دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مذكرته حول مراجعة مدونة الأسرة إلى "اعتماد لغة قانونية واضحة في كتابي الوصية والارث لجعلهما أسهل من حيث المقروئية مع ملاءمة مقتضيات هذين الكتابين مع القوانين الأخرى".
وطالب المجلس في توصياته، التي حصل "تيلكيل عربي" على نسخة منها اليوم الاثنين، بـ"تدقيق مفهوم التركة باستخراج نصيب الزوجة أو الزوج الباقي على قيد الحياة من الأموال المكتسبة بعد الزواج، وذلك قبل توزيع التركة استثناء بيت الزوجية من نطاق التركة، وإقرار حق الانتفاع للزوجة أو الزوج الباقي على قيد الحياة".
وأشارت إلى ضرورة "تخويل صاحب المال سلطة اختيار النظام المطبق على أمواله، إما الوصية أو الميراث".
ونادت المذكرة بـ"توسيع نطاق الرد لفائدة البنات في حالة عدم وجود أخ لهم، بأن تستحق البنت في حالة انفرادها نصف التركة، وفي حالة تعددها ثلثي التركة، وذلك بالفرض، وباقي التركة بالرد بعد أخذ أصحاب الفروض نصيبهم".
ولفت إلى التوصيات الإنتباه إلى "حذف اختلاف الدين من موانع الميراث، وتوسيع نطاق الورثة ليشمل ذوي الأرحام إسوة بعدد من التشريعات المقارنة، وذلك في حالة عدم وجود الورثة بالفرض والورثة بالتعصيب".
كما أكدت على ضرورة "تجريم الحرمان من الإرث واعتبار ذلك في حق المرأة بسبب جنسها ظرف تشديد".
وسجل المجلس، أن "مدونة الأسرة أكدت مبدأ الرعاية المشتركة للزوجين على الأسرة، إلا أن ذلك لم ينعكس على مقتضيات الكتاب السادس منها والمتعلق بالميراث، والذي بقي حاملا للعديد من مظاهر التمييز وعدم المساواة، ومن صورها صعوبات ثقافية وقانونية واجرائية تحول دون وصول بعض النساء الى حقهن في الإرث في ظل غياب أي جزاء قانوني في حالة حرمانهن من الإرث".
وذكر أنه "من الإشكاليات نظام التعصيب، ففي حالة وفاة أحد الزوجين ووجود بنات دون أبناء ينتقل جزء من التركة إلى أقرب وارث بالتعصيب دون أن يتحمل واجب الإنفاق على البنات، كما أن مقتضيات مدونة الأسرة لا تستثني مسكن الزوجية والأموال المخصصة للأسرة من التركة".
وانتقد "اعتبار اختلاف الدين مانعا من موانع الميراث مما يؤدي الى عدم التوارث بين الأبناء وأمهم وبين الزوجين، واعتبار البنوة غير الشرعية ملغاة بالنسبة للأب، بحيث لا يقع التوارث بين الطفل وبين أبيه البيولوجي إلا في حالة الإقرار به، وهو ما يعتبر تمييزا بين الأطفال بحسب الوضعية العائلية للأبوين".
وجاء المذكرة أن "المقتضيات المتعلقة بكتاب الميراث تعتبر مخالفة للقانون العام بالنسبة لعدد من بلدان الإقامة لمغاربة العالم، حيث يتم استبعاد تطبيق مدونة الأسرة لكونها تميز بين الجنسين وبين الأطفال بحسب الوضعية العائلية للأبوين، وبحسب الأنصبة، ويسبب الدين".
وتطرق المجلس لمسألة "عدم توريث ذوي الأرحام حيث أن بنات الأخ أو العم على سبيل المثال لا يرثن رغم أن أبناء الأخ وأبناء العم يرثون، وفي حالة وفاة شخص دون أن يترك أحدا من الورثة بالفرض أو التعصيب باستثناء بنات الأخ أو بنات العم، فإنهن لا يرثن، وتنتقل التركة الى السلطة المكلفة بأملاك الدولة؛ أمام هذا الوضع أصبحت الكثير من الأسر، خاصة تلك التي لم ترزق بذكور - تلجأ بشكل متزايد الى القيام بإجراءات قانونية وأحيانا صورية - كبديل عن القواعد الحالية لنظام الميراث من قبيل البيع أو الصدقة أو الهبة، وذلك بهدف حماية بناتهن من قاعدة التعصيب وما قد يواجهن من حرمان من سكنهن بعد وفاة الأب، أو بهدف حماية أحد الزوجين المتبقي على الحياة أو من أجل تحقيق المساواة بين الإناث والذكور من أبنائهن".
ولمعالجة مظاهر التمييز التي ما زالت تطبع نظام الإرث، جدد المجلس دعوته إلى "مراجعة وتعديل الكتاب السادس الخاص بالميراث بما يتماشى مع مبادئ الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت او انضمت إليها المملكة وخاصة اتفاقية حقوق الطفل وإلغاء أو تعديل جميع المقتضيات القانونية التي قد تنطوي على تمييز ضد المرأة من أجل إعمال مبدأي المساواة والمناصفة اللذين كرسهما الدستور".
وأكد المجلس على "مقترحه السابق بتخويل الأفراد إمكانية الاختيار بين الوصية وغيرها من التبرعات وبين نظام الإرث، مع ضمان حد أدنى لتدخل المشرع بقواعد آمرة لحماية بعض الفئات الهشة، وللحيلولة دون استغلال مقتضيات الوصية وغيرها من عقود التبرعات كوسيلة لحرمان النساء أو الفتيات من الإرث وحذف كل المقتضيات التمييزية التي أصبحت متجاوزة في الواقع".
وشددت المذكرة على أن "مقترحات المجلس ترتكز على المرجعية الإسلامية السمحاء والتي تنبني على الاجتهاد المنفتح على تطور المجتمع حيث تؤكد عدد من القراءات المعاصرة الموضوع الإرث، ضرورة وضع النصوص الناظمة لها في سياقها التاريخي، واستحضار نظرية التدرج كأسلوب تشريعي"، واعتماد تحليل مقاصدي يرتكز بالأساس على مقاصد الدين الإسلامي السمح القائمة على جلب المصالح ودرء المفاسد، وإعمال الاجتهاد، وهو المنهاج الأمثل لملاءمة النص مع سياقه".
وذكرت المذكرة أن "هذه المقترحات من جهة أخرى، تهدف إلى تعزيز قدرة مدونة الأسرة على مواكبة تحولات واقع المجتمع المغربي في المرحلة الراهنة من تطوره التاريخي. ومن هذه الزاوية، يمكن التأكيد على أن التمييز بين الذكر والأنثى في نصيب الإرث كان مرتبطا بمبررات تاريخية مثل: تحمل الرجل أعباء نفقة الأسرة والأقارب، ومسؤولية الدفاع عن العشيرة والقبيلة، والمسؤولية التضامنية والنسب، والملاحظ أن بعض هذه المبررات أصبح متجاوزا في الواقع، بعدما أصبحت الأسرة تحت الرعاية المشتركة للزوجين، وتراجعت الأسر الممتدة لصالح الأسر النووية، وأصبحت المرأة أكثر حضورا في الفضاء العام، وتساهم بنسب متزايدة في الإنفاق على نفسها وعلى الآخرين، وهو ما تؤكده إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2020، والتي تفيد أن نسبة الأسر التي تعيلها النساء قد بلغت 16.7% من مجموع الأسر المغربية".