أثار لجوء المغرب إلى السوق المالي الدولي، حيث طرح سندات بمليار يورو، بسعر فائدة غير مسبوق في تاريخ المغرب، تخوفات من ارتفاع حجم المديونية الخارجية. تخوفات تراها مديرية الخزينة والمالية الخارجية غير مبررة بالنظر للتدبير النشط للمديونية، معتبرة أن المديونية لا محيد عنها من أجل تمويل العجز وتوفير العملة الصعبة. ذلك ما تؤكد عليه مديرة الخزينة فوزية زعبول وحسن الدز المدير العام بالنيابة المكلف بقطب الدين وحكيم الجواهري مدير قسم السوق المالي الدولي وتدبير المخاطر في هذا الحوار.
يعود المغرب للسوق المالي الدولي، حيث أصدر سندات بمليار يورو في الفترة الأخيرة، بعدما كان الاقتراض على مدى الخمسة أعوام الأخيرة، يأتي، بشكل خاص، من السوق الداخلي عبر سندات الخزينة. هل يؤشر هذا على تغير في استراتيجية الاقتراض؟
لا يتعلق الأمر بتغيير في الاستراتيجية. فاقتصادنا، كما تعلمون، كان دائما في حاجة، بعيدا عن الدين، للتوفر على موجودات من العملة الصعبة. لقد دأبنا، دائما، على تعبئة الدين الخارجي والدين الداخلي، حيث نحصل على الدين الداخلي عبر سوق المناقصات في سوق السندات، والدين الخارجي بالتوجه لشركائنا، حيث نحصل على قروض من العديد من البنوك مثل البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية؛ ما يعني أن السعي للحصول على العملة الصعبة ليس أمرا جديدا. غير أن الجديد، نسبيا اليوم، هو أننا لم نلجأ إلى السوق المالي الدولي منذ 2014.
لماذا العودة هذه المرة للسوق المالي الدولي؟
هناك عدة أسباب، أولاها يتمثل في إعادة ربط الاتصال بالسوق، الذي لا يجب الغياب عنه كثيرا، حيث أن المستثمرين هم في حاجة للتعرف على اقتصادنا، خاصة أن هناك من المستثمرين من توجد ديون في ذمة المغرب تجاههم. صحيح أننا نتواصل معهم ونستقبلهم، غير أنه كان يتوجب الذهاب إليهم من أجل تقديم وتفسير التطورات التي يعرفها اقتصادنا.
ويكمن السبب الثاني في وجود مستحقات برسم الفوائد وديون سابقة Tombées، يتوجب تجديدها، ما يقتضي الذهاب إلى السوق الدولي.
ويتجلى السبب الثالث في انتهاز لحظة سانحة للتعريف بالمغرب. فهناك التصنيف الذي نحصل عليه من وكالات التصنيف الائتماني منذ أحد عشر عاما، و لدينا استقرار سياسي، يطمئن المستثمرين، كما لدينا العديد من الإصلاحات التي أنجزناها.
ويكمن السبب الرابع في ما يوفره السوق المالي الدولي من شروط جيدة أردنا الاستفادة منها.
ويجب أن نشير إلى أنه عند بلورة مشروع قانون المالية، جرى تحديد حاجيات التمويل الداخلية والخارجية. وحدد التمويل الخارجي في 27 مليار درهم في العام الحالي، وهو مبلغ لا يمكن تعبئته مرة واحدة، هكذا تمكنا إلى غاية نهاية شتنبر من تعبئة مليار يورو من مانحين، فالأمر يتعلق بتوزيع على مدى عام، حيث يجب تدبير حاجيات الخزينة.
لماذا أصدرتم سندات باليورو وليس بالدولار؟
في كل عام نحدد استراتيجية لتمويل حاجيات الخزينة. هناك العجز وهناك مستحقات الدين التي يجب الوفاء بها. وتجري بلورة هذه الاستراتيجية تبعا لمحفظة الدين الخارجي، المشكلة بطريقة تجعلها مرتبطة بالعملة المغربية من أجل تدبير مخاطر الصرف.
كان يمكننا إصدار سندات بالدولار، غير أننا اخترنا اليورو، لأن شروط السوق جد مغرية، كما أننا أردنا تسجيل نقطة في منحنى اليورو، وإذا أردنا الخروج إلى السوق أو رغبت مؤسسة أخرى في إصدار سندات، ستكون اليوم مدعمة بمرجعية لمدة 12 عاما.
لقد كانت شروط السوق مهمة، ولو لم تكن كذلك لاخترنا الدولار. لا نستدين كيفما اتفق، فهناك وضعية الاقتصاد الوطني ووضعية السوق الدولي.
