في هذا الحوار المقتضب مع موقع "تيل كيل عربي" يشرح محمد شقير، الكاتب والمتخصص في العلوم السياسية كيف استخدمت الزوايا والسلطة المركزية في المغرب آلية الاطعام من أجل الاستقطاب والتحكم في المشهد السياسي، وكيف استغلت الأحزاب السياسية بدورها هذه الآلية من أجل ضمان الحصول على أصوات الفئات الهشة من خلال توزيع "قفة رمضان"، والمساعدات الغذائية.
كيف تقرأ لجوء عدد من السياسيين إلى توزيع المساعدات الغذائية على المحتاجين خلال شهر رمضان؟
ينبغي التأكيد بداية أن ظاهرة الاستقطاب عبر الاطعام قديمة في المغرب، وقد استخدمت من طرف الزوايا لاستقطاب أكبر عدد من الأتباع والمريدين. لقد كانت الزوايا تتخذ من عملية الاطعام وسيلة لاستقطاب المريدين والأتباع، حيث كانت قوة كل زاوية تنعكس من خلال ما تقدمه من طعام، وما تهيؤه من مؤونة، وبالتالي كانت كل زاوية تعد "العصيدة" لاستقطاب الفقراء مقابل طعام آخر لاستقطاب النخبة.
ولم يقتصر الأمر على الزوايا، بل إن السلطة المركزية ممثلة في السلاطين السعديين لجأت بدورها إلى توزيع الطعام على الفقراء والمحتاجين والمحيطين بالقصور من أجل تقوية نفوذها. إن آلية توظيف الطعام من أجل الاستقطاب التي كان معمولا بها قديما، لم تتوقف لحد الآن، بل أصبحت مجالا للتنافس بين السلطة والجماعات الإسلامية منذ الثمانينات، حيث لجأت الجمعيات التابعة لحزب العدالة والتنمية إلى تنظيم ما يعرف بموائد الرحمان من أجل توظيفها انتخابيا، فيما لجأت السلطة بدورها إلى توزيع قفة رمضان في محاولة للحد من نفوذ الإسلاميين.
هذه السنة تميزت بلجوء فاعل سياسي آخر هو حزب التجمع الوطني للأحرار إلى توزيع القفة الرمضانية، كيف تقرأ هذه الخطوة؟
من الواضح أن حزب التجمع الوطني للأحرار انضاف بدوره إلى هذه المعمعة تحضيرا للانتخابات التشريعية المقبلة. لقد فهم حزب التجمع الوطني للأحرار أن توزيع المواد الغذائية على الفقراء والمحتاجين آلية فعالة لتمكينه من كسب أصوات انتخابية لا يستهان بها، ففي ظل العزوف عن التصويت يمكننا القول أن الفئات الهشة هي التي سترسم الخريطة السياسية المقبلة. إن توزيع قفة رمضان هي آلية من الآليات التي يوظفها حزب التجمع الوطني للأحرار استعدادا لانتخابات 2021، خاصة أنه دخل في حملة انتخابية سابقة لأوانها.
ألا ترى بأن توزيع قفة رمضان والمساعدات الغذائية من طرف الأحزاب السياسية بمثابة رشاوى انتخابية مقنعة بغلاف اجتماعي؟
نحن لسنا أمام رشاوى انتخابية فقط، نحن أمام استغلال فظيع للفئات الهشة، التي لا تملك الحصانة المادية والفكرية لتحديد اختياراتها السياسية. والمشكل أن السلطة لا تحارب مثل هذه السلوكات، التي تعتبر امتدادا لسياستها واستراتجيتها من أجل التحكم في "الرعية" أو "العامة".
إن سياسة التجويع لازالت آلية من آليات التحكم في المشهد السياسي في المغرب، لذلك لا يمكن أن ننتظر من السلطة أن تحارب هذه السلوكات، بدليل أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية استغلت بشكل كبير في هذا الشأن، إذ أن السلطة استغلت هذه المبادرة في مواجهة حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان، الذين كانوا يعتمدون نفس الاستراتيجية.
في نظرك كيف يمكن التصدي لعملية التوظيف السياسي للعمل الخيري والاجتماعي؟
لا بد من التمكين الاقتصادي للمواطنين، خاصة الفئات الهشة، إذ أن استمرار انتشار الفقر، سيزيد من اضعاف حصانة هذه الفئات أمام ويجعلهم مطية سهلة لكل استغلال.