مجلس المنافسة وموزعو المحروقات.. الأسئلة العالقة

خلال تعيين الملك للرئيس الجديد لمجلس المنافسة
تيل كيل عربي

شكل الملك محمد السادس مؤخرا لجنة متخصصة للنظر في الطريقة التي اتخذ بها مجلس المنافسة قراره بخصوص التواطؤ المحتمل حول الأسعار بين شركات توزيع المحروقات. وجاء هذه اللجنة بعد الانتقادات التي وجهها أعضاء بالهيئة إلى رئيسها، ادريس الكراوي. "تيل كيل" حاولت فك خيوط هذا الملف الحارق والذي يكتنفه الكثير من الغموض.

يبدو أن ملف سوق المحروقات بالمغرب، الذي فتحته "تيل كيل" في تحقيق يعود إلى 2017، لن يطوى قريبا. فبينما كان مجلس المنافسة يستعد لفرض غرامة قياسية على الفاعلين في القطاع لعدم احترامهم لقواعد المنافسة، جاء بلاغ للديوان الملكي ليعيد الأمور إلى نقطة الصفر، بعد أن أبدى عدد من أعضاء المجلس شكوكا بخصوص طريقة اتخاذ القرارات من طرف إدريس الكرواي، رئيس هذه الهيئة. فقد أعلن القصر الملكي في 28 يوليوز الماضي عن "تشكيل لجنة متخصصة تتكلف بإجراء التحقيقات الضرورية لتوضيح الوضعية". وقد أثار بلاغ للديوان الملكي، الذي لم يحسم في مدى وجود اتفاق محتمل بين موزعي المحروقات، المزيد من الاستفهامات، وأكد، إن كان الأمر يحتاج إلى تأكيد، أن هذا الملف الحارق له علاقة بمصالح مجموعات قوية جدا.

مسألة بروتوكولية؟

في الواقع، لم يتخذ مجلس المنافسة، الذي رفع إليه قطاع أصحاب النقل التابع للكونفدرالية الديمقراطية للشغل طلب التحقيق في تواطؤ محتمل حول الأسعار بين موزعي المحروقات، قرارا واحدا بل قرارين بخصوص هذا الملف الحارق. فبعد 18 شهرا من التحقيق، اجتمع أعضاء المجلس في جلسة عامة يوم 22 يوليوز، وقرروا، بموافقة 12 صوتا ضد واحد، حسب ما جاء في نص بلاغ الديوان الملكي، فرض "غرامة مالية" على موزعي المحروقات. وتتمثل في 9% من رقم معاملات الموزعين الثلاثة الكبار، "أفريقيا'، "طوطال" و"فيفو إنرجي"(شيل)، كما قرر أعضاء المجلس عقوبات مالية "بمبالغ أقل" بالنسبة للموزعين الآخرين، دون تحديدها. وقرار المجلس بفرض غرامات مالية يوحي بأن الفاعلين موضوع التحقيق ارتكبوا ممارسات مخالفة لقوانين المنافسة.
في اليوم الموالي لهذا التصويت، رفع ادريس الكرواي، رئيس مجلس المنافسة، مذكرة إلى الملك محمد السادس ليحيطه علما بالقرار المتخذ. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا: لماذا وصل قرار المجلس إلى الديوان الملكي فور اتخاذه، مع العلم أنه هيئة تتمتع باستقلالية القرار التي يضمنها لها الدستور؟
صحيح أن القانون 20-13 المنظم لهذه الهيئة ينص على أن يرفع رئيسها تقريرا عن أنشطته إلى الملك، ولكنه تقرير عن أعمال المجلس خلال السنة المنصرمة، ويكون مرفقا بالقرارات والآراء التي أصدرها. ثم بعد ذلك يقدم التقرير نفسه إلى رئيسي الحكومة والبرلمان. يقول إطار وزاري تابع هذا الملف إن الهيئة التي يرأسها ادريس الكراوي "لا تحتاج إلى التأشير الملكي على تقرير أو قرار بحكم الصلاحيات التي يخولها لها الدستور"، قبل أن يضيف: "كأن المجلس أراد أن يشرك الملك في قراره"، ولكن هذا المسؤول الآخر، الذي مر من عدة هيئات عمومية، يرى أن ادريس لم يقم سوى بتطبيق قانون غير مكتوب: "مجلس المنافسة احترم فقط الممارسات الجاري بها العمل".
في اليوم الموالي لتاريخ المذكرة المرفوعة إلى القصر، أي في 24 يوليوز، أصدر مجلس المنافسة بلاغا يؤكد فيه أن المداولات حول ملف المحروقات مازالت جارية. وإذا كان هذا البلاغ يتسم بالتناقض بالنظر إلى مضمون المذكرة التي وصلت إلى الديوان الملكي، فإنه يبدو ذا معنى بالنظر إلى ما سيتلوه من أحداث.

