في هذه الحلقة من سلسلة "محام وقضية"، سنتوقف مع الأستاذ محمد طبال، المحامي بمدينة سلا، ليحدثنا عن جزء من مساره، وعن القضية التي لازالت عالقة في ذهنه.
رأيت النور في أواخر ستينات القرن الماضي في أحد الدواوير بإقليم تاونات.
بدأ مساري الدراسي في مدرسة متواجدة بالدوار الذي كانت عائلتي تقطن به، لكن ذلك لم يدم طويلا، إذ أنني سرعان ما التحقت بعمي في مدينة سلا من أجل اكمال دراستي، ابتداء من السنة الثانية ابتدائي.
كان الانتقال لمدينة سلا، والاستقرار بمنزل عمي، الذي كان يعمل في صفوف القوات المسلحة عاملا مساعدا لي لاستكمال دراستي، حيث حصلت على الشهادة الابتدائية بمدرسة موسى بن نصير، والشهادة الإعدادية بإعدادية الجاحظ، قبل الحصول على البكالوريا في شعبة الآداب.
بعد حصولي على شهادة البكالوريا كان خياري محسوما، وهو متابعة الدراسة بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط، فالمحاماة كانت حلما طفوليا بالنسبة لي، لذلك لم أتردد بعد حصولي على الإجازة في اجتياز امتحان المحاماة.
اجتياز امتحان المحاماة بنجاح مكنني من بداية مساري كمحامي متدرب سنة 1992، قبل أن أصبح محاميا رسميا ابتداء من سنة 1995.
خلال هذه المدة غير اليسيرة التي قضيتها في مهنة المحاماة تعاملت مع ملفات كثيرة، خاصة الملفات ذات الطبيعة الجنائية بحكم اهتمامي الكبير بالقانون الجنائي والمسطرة الجنائية، لكن واحدا من هذه الملفات والقضايا لا يمكنني نسيانها، نظرا لخصوصيتها وغرابتها.
كان ذلك، في أواخر التسعينات، حينما ألقت عناصر الشرطة القضائية القبض على سيدة بشبهة الابتزاز في حالة تلبس.
ويتعلق الأمر بسيدة متزوجة في نهاية الثلاثينات من عمرها، كان زوجها يشتغل خارج المغرب، مما يضطره للعيش بعيدا عن بيته لأشهر.
استغلت الزوجة غياب زوجها لتخصص منزل سكنهما لواحدة من أغرب عمليات النصب والابتزاز.
علقت الزوجة لافتة على باب المنزل كتب عليها عبارة "للبيع" مرفوقة برقم هاتفها، إلا أن ذلك لم يكن بغرض البيع، فقد عملت الزوجة على استئجار فتاتين قاصرتين من أجل استغلالهما في الدعارة والابتزاز.
ذات يوم مر أحد التجار المنحدرين من مدينة أكادير بالصدفة من أمام باب المنزل المذكور، فأثار عرض البيع انتباهه، سجل رقم الهاتف، ثم اتصل بصاحبته، التي طلبت منه الحضور من أجل القاء نظرة عليه، قبل مناقشة تفاصيل البيع.
حضر التاجر في الموعد المحدد، ووجد صاحبة المنزل في استقباله، رحبت به أحسن ترحيب، ودعته إلى القيام بجولة في المنزل.
حينما دخل بيت النوم، وجد فتاة في انتظاره، حيث لم يمض سوى وقت قصير على تبادلها معه عبارات الغزل، حتى وجد نفسه في حضنها.
كان التاجر سعيدا بهذه المصادفة التي لم يكن ينتظرها، لذلك أدخل يده في جيبه وسلم الفتاة مبلغا من النقود، لكن الفتاة رفضت تسلمها، معتبرة أن المتعة الجنسية أهم من النقود.
غادر التاجر البيت دون أن يتفق مع صاحبة المنزل على شرائه، فقد طلبت أموالا تفوق بكثير سومته الحقيقية.
بعد يومين، تلقى التاجر السوسي اتصالا من صاحبة المنزل، أخبرته أن مضاجعته للفتاة القاصر تسببت في مشكلة كبيرة، وهي فقدانها لبكارتها، مؤكدة له أنهما يتوفران على صور تثبت ما حدث بينها.
ومن أجل الخروج من هذه الورطة طلبت منه دفع مبلغ 20 ألف درهم مقابل ترميم بكارة الفتاة عند طبيب بالرباط، فما كان منه إلا أن دفع خوفا من العار وتضرر سمعته أمام زوجته وابنته.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فبعد أسبوع تلقى اتصالا آخر من نفس السيدة تخبره أن عملية ترميم البكارة قد فشلت، وأن الأمر يتطلب التوجه عند طبيب آخر بالدار البيضاء يتوفر على أجهزة متطورة بإمكانها اخراجهم من هذه الورطة، لكن ذلك يتطلب دفع مبلغ آخر.
صدق التاجر الرواية، ودفع مبلغا آخر من المال تحت الضغط، وخوفا من الفضيحة، إلا أن الأمر لم يقف عند هذا الحد أيضا، إذ سرعان ما اتصلت به نفس السيدة لتخبره أن الطبيب الذي فحص الفتاة تبين له أنها حامل، وهنا خيرته بين دفع مزيد من الأموال مقابل اجهاض الجنين، وبين جرجرته في المحاكم، وتشويه سمعته، فما كان منه إلا الدفع.
ورغم اجراء عملية الاجهاض المزعومة، فإن صاحبة البيت عاودت الاتصال بالتاجر، طالبة منه دفع مبالغ مالية أخرى، مبررة الأمر بحاجة الفتاة إلى العلاج لتجاوز مضاعفات الاجهاض.
أمام هذا الوضع، أصبح التاجر يمر بمرحلة نفسية صعبة، انقطع عن الأكل والشرب، ولم يعد يغادر منزله.
استغربت زوجته وأبناؤه للوضع الذي أصبح يعيشه، وبعد الحاح عليه من أجل الكشف عما ألم به، أخبرهم أن أجله قريب، وأنه يطلب حضوره أخيه من مدينة أكادير من أجل استئمانه على سر من أسراره، قبل مغادرة الحياة الدنيا.
خلال انفراده بأخيه حكى له القصة بكاملها، فما كان منه إلا أن أقنعه بتقديم شكاية ضد السيدة المبتزة، وهو ما تم، حيث قامت الضابطة القضائية بنصب كمين لها والإطاحة بها في حالة تلبس، وهي تتسلم الأموال .
خلال المحاكمة، تمت إدانة صاحبة البيت بسنة حبسا نافذا، على الرغم من إدلائها بمحضر للصلح مع التاجر، بعدما أعادت له مبلغا ماليا قدره 60 ألف درهم.
ظلت هذه القضية عالقة بدهني، خاصة أن نتائجها الاجتماعية كانت كارثية، إذ أن زوج السيدة، أصيب بالصدمة بعد تأكده مما اقترفت زوجته، الشيء الذي دفعه إلى تطليقها، وانهاء علاقته بها.