في هذه الحلقة من سلسلة محامي وقضية نتوقف مع نور الدين بوبكر، المحامي بوجدة ليحدثنا عن جزء من مساره، وعن القضية التي ظلت عالقة بذاكرته.
أنا من مواليد سنة 1959 بسيدي بلعباس بالجزائر من أب مغربي وأم جزائرية.
وتعود قصة هجرة الوالد إلى الجزائر إلى سنة 1930، حيث كان من ضمن كثير من المغاربة الذين هاجروا إلى الجزائر بسبب مجاعة الريف، واستوطنوا في الغرب الجزائر.
هاجر الوالد وعمره 12 سنة، وقد استطاع ايجاد عمل له والزواج من جزائرية، كما انخرط في المقاومة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي، وهو ما مكنه من ربط علاقات قوية مع عدد من المقاومين.
في هذا البيت نشأت، ودرست المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية إلى غاية السنة الأولى بكالوريا، وقد تزامن ذلك مع حملة طرد المغاربة من الجزائر سنة 1975، إلا أن الوالد تم استثناؤه من الطرد، نظرا لعلاقاته ولما قدمه للجزائر.
ولم يحل عدم طردنا من الجزائر دون التعرض للمضايقات، إذ تم اختطاف الوالد من طرف المخابرات الجزائرية والتحقيق معه لأيام، ثم أتوا به إلى الإذاعة الجزائرية، وطلبوا منه التصريح بعدم مغربية الصحراء، الشيء الذي رفضه رفضا مطلقا، قبل أن يتدخل عدد من المقاومين لإطلاق سراحه.
أمام هذا الوضع، لم يكن من خيار أمام الوالد إلا مغادرة الجزائر والعودة إلى المغرب، حيث أقمنا بمدينة وجدة.
سنة 1976 التحقت بثانوية زيري بن عطية، وحصلت على شهادة البكالوريا بمعدل 16.20، وقد كان هو المعدل الأول بالثانوية.
ومن حسن الصدف أن حصولي على البكالوريا تزامن مع افتتاح جامعة محمد الأول، مما مكنني من متابعة دراستي بكلية الحقوق، إذ كنت ضمن أول فوج يتخرج من هذه الجامعة.
بعد تخرجي، قضيت سنتين في الخدمة المدنية بالمحكمة الابتدائية ببركان، ثم التحقت مباشرة بمهنة المحاماة كمحامي متدرب بمكتب محامي عريق هو الأستاذ محمد بوعريش، وقد كان مسؤولا لحزب الاتحاد الاشتراكي، وكان معروفا بغزارة علمه، واستقامته، بل إنه كان مرجعا في المرافعات الجنائية، إلا أنني لم أقض معه إلا سنة واحدة، بعدما شاءت الأقدار أن يغادرنا إلى دار البقاء، نتيجة حادثة سير.
بعد ذلك، أكملت تمريني عند أستاذ آخر، هو الأستاذ امحمد البخاري وقد كان محاميا وفقيها قانونيا، كما سبق أن مارس مهنة القضاء مما مكنني من الإلمام بالقانون وفنون المرافعات.
كثيرة هي القضايا التي رافعت فيها، وظلت راسخة في ذاكرتي من بينها ملفات عدد من الطلبة المناضلين من مختلف الفصائل الطلابية إسلامية ويسارية، إذ كنت لا أتوانى في الدفاع عنهم، مما أكسبني صداقات كثيرة مع عدد منهم.
في سنة 1991 ستعرف مدينة وجدة حادثا مأساويا هو مقتل الطالب المعطي بوملي.
وقد توبع في القضية عدد من طلبة جماعة العدل والإحسان، الذين توليت مهمة الدفاع عنهم إلى جانب طالب آخر من حركة الإصلاح والتجديد، والذي كان فارا.
لازالت هذه المحاكمة ماثلة أمامي، إذ أن المرافعات ابتدأت صباحا، ولم تنته إلى في حدود الساعة السابعة صباحا من اليوم التالي. وأصدرت المحكمة أحكاما مشددة في حق طلبة جماعة العدل والإحسان وصلت إلى 20 سنة سجنا نافذا، بينما الطالب المنتمي لحركة الإصلاح والتجديد حكم عليه غيابيا ب30 سنة سجنا.
مباشرة بعد هذا الحكم، أجريت اتصالا مع موكلي، وأقنعته بتسليم نفسه، وهو ما تم، حيث سلمته شخصيا لقاضي التحقيق، لتبدأ بعد ذلك معركة قانونية أخرى، إذ اعترضنا على الحكم الغيابي، وتمت إعادة محاكمته، لينال البراءة، وهو ما لا يمكنني نسيانه.
بعد كل هذه السنوات التي قضيتها بهذه المهنة، يمكنني القول "إن المحاماة رئة أتنفس بها، كما منحتني احترام وحب الناس، ومكنتني من الاهتمام بحقوق الإنسان، كما جعلتني في مواجهة مباشرة في كثير من الأحيان مع أشخاص فاسدين، ويؤسفني القول أن الفساد في القضاء منتشر بشكل لا يمكن تخيله، مما يستدعي تظافر مزيد من الجهود لمحاربته".