يصر المخرج الشاب السينغالي مامادو ديا على السير مرتفقا بسيدة ستينية، ترتدي زيا تقليديا إفريقيا زاهيا بالألوان، وكأنه ابن بار يحرص أمه، وليس مخرجا يرافق ممثلته الرئيسية وهو يجول بين المهرجانات بأول أفلامه الطويلة، "والد نافع".
خطف الفيلم السينغالي المتنافس على جوائز مهرجان مراكش الأضواء، لتطرقه لقضية صراع ديني بين شقيقين واحد متطرف والثاني إمام معتدل في مجتمع من غرب إفريقيا المسلمة، ربما كانت مفاجأة اختيار الموضوع، أو لربما لعدم انتشاره في الإعلام أحد أسباب "الاندهاش".
يقول المخرج السينغالي مامادو ديا إن الفكرة الرئيسية للفيلم لا تقتصر فقط على موضوع التطرف في الإسلام فقط، لأن الحكاية وإن كانت تدور في إحدى قرى الشمال السينغالي، المتاخمة للحدود الموريتانية، إلا أنها قضية تنامي الفكر المتطرف منتشرة في العالم الغربي أيضا.
ويقول ديا في لقاء مع "تيلكيل عربي"، "إن فشل السياسيين في السينغال، يؤدي إلى وجود فراغ، وهذا الفراغ في التسيير والتدبير وإيجاد حلول لمشاكل الناس، يستغله المتطرفون والأصوليون والشعبويون المدعومون بقوة المال، ليكونوا بديلا في التدبير والسيطرة على الناس".
يرى الشاب السينغالي أن دور السينما يبقى استشرافيا، أن ينبه ويرصد الظواهر قبل أن تتحول إلى آفات، وفي السينغال، بدأت تتغير أمور كثيرة.
يقول "لقد اشتغلت مراسلا صحافيا في وقت سابق مع وكالات عالمية، أو تدري أن أغلب القصص المطلوبة عن إفريقيا تتسم بالسلبية، إنها قصص حروب ومجاعات وأوبئة، من الصعب جدا أن تروج لقصص إيجابية".
تجربة ديا في مجال التصوير الصحافي ساعدته تقنيا، خاصة من حيث الإضاءة، ففي قرية نائية عل ضفف نهر يشكل حدودا برية بين السينغال وموريتانيا، وببساطته في التصوير والإخراج يعطي قراءة سينمائية وفكرية رائعة للصراع بين الإسلام المعتدل المساير للعصر والإسلام المتطرف السلفي الدي يعتمد على الأموال والسلاح المجهولة المصدر ويتجسد كل منهما في صراع أخوين أحدهما إمام والآخر متطرف داعشي يريد السيطرة على المسجد والقرية لتحويلها إلى إمارة .
يقول ديا:" في هذه القرية حيث ولدت قبل أن أهاجر إلى نيويورك من أجل الدراسة، يتسم الزمن بالبطء، هنا لا شيء يذكر، و"لا حدث" هو البطل، إن رمزية التصوير، والاعتماد على الصمت الطويل، لنقل رتابة الحياة"، يفسره ديا بكون المجتمع السينغالي يسير كالنهر بإيقاع بطيء وهادئ، ويقول "في قريتي، عندما تقرر العائلة الحسم في قرار مصيري، فإنهم يجتمعون ويتداولون الأمور بهدوء كبير، هذا التأني والتفكير قبل الكلام، محفز على الحكمة، لأننا اليوم أحوج إلى الاستماع والإنصات والاستيعاب، هذه الخصلة في منح الأشياء وقتها الكافي، صارت مهددة في مجتمعاتنا".
هل ساعد العمل الصحافي وتأثره بالآنية في توجهه إلى السينما، أم أنه أتى فارا لاجئا إلى الفن السابع، حالما بامتطاء صهوة المخيال لتصريف الرقابة وبحثا عن حرية تعبير أكبر؟ يجيب ديا بالابتسامة والقول، "أعتقد أن العمل الصحافي يتجسد بالاكتفاء بالأحداث والوقائع، سردها ترتيبها، دون تعليق، أما في السينما، فلك كامل الحرية الإبداعية".