كيف تفسرون مساهمة وضعية السوق في تحديد معدل الفائدة في 1,5 في المائة، بعدما كانت في حدود 3,5 في المائة في اقتراض 2014، حيث توقع مراقبون أن تكون منخفضة حتى قبل الخروج، ما دفعهم إلى الحديث عن خروج على الطريقة الفرنسية على اعتبار أن ذلك البلد أصدر سندات بعشرة مليار يورو بمعدل فائدة سالبة؟
السوق هو الذي يحدد معدل الفائدة، غير أن ما يجب التركيز عليه في هذا الإصدار هو هامش المخاطر Spread الذي حصلنا عليه، والذي يعكس قيمة اقتصاد أي بلد ودرجة ثقة المستثمرين. لقد ناهر هامش المخاطر 139,7 نقطة أساس. هذا جد مهم.
يجب أن نشير إلى أن معدل الفائدة رهين بتصنيف البلد، فالتصنيف الائتماني لبلدان مثل فرنسا يأتي في المراتب الأولى، وتلك بلدان تصدر سندات بمعدلات جد ضعيفة، بينما المغرب بلد صاعد، يجب مقارنته ببلدان مماثلة، حيث يتجلى أن الفارق معها جد كبير.
هناك بلدان مثل ألمانيا والنمسا وفيلندا وبلجيكا وفرنسا، تقترض بمعدلات سالبة بناقص 0,1 و0,2 في المائة لمدة عشرة أعوام، وهناك بلدان تقترض لمدة عشرة أعوام بمعدلات إيجابية مثل سلوفاكيا وإيرلندا وسلوفينيا والبرتغال وبولونيا وإسبانيا. فبلد مثل إيطاليا تقترض بمعدل فائدة في حدود 1,250 في المائة لمدة عشرة أعوام.
ماذا يعني النقطة التي حصل عليها المغرب على مستوى تقييم هامش المخاطر؟
يعكس هامش المخاطر درجة ثقة المستثمرين في آفاق الاقتصاد. لا نتعاطى مع السوق المالي بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع بنك دولي للتنمية. فالبنوك تعرف اقتصاد البلد، وتدعم مشاريع فيه. إنها مؤسسات مهمتها الإقراض ومنظمة لمواجهة المخاطر، بينما في السوق المالي نوجد بإزاء مستثمرين أكثر حذرا من البنوك الدولية للتنمية، لأنهم لا يتوفرون على نفس الوسائل من أجل التعاطي مع المخاطر. في 2014، ناهر هامش المخاطر 250 نقطة أساس، لأن اقتصادنا في تلك الفترة لم يكن يتوفر على نفس المميزات والقدرة على المقاومة، مقارنة بالحاصل اليوم.
وهذا ما يفسر أهمية اللجوء إلى السوق المالي الدولي، حيث كان فرصة للتعريف بالتطورات التي عرفها اقتصادها. فقد وجب أن نشير، أولا، إلى العامل الذي لم يتغير ، والذي يكمن في الاستقرار السياسي، غير أننا أضفنا إليه، ثانيا، الاستقرار الماكرو اقتصادي. فقبل خمسة أعوام، كنا بصدد تقليص العجز الموازنى بعد المستوى الذي بلغه في 2012، ما لم يكن يثير كفاية ثقة المستثمرين، وطرحت تساؤلات حول ما كنا سننجح في ما نحن منكبون عليه من خفض للعجز، وقد سادت نفس المقاربة بالنسبة لعجز الحساب الجاري فيما يتصل برصيد النقد الأجنبي. وقد استطعنا تجاوز ذلك الوضع وحصلت نوع من التهدئة اعتبارا من العام الماضي، ما دفع إلى القول بأنه حان الوقت للذهاب إلى السوق الدولي، حيث وصلنا إلى عجز أكثر استقرار نسبيا.
وهناك عامل ثالث، يتمثل في آفاق الاقتصاد الوطني، التي يقرأها المستثمرون بالاستناد على الإصلاحات التي انخرطنا فيها وتلك التي تعلن عنها الحكومة. وثمة عامل رابع، له علاقة بحصول المغرب على خط الوقاية والسيولة الذي أبرمه المغرب مع صندوق النقد الدولي، الذي يشكل نوعا من التأمين، كما هناك التقارير التي ينجزها الصندوق في إطار الفصل الرابع. فخط الوقاية والسيولة يدل على أن الصندوق يثق في آفاق الاقتصاد المغربي، إنه ضمانة ضمنية يوفرها لنا.
