في هذه الحلقة من سلسلة محامي وقضية، سنتوقف مع إدريس عامر، المحامي بهيئة الرباط، ليحدثنا عن جزء من مساره، وعن القضية التي ظلت راسخة بذاكرته.
أنا من مواليد 1967 بجماعة بوقنادل نواحي سلا، حيث نشأت وترعرعت ودرست المرحلة الابتدائية بمدرسة سيدي عبدالله، قبل أن أنتقل لثانوية مولاي يوسف بالرباط التي درست فيها المرحلة الثانوية إلى غاية البكالوريا، ثم انتقلت إلى ثانوية الأيوبي.
في سنة 1988، حصلت على شهادة البكالوريا من ثانوية الأيوبي بسلا، ثم التحقت مباشرة بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط، حيث حصلت على الإجازة في القانون الخاص بميزة حسن جدا سنة 1992.
بعد حصولي على الإجازة، قررت مباشرة ولوج مهنة المحاماة؛ إذ قمت، من أجل ذلك، بتقديم طلب لهيئة المحامين بالرباط بهدف التمرن، قبل أن أجتاز امتحان الأهلية سنة 1995 وأصبح محاميا رسميا بسلا.
على مدار 28 سنة، التي قضيتها في المحاماة، رافعت في العديد من القضايا، إلا أن واحدة منها لم تفارق ذاكرتي، نظرا لخصوصيتها وتشعبها.
ويتعلق الأمر بمتابعة مغربيين باستئنافية وجدة بتهمة الفرار من سجن بلجيكي، والتزوير والاحتجاز والسرقة الموصوفة.
وتعود أطوار القضية إلى فرار سجينين مغربيين من سجن بلجيكي باستخدام طائرة مروحية، وذلك بطريقة تشبه إلى حد كبير الأفلام الهوليوودية.
كانا المغربيان يقضيان عقوبة حبسية بسجن بلجيكي، لكن أحدهما دبر طريقة غير مسبوقة للفرار، حيث اتفق مع صديق وصديقة له بكراء طائرة مروحية من أجل القيام بجولة استجمامية، قبل أن يجبرا ربانها تحت تهديد السلاح على الهبوط في باحة السجن، مما مكن السجينين من الفرار.
ولم يكتف المتابعان بالفرار من السجن، بل قاما بالسطو على سيارة ميرسيدس انتقلوا بها إلى هولندا، قبل أن يدخلا بوثائق مزورة.
علمت السلطات الهولندية بفرار المغربيين وقامت بمراسلة السلطات المغربية، التي عملت على اعتقالهما، ومتابعتهما بتهم خطيرة تتضمن الفرار من مكان مخصص للاعتقال والتزوير والاحتجاز، وقد كان ذلك سنة2009
بعدما اتصلت بي عائلة أحد المتابعين في هذه القضية، قبلت الترافع في هذع القضية، وبدأت أسافر من مدينة سلا إلى مدينة وجدة من أجل الدفاع عن موكلي، حيث حاولت التأكيد على عدم وجود أدلة ملموسة تثبت تورطه، فضلا عن مدى قانونية محاكمته في المغرب، طالما أن الجريمة وقعت في بلجيكا.
بعد جلسات ماراتونية، قضت المحكمة بسجن موكلي 10 سنوات سجنا، وقد كان هذا الحكم مخففا بالنظر لطبيعة الجرائم التي اتهم باقترافها.
وأذكر أن رئيس الجلسة أخبر موكلي أنه سيستحضر ما ورد في مرافعتي، مما أعطاني إشارة على أن الحكم سيكون مخففا.
هذه القضية ظلت راسخة في ذاكرتي، وذلك راجع لتشعبها، إذ أنني أحيانا كنت أتساءل عن كيف استطاعوا القيام بهذه العملية. كما لازلت أتساءل عن صدقية حدوث ما قاموا، لأن الأمر كان أشبه بفيلم هوليوودي، مما يؤكد أن العملية كانت وراءها شبكة موسعة.
بعد هذا المسار الذي قضيته في مهنة المحاماة، أعتبر أنها مهنة نبيلة وشريفة في آن واحد، وقد كان اختياري لها عن حب، كما ساهمت في تكويني شخصيتي، ومنحتني آفاق واسعة للاشتغال في المجال القانوني والحقوقي، وباختصار فقد أعطتني كل شيء.