خلال السنوات القليلة الأخيرة ، طفح على سطح الساحة العربية، خطابان، خطاب تيئيسي مشبع بروح الهزيمة، على أوسع نطاق، مفاده أن الكيان الاسرائيلي حسم الصراع وأن القضية الفلسطينية أصبحت من الماضي ،مستدلا في ذلك بأن مشاريع " التسوية "أصبحت تأتي من الجانب الامريكي الاسرائيلي ، وأن إسرائيل شرعت في تهيئ الشروط لشرق أوسط جديد وفتحت مشاريع التطبيع مع الدول العربية والاسلامية ، لا حتى أنها طلبت العضوية في منظمة الاتحاد الافريقي (قبل أن تطرد منه)،وكانت تستعد لإعلان التطبيع مع المملكة العربية السعودية ، البلد دو المكانة الريادية بالنسبة للمسلمين السنة،عبر العالم.
وخطاب آخر ، أقل شيوعا ، لكنه عبر عن نباهة وبعد نظر ، حيث كان يعتبر أن تحركات الكيان الصهيون تعبر عن تخبطه في مآزق عديدة وعزلة كبيرة وشعور بالضعف ، كما أنها تعبر على تصدع كيانه داخليا وخارجيا .
فنزل السابع من أكتوبر كالصاعقة على إسرائيل ، من حيث لم تحتسب ،بعد انطلاق طوفان الاقصى، وأذاق مرارة الذل والهزيمة للجيش الصهيوني، الذي كان الى حدود فجر هذا اليوم ينعت بالجيش الذي "لا يقهر " والمخابرات الاكثر عبقرية والاكثر تقدما في العالم.
حيث شاهد العالم على المباشر أن هذه المخابرات تم اختراقها وتكسير بنياتها ، وأن الجيش الصهيوني مرغ أنفه في التراب وهزم وتم اعتقال ضباط سامون وجنود واحتجاز اكثر من 250 رهينة .
بل أكثر من ذلك تم توثيق الهجوم البطولي التاريخي ومواكبة مجرياته ،الدقيقة تلو الاخرى.
ورغم كل هذا ، استمر دعاة الهزيمة والاستسلام في اجترار انبطاحهم مدعين أن السابع من تشرين الاول هو إعادة سيناريو الحادي عشر من أيلول 2001 , حيث أخدته أمريكا دريعة للهجوم على العراق والإطاحة بنظامه الوطني والقومي العربي ، وبالتالي فإن الانجاز الذي حققته المقاومة الفلسطينية جاء برضى الكيان الصهيوني حتى يتسنى له طرد الفلسطينيين من قطاع غزة وتهجيرهم الى سيناء المصرية وتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي.
الا أن الحقيقة الصاطعة تكمن في أن ما يجري على أرض فلسطين جاء نتيجة تغيرات داخلية وخارجية ومحلية وإقليمية ودولية .
فعلى المستوى الفلسطيني ،استطاعت فصائل المقاومة ،والتي أهمها كتائب عز الدين القسام ، الجناح العسكري لحركة المقاومة الاسلامية، حماس ،أن تتأقلم مع ظروف الحصار الخانق على غزة، وتقوي إمكاناتها وتكتسب مناعة قوية ضد اي اختراق أو تجسس.
كما أن أن فصائل المقاومة استمرت في الوجود وحافظت على التنسيق في ما بينها ، مثل سرايا القدس وكتائب ابو علي مصطفى وصلاح الدين وغيرها،باستثناء كتائب شهداء الاقصى ، التابعة لحركة فتح، التي توقف نشاطها.
على المستوى الاقليمي ،الوضع أصبح أكثر تعقيدا ،نتيجة الحرب في سوريا ،و في اليمن وفي العراق، والأزمة الغير مسبوقة التي يعرفها لبنان والامكانات العسكرية والقتالية التي يتوفر عليها حزب الله .
فكل هذه المعطيات تظهر أن الكيان الصهيوني سيجد نفسه في مأزق خطير إذا عممت المواجهات.
أما على المستوى الدولي فإن العالم اليوم أصبح مغايرا لما كان عليه سابقا ،بمعنى أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية لم يعد وحده في الساحة.
فماهي السيناريوهات المحتملة للصراع الفسلطيني الاسرائيلي ؟
السناريو الاول: أن توقف اسرائيل هجماتها على غزة وتبدأ المفاوضات لإطلاق سراح الرهائن مقابل إطلاق سراح الاسرى الفلسطينين ، وهذه المفاوضات لا يمكن ان تتم الا إذا كان سقفها تأسيس الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية .
وهذا الاحتمال سيؤكد هزيمة إسرائيل ويزيد من تصدع بنياتها من الداخل.
السيناريو الثاني، وهو أن يقدم الكيان الاسرائيلي على اجتياح غزة ، مما سيترتب عليه دمار هائل وتدخل قوى المنطقة، حزب الله في شمال فلسطين وسوريا في الجولان وقوى أخرى في العراق واليمن ،وتنظيمات أخرى سنية ووطنية وقومية ،مما سيشعل المنطقة ويجرها الى حرب شاملة.
السيناريو الثالث، أن تتدخل الولايات المتحدة الامريكية ببارجاتها الحربية وجيشها ، وهذا ما سيدخل روسيا الاتحادية في المعادلة ، كما فعلت في سوريا ، الا أن هذا التدخل سيكون أكثر حدة ، نظرا للظروف الحالية ، الحرب في أوكرانيا ونظرا لحساسية المنطقة ودورها الجوهري في الصراع العالمي.
يبدو أن زيارة الرئيس الامريكي جو بايدن الى تل أبيب ،مباشرة بعد بداية طوفان الاقصى ، وإبحار حاملتي طائرات أمريكية الى شرق البحر الابيض المتوسط، وزيارات رؤساء دول غربية لعاصمة الكيان الصهيوني ، مؤشر واضح على خطورة الوضع ،وأن كل مشاريع العرب وعلى رأسها الامريكية ، كصفقة القرن والمشروع" الإبراهيمي"والشرق الاوسط الجديد والفوضى الخلاقة تهاوت باصطدامها ،بإرادة الشعب الفلسطيني الذي عانى الويلات،والتواق الى بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس وتحرير أسراه وعودة اللاجئين.
فهل سيغلب العقل والحكمة لفرض مؤتمر دولي ، يوقف العدوان والحرب على الابرياء ، ويفتح الباب نحو مفاوضات تؤسس لحل عادل وشامل في المنطقة؟
أم أن العناد هو الذي سيغلب،وآنذاك سيتجاوز الصراع حدود الشرق الاوسط،ويصبح عالميا ،بكلفة باهضة على البشرية؟