في هذه الحلقة من سلسلة محامي وقضية سنتوقف مع عبد الصمد خشيع، رئيس فرع نقابة المحامين بخريبكة، ومدير مجلة "البدلة" ليحدثنا عن جزء من مساره، وعن القضية التي لاتزال عالقة بذاكرته.
أنا من مواليد 5 ماي 1971 بسطات وتخصيصا ببلدية لولاد.
درست الاعدادي بإعدادية العيون تم الثانوي بمدينة خريبكة وحصلت على الباكالوريا سنة1991، ثم الاجازة في القانون الخاص سنة1995 بجامعة القاضي عياض بمراكش، قبل أن أحصل على شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة سنة1996 والتحق بهيئة المحامين بخريبكة وأؤدي اليمين بتاريخ16 دجنبر 1996. ٠
ولوجي لمهنة المحاماة لم يكن مصادفة، ولا فلتتة مهنية ، بل كانت لي رغبة جامحة في اعتناقي لها، لحبي الشديد لرسالتها الى درجة الولع والوله الشديدين لها، بحيث ظهرت لدي منذ الطفولة ملامح القوة في التحليل، والجرأة في عرض المشاكل، فضلا عن تملكي اللغة العربية بشكل جيد، مما جعل المحاماة تسكنني وأعجب بها الى الآن.
رافعت في العديد من القضايا، لكن القضية التي كان لها تأثير علي، تتعلق بامرأة شابة زعم اخ زوجها بانها تخون اخاه مع شخص اخر في مكان خلاء، وتم اعتقالها لهذا السبب، وعند المناقشة تمسكت تلك الشابة بالإنكار ، وأكدت للمحكمة بان خروجها من البيت كان بدافع ان تزور ابنها بالمدرسة ، وتصطحبه الى طبيب الاسنان ،حيث كان يعاني من ألم شديد في احدى الاضراس، وعند عودتها التقت بشخص تجهله وشرعت في الحديث معه واستفسرها عن بعض الامور، اذاك فوجئت بأخ زوجها يهجم على الشخص الأجنبي ويوجهه له عدة لكمات ويتشاجر معه الى حين حضور الشرطة.
تم تقديم المرأة الشابة وإحالتها في حالة اعتقال بتهمة الخيانة الزوجية بمعية شريكها، واثناء المناقشة تمسكت بالنفي، وحكت للمحكمة روايتها مع ابنها المريض.
وردا على ذلك، قررت المحكمة استدعاء الطفل فورا مع الاحتفاظ بالمتهمة تحت المراقبة، وأمرت بالاستماع للطفل في مكتب رئيس الجلسة دون حضور أمه ، وبعد مساءلته أكد نفس رواية أمه ، وسأله الرئيس عن أمه : فقال له الطفل ببراءة (أنا بغيت ماما راك شادها عندك"، ثم سالت دمعة حارقة على خد الطفل تلتها حشرجة صوتية مؤثرة جدا، الشيء الذي ابكانا جميعا هناك من اغرورقت عيناه وهناك من لم يتحمل، سواء من السادة القضاة او الزملاء المحامين ، وبعد انتهاء البحث التكميلي، واستئناف جلسة المناقشة افرج عن المرأة الشابة ومتعت بالسراح المؤقت.
هذه إحدى القضايا التي ظلت خالدة في ذاكرتي لكون القضاء تحلى بالجرأة المطلوبة في استكناه الحقيقة ، ولكون عطف الطفل على أمه أبكى هيئة بكاملها وكان سببا في اطلاق سراحها .
هذه القضية بينت لي أن البعد الانساني يطغى في كثير من المواقف على البعد القانوني، وان الإنسان لايؤاخد بشبهة مهما كانت الادلة والقرائن ضده ، مالم يكن مطوقا بوسائل اثبات دامغة لا نقاش فيها ، خاصة اذا تعلق الأمر بأعراض الناس وسمعتهم وشرفهم.
بعد هذا المسار، الذي قضيته في مهنة المحاماة أستطيع أن أقول أنها مثل امرأة جميلة وجذابة فمتى احببتها بصدق، انجبت معك اطفالا في غاية الوسامة والروعة، اي انك اذا احببتها بوفاء تقدم لك كل شيء -الاحترام -الحضور الثقافي -المكانة في المجتمع - القوة في التعامل مع جميع القطاعات، فمهنة المحاماة لاتؤمن بالضعف بقدر ما تؤمن بالتكوين والبحث العلمي والجد والمثابرة، لأنها رسالة نبيلة وتحتاج الى أمين على تلك الرسالة بما تحمل الكلمة من معنى.