في هذه الحلقة من سلسلة محام وقضية، سنتوقف مع المحامي نجيب البقالي، المحامي بهيئة الدار البيضاء، والنائب البرلماني ليحدثنا عن جزء من مساره، وعن القضية التي ظلت راسخة بذاكرته.
رأيت النور سنة 1978 بمدينة وزان، التي ترعرعت فيها، ودرست فيها المرحلة الابتدائية والإعدادية، قبل أن أنتقل إلى مدينة سيدي قاسم لدراسة العلوم الاقتصادية خلال المرحلة الثانوية.
بعد حصولي على البكالوريا في العلوم الاقتصادية، توجهت إلى مدينة مكناس لدراسة القانون بجامعة المولى اسماعيل، حيث حصلت على الإجازة، ثم أتممت دراستي العليا بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية إلى غاية حصولي على شهادة الدكتوراه.
بدأت مساري كمحامي متدرب سنة 2006، ولازلت أحتفظ بذكريات جميلة عن هذه المرحلة، إذ أنني حصلت على المرتبة الأولى في البحث الخاص بندوة التمرين.
طيلة 13 سنة التي قضيتها في المحاماة، ترافعت في العديد من الملفات والقضايا، فالمحاماة تجعلك قريبا من مشاكل وهموم المجتمع بمختلف فئاته وطبقاته، لكن هناك بعض القضايا التي تركت أثرا كبيرا في نفسيتي، ولا يمكنني نسيانها.
من بين هذه القضايا، قضية تتعلق بشابة تبلغ من العمر حوالي 26 سنة، وقد كانت قضيتها تتلخص في كونها ولدت خارج إطار الزواج، ولم تكن تتوفر على أي وثيقة بشأن هويتها مما تسبب لها في مشاكل نفسية وقانونية لا حصر لها.
ورغم أن والدها البيولوجي معلوم، فإنه ظل ينكرها، كما أن أمها تخلت عنها، ورفضت مساعدتها، لكونها تزوجت من مواطن خليجي، وأخفت عنه ماضيها.
اتصل بي أحد الأصدقاء، وطلب مني تبني هذا الملف، وبعد اتباع المسطرة القانونية استطعنا ضمان تسجيلها في الحالة المدنية، مما فتح الباب أمامها للحصول على باقي الوثائق التي تحتاجها.
من الأمور التي وقفت عليها، وأثرت علي خلال معالجة هذا الملف أن القانون يسمح للأشخاص مجهولي الهوية باعتماد اسم أب وأم افتراضيين، لكنه لا يسمح باختيار اسم افتراضي للجد، وهو ما يجعل هذه الفئة عرضة للتمييز والعنصرية من طرف بعض الموظفين والإداريين.
إن الأمر بمثابة عذاب نفسي يرافقهم، فهم عرضة للميز والتنقيص، والنظرات الاحتقارية، إذ كلما أدلوا ببطائقهم الوطنية يتم التعرف مباشرة على أنهم نتيجة علاقة غير شرعية.
هذه القضية دفعتني لإعداد مقترح قانون لتعديل القانون المتعلق بالحالة المدنية مما يمكن هذه الفئة من المواطنين التي أصبحت واقعا لا يمكن نكرانه من اختيار أسماء افتراضية لأجدادهم، الشيء الذي من شأنه أن يخفف من معاناتهم، ويجعلهم في مأمن عن نظرات وتعليقات المجتمع.
أتمنى أن يجد هذا المقترح طريقه نحو المصادقة البرلمانية، كما أود أن أثير الانتباه إلى قضية إشكالية اثبات النسب في المغرب، إذ أن عدم اعتراف الأب البيولوجي بابنه، أو ابنته، خارج إطار الزواج يجعل الأم تتحمل لوحدها المسؤولية، وهو ما يستدعي اجتهادا فقهيا وقانونيا لرفع الحيف عن هذه الفئة.
لقد ساهمت المحاماة في تكوين شخصيتي، وفتحت لي باب الممارسة السياسية والحقوقية، كما جعلتني قريبا من هموم المجتمع، فضلا عن كونها وفرت لي دخلا ماديا محترما، ومكنتني من تكوين شبكة علاقات كثيرة.
وخلاصة القول، إن المحاماة أعطتني كل شيء، كما لا أنسى فضل عدد من الأساتذة المحامين الذين تمرنت على يدهم، والذين كان لهم دور كبير فيما وصلت إليه.