تجددت، عصر اليوم (الجمعة)، المواجهات في محيط ملعب كرة القدم المقابل للمحطة الطرقية بأولاد زيان، الذي يتخذه مهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء، مخيما لهم، ومازالت فرق من القوة العمومية، إلى غاية الآن (17h30)، مرابضة بعين المكان من أجل احتواء الوضع، واستتباب الأمن بالمنطقة، التي شهدت أحداثا مماثلة ليلة الجمعة 24 نونبر الماضي.
مواجهات جديدة
عاين "تيلكيل – عربي"، بمسرح الأحداث، استقدام تعزيزات أمنية كبيرة، لاحتواء أحداث العنف، التي اتخذت شكل مواجهات تم فيها تبادل الضرب بالحجارة، وأطرافها القوات العمومية، والمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، وبعض سكان درب الكبير، الذين لم يتردد بعض منهم في استئناف تبادل العنف مع المهاجرين.
بعض الحاضرين بالموقع، قالوا لـ"تيلكيل – عربي"، إن سبب الحادثة يعود إلى محاولة السلطات ترحيل المهاجرين، إذ بمجرد أن أوقفت عناصر أمنية اثنين من المهاجرين، هب بقية المهاجرين لنجدتهما، ليختلط الحابل بالنابل، وتبدأ أعمال العنف، التي لم يتردد بعض شباب حي درب الكبير في الانضمام إليها.
وبعد احتواء الوضع، لاحظ "تيلكيل - عربي"، استمرار التوتر، وعاين تدخل عناصر أمنية، تراقب المكان منذ الأحداث العنيفة لليلة الجمعة 24 نونبر الماضي، لفض نزاع بين المهاجرين، فجرته فوضى وتدافع لتسلم مساعدات غذائية، جاء بها أحد المحسنين.
بعض مظاهر مواجهات اليوم، وثقها "فيديو"، أورده موقع جريدة "الأحداث المغربية" على قناته في "يوتوب".
تطويق أمني غير مسبوق
وردت أنباء، صباح اليوم (الجمعة)، بأن السلطات ترحل تدريجيا بعض المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، الذين يستقرون في ملعب لكرة القدم قرب محطة أولاد زيان بالدار البيضاء، ولما استقصى "تيلكيل – عربي"، صباح اليوم، في عين المكان، كذبت عناصر في القوات العمومية الخبر، في حين أكده شاب من مالي.
ووقف "تيلكيل عربي"، أمام المخيم الذي نصبه المهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء بجوار محطة "ولاد زيان"، ساعات قليلة قبل اندلاع المواجهات، على حراسة أمنية متواصلة للموقع، منذ ليلة أحداث العنف، وتتمثل في خمس سيارات شرطة، متفرقة على زوايا المخيم، إضافة إلى دوريات من رجال شرطة وقوات مساعدة، لا يتوقفون عن الذهاب والمجيء.
وعندما تسأل المارة، وباعة متجولين أمام المحطة، عما يجري هنا، يجمعون على جواب واحد "لا نعلم شيئا، وهكذا ألفنا المشهد منذ تلك الليلة"، أما إعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، أو نقلهم من المكان، خصوصا بعد العراك الذي نشب بينهم وبين المواطنين المغاربة في الأيام الماضية، فهم غير متيقنون منه.
بعض عناصر الشرطة والقوات المساعدة، المرابطين أمام المخيم، بدورهم أكدوا "ألا تعليمات بالترحيل صدرت لحدود الساعة"، مضيفين، أنهم هنا "من أجل الحراسة واستتباب الأمن في المكان".
أحد مراقبي السيارات بجوار المحطة، أضاف أن المهاجرين، أصبحوا "أقل اندفاعا بعد الأحداث الماضية"، مؤكدا أن حضور رجال الأمن، "جعل المهاجرين، يخرجون في الصباح الباكر من أجل التسول في مجموعات بعيدا عن المحطة".
أما في الليل، يقول المتحدث ذاته، "يبدو ملعب كرة القدم المصغرة الذي يستقر به المهاجرون كخلية نحل لا تكل ولا تمل، تنبعث منها روائح السمك المقلي، وبعض نكهات البلدان الأصلية، إضافة إلى رائحة الحشيش، الذي يدخنه بعضهم، على غرار كثير من الفئات الهشة بالمغرب".
