مخاض تشكيل حكومة عبد الله إبراهيم(15)

تيل كيل عربي

بعد أن اشتدت الخلافات بين القصر والاستقلال رأى محمد الخامس وولي عهده الأمير مولاي الحسن في عبدالله إبراهيم رجلا مناسبا لتشكيل حكومة جديدة، ولكن الأمر لن يكون سهلا بالنسبة للقيادي المراكشي.

اشتغل عبد الله ابراهيم في ظل أجواء متوترة داخل البلد وفي ظل خلافات متزايدة داخل حزب الاستقلال. وقد أراد محمد الخامس الاستجابة لمطالب الاستقلال وشكل حكومة ثالثة عهد برئاستها إلى أحمد بلافريج. هي الحكومة التي رفض عبدالله إبراهيم الانضمام إليها.

(...) "في تلك الفترة كان عبدالله إبراهيم وزوجته فاطمة قد فقدا طفلهما الأول، سعد, الذي توفي ولم يتجاوز عمره 8 أشهر.

وجاء محمد الخامس الذي كان يحب عبدالله كثيرا لزيارة الأسرة وتعرض للمضايقة من طرف حارس البيت الذي لم يتعرف عليه.

حاول الملك الراحل مواساة فاطمة وقال لها: كفكفي دموعك سيكون لك أطفال آخرون .. ولكننا في حاجة الى زوجك". (...)

"حول ما جرى في تلك الحقبة يقول أبوبكر القادري إن بعض التطورات التي حدثت أكدت أن عبدالله إبراهيم لم يكن راضيا على تدبير اللجنة التنفيدية لحزب الاستقلال.. وسيكتفي الرجل فيما بعد بتمثيل صوت النقابيين والمقاومين المتطلعين إلى مراكزة قيادية داخل الحزب، دون أن يأخد بعين الاعتبار مركزهم الوطني ولا حتى أقدميتهم في العمل الوطني أو دورهم في الكفاح من أجل الاستقلال".

باختصار كان الانشقاق يلوح في الأفق وستمر عدة أشهر قبل أن يحدث على الأرض (...).

اشتد التوتر بين القصر والاستقلال وقد حاول محمد الخامس اللعب على التناقضات الداخلية للحزب. وبعد مفاوضات ومباحثات ونقاشات طويلة، رأى محمد الخامس في عبدالله إبراهيم " شخصا حكيما، محترما لن يقوم، حسب ظنه، بشيء يضر بالملكية..رجلا متزنا لن يعمل على قلب كل شيء.

وكان كذلك منفتحا على المستقبل والحداثة دون تسرع، وكان أكثر من هذا يعطي الانطباع بكونه يفضل المعاركة الفكرية على المواجهات السياسية.

وهذا ما كان يعتقده الأمير مولاي الحسن كذلك مع نظرة لا تخلو من الدونية. إذن بدا ولي العهد موافقا على رأي أبيه وسيبعث في طلب عبدالله إبراهيم الذي سيتردد في أول الأمر. فهو معروف بكونه زاهدا في المناصب،  ولم يكن يؤمن بفضائل المراحل الانتقالية.

إن تعيين هذا الرجل على رأس الحكومة، وفضلا عن كونه سيعمق الخلافات الداخلية للاستقلال، سيسمح بإقبار فكرة المجلس الوطني الاستشاري، خصوصا في تلك الفترة التي كانت فيها الملكية في وضع دفاعي.  كما قد يساهم هذا التعيين في خلق خصم محتمل للمهدي بن بركة الذي كان يعتبره الأمير مولاي الحسن عدوه الأساسي (...).

سينخرط عبدالله إبراهيم لوحده في المفاوضات لتشكيل حكومته في سياق مليء بالالتباسات التي لم يكن يستخف بها بلا شك. فهو لم يكن فقط زعيما للحزب بل لم يحصل كذلك على موافقته الصريحة.

بالتالي سيسعى الى تشكيل حكومة بدون لون سياسي وفقا لرغبات الملك، مع تأكده من دعم الجماهير الشعبية والجناح اليساري بالاستقلال، لتعيينه ولمشاريعه.