوعي لم يحدث، ولم نجلس حول مائدة حوار، ونقوم بتقييم حقيقي لتجربتنا، ونحدد مواطن القوة والضعف.
وأعتقد أننا في سنة 2011 كان لنا عرض سياسي يتزامن مع الربيع الديمقراطي، كما أننا في انتخابات 2016 كان عرضنا واضحا بناء على التجربة السابقة، وكان هناك تقاطب بيننا وبين "البام"، أما اليوم فليست لنا أطروحة جديدة، حيث عقدنا مؤتمرا تنظيميا في ظل ظروف يعرفها الجميع، كما أن الحوار الداخلي الذي نظمناه لم يناقش عمق الإشكالات المطروحة، بقدر ما كان يهدف لحل خلافات تنظيمية داخلية.
إننا لحد الآن لم نطرح سؤالا حول ما إذا كان العدالة والتنمية يريد تصدر المشهد السياسي في الانتخابات المقبلة، وإذا كان الجواب بنعم، فما هو العرض الذي سيقدمه في ظل المرحلة الجديدة، التي تحتاج لتجديد الخطاب ولتجديد التعاقد. وإذا كان الجواب بـلا، وهذا وارد، فما هو تصورنا للمرحلة المقبلة.
بالنسبة لك، أين يمكن أن يتموقع العدالة والتنمية في المرحلة المقبلة؟
لا أريد أن أعطي أجوبة جاهزة، لأن الأمر يقتضي فتح نقاش وتقديم جواب جماعي من طرف الحزب، لكن في اعتقادي، لا بد من تفاوض قبلي وتبديد أجواء الصراع المدمر.
التفاوض القبلي بين من ومن ؟
بين جميع الأطراف,
هل يمكن أن نشهد تحالفا بين "البام" والعدالة والتنمية مستقبلا؟
أيضا لا يمكنني تقديم جواب جاهز، لأنني لست من دعاة السطحية وتقديم الأجوبة الجاهزة على الأسئلة الكبيرة.
إن العدالة والتنمية و"البام" أطروحتان متناقضتان، والحزبان قدما أنفسهما للمغاربة على أنهما غير قابيلن للتعايش مع بعضهما، فالبام كان يقدم نفسه كحزب جاء للقضاء على الإسلاميين، والعدالة والتنمية كان يعتبر أن البام جاء لتدمير البلد، ويمثل التحكم.
الآن، إذا كنا مقبلين على مرحلة جديدة، فيجب الإعلان عنها، فالسياسة بطبيعتها تعرف التغير وليس الثبات، لكن لا يمكن أن يتم هذا التغير دون شرح من طرف "البام" و"البجيدي" للمناضلين ولعموم المواطنين، غير هذا سنخلق مزيدا من الغموض وفقدان الثقة.
ليس مشكلا أن نقوم بمراجعات، ولكن العيب كل العيب أن لا نتواصل، ونعرف كيف نبني اختياراتنا السياسية الجديدة.
كيف تفسرين الصمت الطويل لعبد الإله بنكيران؟
هذا سؤال يوجه للأستاذ عبد الإله بنكيران، ولكنني أتصور أنه باعتباره رئيس حكومة سابق وأمين عام سابق لحزب العدالة والتنمية يمكن أن يقوم بأدوار كبيرة سواء على مستوى النقاش العمومي، أو على المستوى التنظيمي في الحزب، لكن هذا سؤال يمكن أن يوجه إليه.
هل يمكن أن تكون له أدوار مستقبيلة في الحزب؟
إن شخص له رصيد سياسي وحزبي مثل عبد الإله بنكيران لا يمكن أن نقول بأنه لم تعد له أدوار ، هذا غير منطقي، خاصة أن الحزب لا زال في حاجة إليه.
أين ترين مكانك مستقبلا؟
مكاني أن أخدم الرهانات التي أومن بها، فأنا قدمت من هامش المغرب إلى السياسة منذ كان سني 15 سنة، وبنيت مساري خطوة خطوة.
إن هدفي كان دائما هو خدمة مسار التطوير والتحديث في البلد، وما دمت حاملة لهذه الرهانات في ذاتي، فسأخدمها أينما كنت.
يعني أنك لازلت تجدين نفسك في حزب العدالة والتنمية؟
وما الذي يجعلني أغير مكاني خارج العدالة والتنمية.
ربما تشعرين أنك محاربة كما صرحت بذلك أحيانا أليس كذلك؟
دائما أقول إن الحزب السياسي وسيلة وليس غاية، لذلك يجب تطوير أدائه حتى لا يتحول إلى هدف في حد ذاته.
ومن جهة أخرى، لا أخفيك أنني أشعر بالإقصاء أحيانا داخل العدالة والتنمية وأرفض ذلك.
كيف تتحدثين عن الإقصاء وأنت تم ترشحيك في اللائحة الوطنية ووكيلة لائحة محلية في الدار البيضاء، كما أن الحزب لم يتوان في تقديمك لتولي عدد من المهام والمناصب؟
يجب التفريق بين مرحلتين، فأنا لم أتحدث عن الإقصاء قبل المؤتمر الأخير، لكنني بكل صراحة بدأت أشعر بالتعرض للإقصاء بعد هذا المؤتمر، كما ازداد التعرض للإقصاء بعد واقعة الصور الشهيرة، ولكن لا مشكل لدي، فالرهان عندي ليس هو المواقع والمناصب.
ما تقييمك لمسار "الكوطا" النسائية والشبابية؟
في الحقيقة، لقد أدت "الكوطا" النسائية أدوارا مهمة، فبدونها لم يكن ممكنا ولوج النساء للبرلمان، وأنا شخصيا ولجت البرلمان عبر اللائحة النسائية، قبل أن أتمكن من العودة عبر اللائحة المحلية، وحتى اللائحة الشبابية أعتقد أنها ساهمت في بروز بعض الشباب، لكن هذا لا يمنع من الدعوة إلى التطوير والدمقرطة، إذ يجب أن تتبنى الأحزاب معايير واضحة، بعيدا عن القرابة ، كما أن البرلمان ليس مكانا لتعلم السياسة، فمن غير المعقول أن يبدأ الشاب أو المرأة مسارهما السياسي من البرلمان، بل يجب أن يكون هناك نوع من التدرج داخل التنظيمات الحزبية، وأن يكون ولوج البرلمان تتويجا لهذا المسار.