أشغال البناء لمنع التجمع
في المنطقة التي شهدت مواجهات بين سكان محليين، ومهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، ينتبه الزائر إلى وجود أشغال بناء وتهيئة في الموقع الذي شهد المناوشات، مع تسييج تام للأوراش، مما يحول دون ولوجها من قبل الغرباء.
ساحة الوغى التي عرفت تراشقا بالأحجار وإضرام النار، بدت هادئة، هذه المرة، من غير صوت الرافعات والجرارات، التي يهز دويها المكان، مع طقطقات الفؤوس التي تحفر مناطق الحديقة كاملة بشكل شبه عشوائي، جعل الجلوس فيها مستحيلا.
بالاقتراب من بعض المحلات التجارية في الحي، والسؤال عن فحوى هذه الأشغال، أجاب بقال بأنها "من أجل تشييد حديقة وإصلاح مخلفات المواجهات الماضية"، علاوة على "الأضرار التي لحقت العشب والأزهار بسبب اتخاذ كثير من الأشخاص بدون مأوى، وبينهم المهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء، الحديقة وأشجارها، فضاء لأنشطة الطبخ وغسل الملابس ونشرها، وقضاء الحاجة الطبيعية".
سائق "طاكسي"، يشتغل بشكل مكثف بين أولاد زيان ومختلف مناطق البيضاء، أكد أن "أشغال البناء حدت ولو بشكل طفيف من مجيء المزيد من الأشخاص بدون مأوى، والمهاجرين الذين يعيشون متشردين"، لكنه لم يستبعد احتمال نشوء أحداث عنف وتحرش، في أي وقت، لأن "محيط المحطة مليء بالنشالين، والمتشردين، والمتسولين المغاربة والأجانب، ما يفتح الباب أمام وقوع شجارات بينهم".
أحد المارين أمام وكالة بنكية، بالحي، يقول عن علاقة السكان بالمهاجرين الذين يتقاطرون نحو مرافق الحي، إن "الناس هنا رحبوا بهم، ففي كل جمعة يمنحونهم أطباق الكسكس، والملابس، لكن بعض مواقف سوء التفاهم، رأى فيها البعض أن الأجانب بغاو إطغاو، فكان رد الفعل عنيفا، ما أدى إلى نشوب أحداث العنف".
الأجواء داخل المخيم
محاولة التواصل مع سكان المخيم، وطلب الإذن للدخول، انتهت بالرفض، إذ بمجرد الاقتراب من بوابة الملعب، يواجهك مهاجران، يؤديان دور الحراسة، بسؤال، "من أنت؟"، ثم ينهيان المحادثة بحزم "ممنوع الدخول على الغرباء"، ولو من أجل المعاينة. لقد كان الصد صارما وحازما.
في لقاء مع مهاجر يتحدر من مالي، قال بحذر "إن أخبارا عن زيارة ملكية متوقعة، تروج داخل المخيم، ما عجل بتصريف العشرات من المهاجرين نحو بلدات ومدن مجاورة أو بعيدة عن الدار البيضاء، لتقليص العدد الهائل من المهاجرين داخل المخيم".
المهاجر الذي رفض الإدلاء باسمه، أكد أنه "يستحيل عد المهاجرين الذي ينامون داخل المخيم، مسجلا أن العدد يتراوح ما بين 100 و200 مهاجر من مختلف الأعمار والجنسيات التي قد تخطر على البال".
اتهامات السكان للمهاجرين، علق عليها المهاجر المالي، بنوع من الاستهزاء، قائلا، إن "المغاربة شعب غريب، يحب الاتهامات الفارغة، فالاستفزازات متبادلة، إضافة إلى أن داخل المخيم يوجد أناس مثقفون، فقيادة المخيم انتخبت بشكل نزيه، وأغلبها تتوفر على شواهد عليا، ومؤطرة سياسيا".
في موقع قريب من الملعب، توجد طاولة مهترئة خصصها شاب من مالي، يبدو في منتصف عقده الثاني، لبيع الأكلات السريعة، فأفصح "أنه حامل لشهادة الماستر في الدراسات الإنجليزية، من إحدى الجامعات المالية"، ولا يرغب سوى "في الرحيل عن المغرب، صوب إحدى بلدان أوروبا، لضمان فرصة عمل جيدة"، مؤكدا "ألا رغبة له في المشاكل، فنحن أبناء إرث باتريس لومومبا جميعا، نحب السلم ما استطعنا إليه سبيلا".