ماذا عن التصويت الثاني؟

في 27 من يوليوز، أي خمسة أيام بعد قراره الأول، خرج مجلس المنافسة بقرار جديد. وفي اليوم الموالي (28 يوليوز) أحاط رئيس المجلس الملك علما بأن الغرامة تعادل "8% من رقم المعاملات" وقد تم فرضها على كل الفاعلين في القطاع. ولكن "دون أي إشارة إلى توزيع الأصوات". وقد اتصلت "تيل كيل" بعضو في المجلس الذي أكد "اتخاذ القرار بالأغلبية، وبطريقة ديمقراطية"، ولكنه لم يكشف عن توزيع الأصوات. وربطت "تيل كيل" الاتصال كذلك بعضوين آخرين بالهيئة ولكنهما رفضا الإدلاء بأي تعليق، مبررين رفضهم بالفصل الخامس من القانون الداخلي للهيئة الذي ينص على أن "الرئيس هو الناطق الرسمي باسم المجلس".
لماذا إذن صوت مجلس المنافسة على قرار ثان، بينما كان قد اتخذ قرارا أول قبل أقل من أسبوع؟ "عادة ما تعاد يوم الاثنين مناقشة القرارات التي اتخذت في الأربعاء الفارط" يقول مصدر مقرب من الملف، ولكن لم يوضح سبب التحول المفاجئ لعدد من أعضاء المجلس.
والحق أنه ليست المذكرة الثانية التي رفعها إدريس الكراوي إلى القصر هي التي ستتسبب في "تفجير" كل شيء، بل "الورقة" التي توصل بها في اليوم ذاته.
فحسب بلاغ الديوان الملكي تتضمن هذه الوثيقة "الصادرة عن العديد من أعضاء المجلس"، تهما خطيرة موجهة لرئيسهم. ويقول موقعو الورقة، التي أورد بلاغ الديوان الملكي مضمونها، إن "تدبير هذا الملف اتسم بتجاوزات مسطرية وممارسات من طرف الرئيس مست جودة ونزاهة القرار الذي اتخذه المجلس". وذكر البلاغ "التواصل الذي أضر ببحث القضية"، وهذه التهمة تشير إلى التغطية الإعلامية لأشغال مجلس المنافسة، وإلى التسريبات التي وصلت إلى الصحافة عقب اتخاذ القرار الأول، الذي اعتبر "نهائيا" في مقال لموقع "ميديا 24". وقد اتصلت "تيل كيل" بادريس الكراوي إبان صدور ذلك المقال، ولكنه رفض الإدلاء بأي تعليق مؤكدا "جهله بمصدر تلك التسريبات".

مسألة تأويل

يؤكد مصدر مقرب من الملف أنه "تم احترام كل القوانين وكل القواعد"، وهو ما ينفيه موقعو "الورقة" الموجهة إلى القصر والتي ينددون فيها بـ"اللجوء الإجباري إلى التصويت قبل إغلاق باب المناقشة". كما يؤاخذون الكراوي بـ"التفسير المبتور وانتهاك المادة 39 من القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة".
وتقول هذه المادة إن "المبلغ الأقصى للعقوبة بالنسبة لمنشأة (شركة) فهو 10 % من مبلغ رقم المعاملات الأعلى العالمي أو الوطني، بالنسبة للمنشآت التي ليس لها نشاط دولي، دون احتساب الرسوم، والمنجز خلال إحدى السنوات المحاسبية المختتمة منذ السنة التي سبقت تلك التي تم خلالها القيام بالممارسات" موضوع المخالفة.
بخصوص هذه النقطة نعلم أن المجلس قرر معاقبة الشركات (المنشآت)الثلاثة الأكبر في القطاع بغرامة تصل إلى 9% من رقم المعاملات السنوي الذي حققته في المغرب. ولكن بعد بضعة أيام سيُتَّخَذُ القرارُ بفرض غرامة تصل إلى 8% من رقم المعاملات الذي حققته كل الشركات الموزعة للمحروقات. والحال أن المادة 39 هذه تشير كذلك إلى أنه "إذا كانت حسابات المنشأة المعنية مجمعة أو مشتركة حسب النصوص المطبقة على شكل الشركة، فإن رقم المعاملات المعتبر هو المتضمن في الحسابات المجمعة أو المشتركة للمنشأة المُنجِزة للتجميع أو التشارك".
إذن، على أي أساس سيتم معاقبة الشركات المعنية بقرار مجلس المنافسة؟
بخصوص هذه النقطة الغموض هو سيد الموقف. ومع ذلك فإن النقاش الدائر حول تأويل المادة 39 يوحي مرة أخرى بأن التواطؤ حول الأسعار بين موزعي المحروقات ثابت بالنسبة إلى المجلس.
ويتهم موقعو تلك الوثيقة التي توحي بالتمرد، رئيسهم بـ"عدم تلبية ملتمسات الأعضاء بهدف إجراء بحث متوازن للحجج المقدمة من طرف الشركات". وحسب عدة وسائل إعلامية لم تحظ الشركات المعنية بتحقيق مجلس المنافسة سوى بـ15 دقيقة للدفاع عن نفسها، ولكن "تيل كيل" لم تفلح في التأكد من هذه المعلومة.

