في هذه الحلقة من سلسلة محام وقضية، نتوقف مع عبد المولى المروي، المحامي بهيأة الرباط للحديث عن جزء من مساره، والقضية التي لازالت راسخة في ذاكرته.
لم تكن المحاماة جزء من مخططاتي في الحياة بحكم تخصصي العلمي في شعبة العلوم الرياضية، إذ كنت أطمح أن ألج مجال علم الفلك، المجال استهواني طوال حياتي ولازال يستهويني، إلا أن استمراري في مجال العلوم الرياضية اصطدم بمشاكل اجتماعية حالت دون استكمال دراستي.
توقفت مسيرتي الدراسية لما يزيد عن أربع سنوات، حصلت خلالها على بكالوريا أدبية مما مكنني من استئناف دراستي بكلية الحقوق، وقد كان ذلك بعد زواجي وانجابي.
ورغم المسؤوليات الأسرية، فقد استطعت تحقيق نتائج جيدة، وحصلت على الإجازة بميزة سنة 2006، وتزامن ذلك مع الإعلان على مباراة ولوج مهنة المحاماة.
لم أتردد في اجتياز المباراة، وقد كان النجاح حليفي، مما مكنني من بداية مسار جديد ليس في المحاماة فقط، بل فب الدفاع عن حقوق الإنسان.
سنة 2010 ستشكل منعطفا جديدا في حياتي المهنية، إذ سأتولى الدفاع عن معتقلي السلفية الجهادية، الذين تجاوز غددهم 100 شخص من الذين كنت أنوب عنهم.
التعامل مع هذه الملفات المعقدة، اكسبني قدرة وتجربة كبيرة على إعداد المذكرات والمرافعات، كما جعلني أمزج بين المحاماة والعمل الحقوقي من خلال منتدى الكرامة لحقوق الإنسان.
بعد أحداث اكديم ايزيك، كلفني المنتدى لأكون ضمن لجنة للتحقيق في تلك الأحداث التي شغلت الرأي العام الوطني والدولي، وقد مكنني ذلك من تكوين رصيد هام من المعلومات عن الموضوع، كما تعرفت على عدد من الشخصيات والهيئات، انتهى كل ذلك في تقرير حقوقي أشرف عليه الأستاذ عبد العزيز النويضي.
بعدها بأيام، اتصل بي النقابي الصحراوي، المرحوم أحمد الدية، وطلب مني أن أنوب عن جميع المعتقلين أمام المحكمة العسكرية. وبعد عدة مشاورات، أعطيت موافقتي بالدفاع في إطار حقوقي صرف، وفي إطار تحقيق ضمانات المحاكمة العادلة.
بدأت الجلسة الأولى للمحاكمة تحت مراقبة أمنية ومتابعة إعلامية كبيرة لم أعهدها من قبل، وقد وجدت نفسي بين صوتين: صوت محذر من الدفاع عن هؤلاء وصوت مشجع لكنه مرتاب.
في بداية المحاكمة، لاحظت أنه لايوجد من المدافعين عن المعتقلين سوى المحامين المنتسبين للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمحامين من أصول صحراوية، وقد وحدت نفسي في مكان لم أتعمده، حيث وجدت نفسي إلى جانب شقيق محمد عبد العزيز، زعيم جبهة البوليساريو، وهو محامي بمدينة أكادير.
وبعد التقدم إلى هيأة المحكمة التي كان يترأسها القاضي الزحاف بالطلبات الأولية والدفوع الشكلية، كان لي نصيب في المرافعة دام حوالي أربع ساعات، والتي استهلتها بمقدمة أكدت فيها على مغربية الصحراء، وأن دفاعي سيكون حقوقيا صرفا من أجل ضمان المحاكمة العادلة لجميع المتابعين"، وحينما أنهيت المرافعة علق القاضي قائلا: "لقد استمتعنا بمرافعتك أستاذي الكريم"، وهي شهادة أعتز بها.
لقد كانت محاكمة اكديم ايزيك امتحانا صعبا بالنسبة لي بين التشبث بوطنيتي وإيماني المطلق بمغربية الصحراء، والدفاع عن معتقلين يوصفون بالانفصاليين والمناوئين للوحدة الترابية، لكن في النهاية استطعت أن أجمع بين الأمرين، أي أن أتشبث بوطنيتي، وأدافع في نفس الوقت عن حق المعتقلين في محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع الضمانات.
رغم الملفات الكثيرة، التي ترافعت بشأنها، إلا أن محاكمة معتقلي اكديم ايزيك وما صاحبها، لا يمكن أن تغيب عن ذاكرتي، كما خرجت منها بدروس عديدة أهمها أن المحامي يجب أن يؤدي واجبه الحقوقي في إطار الوطنية الحقة بضمير مهني صادق بغض النظر عن أراء وأفكار موكليه.