في هذه السلسلة الرمضانية، يمنح موقع "تيل كيل عربي" الكلمة للمحامين، ليتحدثوا عن المرافعة التي طبعت مسارهم، وظلت بذاكرتهم مع مرور السنين.
في هذه الحلقة من سلسلة محام وقضية، نتوقف مع الأستاذ عبد اللطيف وهبي، المحامي والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة ليحدثنا عن جزء من مساره، وعن القضية التي لازالت عالقة في ذهنه.
ولدت سنة 1961 بمدينة تارودانت، وفيها درست المرحلة الابتدائية والإعدادية. خلال دراستي الإعدادية والثانوية عرفت بالشغب وقيادة احتجاجات التلاميذ، مما تسبب لي في مشاكل مع الإدارة. وكان من جملة هذه المشاكل أن اتخذت إدارة الإعدادية التي كنت أتابع بها دراستي قرارا بتنقيلي إلى مؤسسة أخرى.
كانت الاحتجاجات في ذلك الوقت جزءا من حياة التلاميذ، وقد وجدت نفسي منخرطا فيها بسبب انتمائي السياسي للاتحاد الاشتراكي، مما تسبب في تنقيلي إلى مؤسسة أخرى بأكادير خلال المرحلة الثانوية، قبل أن أعود لتارودانت من جديد، وأحصل على شهادة البكالوريا.
بعد حصولي على شهادة البكالوريا، كانت الطريق واضحة أمامي، فقد اخترت مسبقا متابعة دراستي في كلية الحقوق، لأني كنت مهووسا بمهنة المحاماة، وكنت أعتبر أنني لا يمكن أن أكون إلا محاميا.
بدأت دراسة القانون في كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش، التي قضيت فيها سنة فقط، ثم انتقلت إلى مدينة الرباط، حيث تابعت دراستي بجامعة محمد الخامس إلى أن حصلت على الإجازة، كما حصلت على دبلوم في القانون الدولي الإنساني .
في سنة 1989 بدأت مساري كمحامي متدرب عند الأستاذ طارق السباعي، قبل أن ألتحق بمكتب الأستاذ الراحل أحمد بنجلون كمحامي رسمي.
كثيرة هي الملفات والقضايا التي لازالت راسخة في ذاكرتي من تجربتي في مهنة المحاماة، لكنني لن أنسى دفاعي عن عدد من رجال الأعمال الذين اعتقلوا سنة 1995 في إطار "حملة التطهير" التي قادها وزير الداخلية السابق، إدريس البصري، بتكليف من الملك الراحل الحسن الثاني.
كانت تلك المحاكمات تعرف خروقات قانونية كثيرة، وكان دوري رفقة محامين آخرين أن نرصد تلك الخروقات ونبينها، وقد كشفنا بالأدلة أن ضمانات المحاكمة العادلة لم تكن متوفرة للمتهمين، الذين توبعوا بتهم التهريب. كما شهدت المحاكمات مواجهات ومبارزات قانونية طويلة بيني وبين بعض القضاة، الذين كان بعضهم يرفض منحي الوقت الكافي لإلقاء مرافعتي.
ولم يتم طي ملف "حملة التطهير" إلا بعد صدور عفو على المعتقلين من طرف الملك الحسن الثاني.
ومن العجيب، أنه بعد سنوات وجدت نفسي محاميا لبعض القضاة الذين كنت في مواجهة مباشرة معهم خلال المحاكمة، بعد اعتقالهم بتهمة الارتشاء، وإحالتهم على محكمة العدل الخاصة، حيث قمت بكل ما في وسعي من أجل الدفاع عنهم، وتبيان الخروقات التي اعترت قضيتهم.
بعد 29 سنة من ممارسة مهنة المحاماة يمكنني القول أنها أعطتني كل شيء، أدين لها بكل شيء، منحتني الاستقلالية والمكانة الاجتماعية، والدور السياسي. وباختصار، لقد صنعت مني المحاماة شخصا آخر، لكن يؤسفني هذا الضعف الذي وصلت إليه الآن، فالعديد من المحامين لم يعطوها شيئا، رغم أنها أعطتنا كل شيء.