تدخل دستوري

إن التهم الموجهة إلى إدريس الكراوي خطيرة، ولعل هذا ما يفسر قرار محمد السادس "تشكيل لجنة متخصصة تتكلف بإجراء التحقيقات الضرورية لتوضيح الوضعية (حول العمل الذي قام به مجلس المنافسة)" (الإضافة بين قوسين من هيئة تحرير "تيل كيل"). والدافع وراء هذا القرار هو تمسك العاهل المغربي بـ"استقلالية ومصداقية المؤسسات"، وكذلك دوره كـ"ضامن لحسن سير عملها". ويبدو جليا أن الديوان الملكي يشير هنا إلى الفصل 42 من الدستور الذي ينص على أن الملك هو "ضامن دوام الدولة واستمرارها"و "يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية".
كما أن القوانين الخاصة بمجلس المنافسة تؤكد التراتبية بين الملك وهذه المؤسسة الدستورية، بما أن رئيسها يتم تعيينه من طرف العاهل المغربي، والمجلس مسؤول أمامه من خلال التقرير السنوي الذي يرفعه إليه.
ويتعين على اللجنة التي شكلها محمد السادس أن ترفع إلى نظره السامي خلاصاتها "في أقرب أجل"، حسب منطوق بلاغ الديوان الملكي، ولكن دون تحديد أي تاريخ بعينه. للقيام بهذا التحقيق تم اختيار ستة من المسؤولين السامين، من بينهم سياسيان في شخص رئيس مجلس النواب، الحبيب المالكي، ورئيس مجلس المستشارين، حكيم بنشماس، كما تضم اللجنة المشكلة أربعة مسؤولين عن هيئات دستورية، وهم: رئيس المجلس الدستوري، سعيد إهراي؛ رئيس المجلس الأعلى للحسابات، إدريس جطو؛ والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري؛ ورئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بشير الراشدي.

ماذا بعد؟

عند قراءة بلاغ الديوان الملكي، تظل عدة أسئلة عالقة، لأن هوامش الربح الإضافية التي استفاد منها الموزعون غداة تحرير أسعار المحروقات أكدها تحقيق أجرته "تيل كيل" وكذا عمل لجنة برلمانية. ففي ماي 2018، خلصنا في "تيل كيل" إلى أن هوامش الربح الإضافية التي استفاد منها موزعو المحروقات في السنتين اللتين تلتا تحرير الأسعار في نهاية 2015، بلغت في حدها الأدنى 12.9 مليار درهم.، وهي أرباح هائلة تمت على حساب المواطنين في محطات الوقود.
كان على مجلس المنافسة الإجابة عن السؤال التالي: هل كان هناك تواطؤ بين شركات توزيع المحروقات؟ علينا انتظار خلاصات اللجنة المشكلة من طرف الملك لمعرفة الجواب. ولكن وحتى إذا لم يثبت وجود تواطؤ حول الأسعار، فما مصير هذا الملف؟
هل ستتم المصادقة يوما ما على القرارات التي اتخذها مجلس المنافسة؟ هل ستعيد "اللجنة المتخصصة" النظر في الأشغال السابقة لهذه الهيئة؟ وخصوصا، هل سيخضع هذا المجلس للإصلاح؟

ترجمة
عن "تيل كيل"