محمد غازي
تتحول معظم أزقة وشوارع مدن بلادنا "المغرب" إلى ما يشبه "ساحة حرب قذرة"، سببها "قبلاً"، انتشار الخيم العشوائية "القياطين"، المبنية بأنواع رديئة من البلاستيك و"الخيش" والأعواد، التي تستعمل في عرض التبن وأعلاف الأضاحي وبعض السلع التي تعرف إقبالا كبيرا من طرف المواطنين في هذه المناسبة، و"بعداً" تراكم مخلفات عيد الأضحى، ومنها ما يتركه باعة الخرفان، وبقايا ذبح الأضحية، لتنتشر البقايا في الشوارع، خصوصاً الأحشاء، فضلاً عن روائح ومخلفات شواء رؤوس الأضاحي التي يتم في الغالب شواؤها في حفر تقام في الشوارع والأزقة، حتى لو تم تحطيم المنشآت العامة من طرق معبدة ومساحات خضراء وغيرها وتخريب الممتلكات الجماعية.
وتصبح ساحات المدن وفضاءاتها وأزقتها مُتذَثِّرة بالقمامة الناجمة عن بيع التبن والعلف والفحم الخشبي في المتاجر المخصصة أو غير المخصصة لذلك، أما في يوم النحر فتتضاعف كميات القمامة التي تجعل كثيراً من النفايات هي المشهد المألوف في الشوارع التي تصبح مصدرا للتلوث وروائح كريهة، تسببها في الغالب أحشاء الأضاحي التي يتم التخلص منها بطرق عشوائية، إلى جانب عادة شواء رؤوس الأضاحي في الشوارع من طرف شباب غالبيتهم لا ينظفون المكان ويتركونه مليئاً بالفحم ومخلفات النار.
أما البيوت والمساكن في المدن المغربية خصوصا الأحياء الشعبية منها، وهي المعروفة باحتضانها أكثر من أسرة وعائلة، وقد تجد البيت الواحد الذي يمكن أن لا تتعدى مساحته الستين مترا مربعا يحتضن ثلاث أسر أو أكثر، ويتحتم على كل أسرة بناء على التقاليد والعادات الموروثة، اقتناء أضحيتها منفردة.
مما يُحَوِّل هذه المساكن "رغم ضيقها" إلى مجازر تراق فيها الدماء وتذبح وتسلخ فيها الذبائح، قبل أن تتحول إلى مراتع لمختلف الأزبال والمخلفات من الأمعاء والجلود والأوساخ والروائح التي تنتشر في كل مكان، بسبب الطرق التي يتم التخلص منها والكميات الهائلة التي يعجز عمال النظافة بالإمكانيات المتوفرة لديهم على معالجتها بكيفية ناجعة وسريعة.
العقدة المذلة:
هذه البيوتات المتزاحمة والمساكن المتلاصقة، تفرض إلى جانب ما توارثه المغاربة من عادات "مُلزمة"، على الأسرة اقتناء أضحية العيد تجنبا أحيانا للإحراج أمام الجيران والأصحاب، وأحيانا أخرى تلبية لرغبات الأطفال، وفي أحايين أخرى خوضا لمعارك نفسية وهمية مع الجيرة لذرء سهام المذلة والاحتقار في حال إذا عجزت أو اختارت (الأسر) عدم اقتناء أضحية العيد، مما يحول هذه العادة الدينية التي يرجى التقرب بها لرب العباد، إلى مناسبة للتباهي، أو الخضوع لمختلف أساليب الاستجداء والاقتراض أو هروبا من (العين) السخيفة والمحُتقِرة، التي يمكنها أن توجه من الجار أو شريك المسكن.
مجازرنا عاجزة:
هذا، وتكشف تقارير صحافية عديدة، عن أوضاع كارثية تعيشها المجازر الجماعية في بلادنا، حيث تظهر الصور انعدام البنية التحتية وقنوات الصرف الصحي، وانتشار الأزبال داخل وفي محيط أغلبها، إذ تعجز عن توفير الجو الملائم والصحي لذبح الذبائح، حيث تشير (التقارير)، إلى أن بعضها تذبح بها البهائم فوق روث الحيوانات مما يسمح بتجول الكلاب والقطط الضالة داخل المجزرة، كما يسجل بعض الجزارين، أن كميات كبيرة من دماء الأضاحي تجري في مصارف مياه مكشوفة، إلى جانب شاحنات نقل اللحوم التي لا تتوفر على مكيفات مناسبة للحفاظ على سلامة اللحوم، فضلا أن عددها وتجهيزاتها لا تكفي لتوفير خدمة الذبح وفق الشروط الصحية الملائمة، وتوفير الأضحية لكافة المواطنين.
فأغلب المجازر "بناء على نفس التقارير"، التي تديرها الجماعات، لا تحترم شروط السلامة الصحية ولا حماية المستهلك المغربي، أضف لذلك عجز مصالح المكتب الوطني للسلامة الصحية على مراقبة الذبائح، وإنزال العقوبات في حق المجازر التي لا تحترم شروط السلامة وإلزامها بدفاتر تحملات صارمة"، فضلا عن عدم قدرتها، على توفير خدمة الذبح وفق الشروط الصحية للمواطنين يوم العيد.
جهود يجب دعمها:
في السياق ذاته، دأبت بعض الجماعات المحلية في السنوات الأخيرة، على تنظيم حملات التوعية عبر مكبرات الصوت، وإقامة نقط للتواصل مع المواطنين وتوزيع أكياس جمع المخلفات، وتسليمهم منشورات توضيحية لطرق التعامل مع الأضاحي، وحثهم على التخلص من المخلفات.
وخصصت بعض هذه الجماعات رغم ضعف إمكانياتها مجازر جماعية، وشجعت المواطنين على ذبح أضحياتهم بها حفاظا على السلامة العامة، في محاولة لتخفيف الآثار السلبية التي تنتج عن ذبح الذبائح في البيوت التي (نزعم) أنها إحدى الظواهر السلبية والعادات السلبية الموروثة التي تحول مدننا إلى بؤر لانتشار الأوساخ والروائح والمظاهر البئيسة.
مقارنة سريعة:
في الدول الأوربية، بما فيها تركيا، يصعب وفق أكثر من تقرير، شيُّ اللحم في البيوت والاكتفاء بطهوه، فضلا عن ذبح الذبائح بها، إلا أن يتم الترتيب لذلك في الغابات والفضاءات المخصصة كالمزارع والضيعات الفلاحية أو الإقامات والمراكز المناسبة والمرخصة إذا كان الجو مناسبا.
وبحسب شهادة أحد الأصدقاء الذي حل بيننا في المغرب أياما قليلة قبل عيد هذه السنة، أكد لنا أنه اضطر لإلغاء جلسة شواء بسيطة في شقته وسط إسطنبول السنة الفارطة، بعد أن ضايقه جاره التركي، مهددا إياه باستدعاء الشرطة، إذا لم يوقف دخان شوائه فورا، على اعتبار أنه تأذى من دخان ورائحة شوائه.
وأشار "أسعد"، أن الأتراك، وهو الشعب المسلم في أغلبه، يُسمح له بذبح الأضاحي في المجازر المخصصة لذلك، كما أن كل المساحات الخضراء تتوفر على فضاءات مخصصة للشواء والطهي، على أنه يمنع منعا قطعيا ذبح الأضاحي في المساكن.
في مقابل هذا المنع "القاهر"، تعترف الجالية المسلمة في الدول الغربية، بأن كل ما يحتاجونه يجدوه في بعض المتاجر، بدءا بالبهارات وأواني الطبخ ومستلزماته مرورا بالعباءات والأزياء التقليدية والعطور والسبحات والكتب الدينية والعطور وانتهاء باللحم الحلال، كما يُسمح بالاحتفال في أماكن مخصصة للغرض سواء في بعض المراكز الثقافية الإسلامية، أو في بعض الضيعات والمزارع التي يوجد أغلبها في ضواحي المدن.
على أن عملية الذبح لا بد أن تخضع للقوانين الصحية للدول المضيفة، حيث أن القوانين الفرنسية على سبيل المثال، تفرض أن يكون الذبح والسلخ عبر المجازر فقط، ولا يحق لأي شخص ذبح أي من الحيوانات خارج المجازر التي تقررها الحكومة، كما هو الشأن في كل الدول الغربية.
ما العيب في الاستفادة من التجربة التركية والسعودية؟
ويسارع الأتراك إلى تأكيد الحجوزات عبر الهاتف، وعقد زيارات متكررة للضيعات التي تتكفل بتوفير كبش الأضحية قبل الاتفاق على موعد التسليم الذي يكون عادة صبيحة العيد بعد الفراغ من الصلاة، في حين يختار قسم من المسلمين اقتناء الأضحية وحضور طقوس النحر من قبل جزار معتمد، فيما، يفضل البعض الآخر اقتناء الأضحية مذبوحة وجاهزة للاستهلاك من المجازر المرخصة من قبل السلطات المحلية والتي تخضع لشروط صارمة، على أن يقوم بالتبرع بمال الأضحية لبعض مؤسسات المجتمع المدني المعترف بها.
أما في المملكة العربية السعودية، ـ بحسب زميل صحفي مقيم في المملكة ع س ـ فيقوم المواطنون بناء على نصيحة الحكومة، بذبح الأضاحي في المجازر البلدية، وهو الأمر الذي يلاقي إقبالا كبيرا، نظرا لما تجنيه الأسر من فوائد، سواء تعلق الأمر بالجهد الكبير الذي تتخلص منه أو مما تربحه من وقت وتكلفة.
فرض الذبح بالمجازر يجنب الأسر الحرج:
برأي الدكتور حسن الشطيبي، باحث اجتماعي، رئيس جمعية مهتمة بحماية المستهلك بمدينة تمارة، فإن تكفُّل المجاز بهذه المهمة الاجتماعية الكبيرة، سيساهم ليس فقط في سلامة البيئة وتنظيم عملية ذبح الأضاحي وفق شروط السلامة والصحة وحماية المستهلك، بل سيؤدي إلى خلق مئات مناصب الشغل، وتطوير البنية التحتية وخلق بيئة مناسبة وثقافة اجتماعية جديدة، تتمثل في نشر قيم العدالة الاجتماعية، ورفع الحج عن الأسر الهشة اتي يمكنها الحصول على اللحوم وفق إمكانياتها، عوض الاستسلام أمام قهر المنافسة المخزية وغير المتكافئة، بالاضطرار إلى التهافت على شراء الأضحية عبر الاقتراض أو الاستجداء.
الذبح بالمجازر يحقق شرط الحرية ويسمح للأسر اختيار القرار الأنسب:
وبالتالي، فإن تكليف المجازر حصريا بالذبح، إلى جانب الضيعات والمزارع الخضراء، خارج المدن والتكتلات السكنية، يشجع العائلات والأسر على اتخاذ القرار المناسب لها، بناء على قناعة وحرية كاملين، ويحررها من سلبيات العادات الموروثة، ويضع عنها أغلال التبعية المادية ويحررها من أسر الضعف المالي الذي كان يلاحقها لشهور لاحقة، ويمكنها من تدبير مالي يتناسب مع إمكانياتها وظروفها الخاصة.
الذبح بالمجازر يسهم في نظافة أحيائنا ويحافظ على سلامة بيئتنا ويدعم اقتصادنا:
هذا، إلى جانب أن تكليف المجازر حصريا بالذبح، سيخفف العبء على عمال النظافة، ويمكنهم من أداء واجبهم خارج الضغط الكبير في يوم العيد الذي يجب أن يكون عيدا بالنسبة لهم كذلك، والقضاء من جهة أخرى على العشوائية التي تتسم بها وظيفة الجزارين أنفسهم خلال هذا اليوم، حيث يتقمص مئات الأشخاص دور الجزار المتخصص والمهني، وهو ما يسهم بشكل كبير في الإضرار بمهنيي القطاع، فضلا عن التشنجات الاجتماعية والمشاكل الناتجة عن قلة الدراية، الإخلال بالتوازن البيئي والإضرار بسلامة المنشئات العمومية، ويساعد بشكل كبير في تلوث الأزقة والأحياء، ويضاعف الأزبال المتراكمة.
ويمكن للجماعات المحلية الاستفادة من جلود الأضاحي وأصوافها، وذلك بالاتفاق مع شركات مختصة تقتني تلك الأصواف والجلود والاستفادة منها في صناعات أخرى، الأمر الذي سيضاعف الإيجابيات المحصلة التي ستجنيها مدننا وجماعاتنا من هذه العملية.
وفي هذا اليوم يشتد الضغط، إن على استهلاك كميات مضاعفة من المياه العذبة، أو على مجاري المياه العادمة التي تتعرض هي الأخرى لضغط رهيب، وهي التكلفة الكبيرة التي ستربحها جماعاتنا ومدننا كذلك، إذا ما تم تكليف مجازر متخصصة بهذه المناسبة الاجتماعية السنوية، في ظل شح التساقطات المطرية وضعف شبكة الصرف الصحي.