ماهي العوامل الأخرى التي تثير انشغال المستثمرين الذين توجهتم إليهم خلال الحملة الترويجية في سياق السعي لإصدار سندات دولية؟
لقد كانت أفضل حملة ترويجية حدثت منذ بداية لجوء المغرب للسوق المالي. لقد جرى تقييمنا ضمن سياق، لا أتذكر عدد المرات التي تلقينا فيها عبارات التهنئة خلال الحملة، حيث كانوا يشيدون بما أنجزناه، وهم كانوا يدركون أننا نعي ما نقوم به وندرك طبيعة الثغرات و الصعوبات التي يجب التعاطي معها، كما أنهم كانوا يعلمون أن المغرب يشكل واحة استقرار في المحيط الذي يوجد به.
ما هي الإصلاحات التي تساءل حولها المستثمرون؟ هل طرحوا أسئلة حول الإصلاح الجبائي؟
بطبيعة الحال، وعموما هدفوا من وراء أسئلتهم إلى الوقوف على مدى وجود مخاطر، تساءلوا حول تطور الإطار الماكرواقتصادي، لم يطرحوا تساؤلات مباشرة حول المقاصة، لكنهم استحسنوا لجوءنا إلى التأمين على استهلاك النصف الثاني من العام من الغاز، هم يقولون أن هؤلاء الناس يعرفون كيفية تدبير الأمور. وقد طرحوا جميع الأسئلة حول المواضيع التي يمكن أن تطرح بعض المخاطر، من وجهة نظرهم، مثل تلك التي تهم سعر البترول وسعر الغاز وتداعيات انخفاض النمو في منطقة اليورو على المغرب، والطاقات المتجددة. يطرحون هذا النوع من الأسئلة من أجل معرفة مدى توفر رؤية لدينا وكيفية التعاطي مع القضايا المطروحة. وهم كانوا سعداء عندما تحدثنا عن الإصلاحات، لأن ذلك يقلل المخاطر ويؤشر على قدرتنا على الوفاء بما في ذمتنا تجاههم في المستقبل، فهم مهتمون بالسياسات التي نقوم بها، مثل تلك التي تهم الجانب الاجتماعي، حيث تحدثنا عن المرحلة الثالثة من التنمية البشرية والسجل الموحد واستهداف الفئات الفقيرة. ونحن عندما نتوجه إلى المستثمرين، نجتمع مع كل واحد منهم لمدة ساعة، لكن قبل ذلك، نقدم وثائق مصادق عليها من قبل مكاتب محاماة.
كيف تحددون جنسيات المستثمرين الذي شاركوا في عملية الإصدار؟
عندما يكون صندوق استثمار له مقر رئيسي بلندن، فإن ذلك لا يعني أنه يدبر أموالا إنجليزية فقط، فقد يكون مدبرا لأموال أمريكية وخليجية أو آسيوية. وقد جاء أولئك الذين اكتتبوا واحتفظ بهم من أجل المليار يورو من بريطانيا وإيرلندا بنسبة 32 في المائة، وألمانيا بنسبة 17 في المائة والولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 18 في المائة، وفرنسا والبنيلوكيس بنسبة 9 في المائة، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 4 في المائة وآسيا بنسبة 3 في المائة وسويسرا بنسبة 3 في المائة. لقد حصلنا على مستثمرين من عدة بلدان، مثل الصين وسانغافورة وهونغ كونغ والشيلي وسلوفينيا. تلك محفظة لم يسبق لنا أن حصلنا عليها، ما يؤشر على الاهتمام والثقة في الاقتصاد المغربي.
لماذا لم يتم تجاوز المليار يورو بالنظر لشروط السوق التي تعتبرون أنها كانت مواتية والإقبال الكبير من قبل المستثمرين على الطرح المغربي؟
العرض من قبل المستثمرين، كان في حدود 5,3 مليار دولار، ولم نحصل سوى على مليار يورو من مستثمرين يمثلون، بشكل خاص، صناديق تقاعد وشركات تأمين، غير أن العرض كان أكثر أهمية، وكان يمكننا على أن نحصل على أكثر. لقد كان يمكننا أن نعبىء الدين لدى بنوكنا بسهولة، غير أن الفكرة هو تسجيل نقطة على مستوى المنحنى، وخلق مرجع. لقد قصدنا تقليص المبلغ من أجل معدل الفائدة والنقطة الخاصة بهامش المخاطر، فلو أردنا تعبئة 5 ملايير يورو، لكان ذلك بمعدل فائدة في حدود 2 في المائة. هذا ما يدفعنا إلى التأكيد على أننا أردنا ترسيخ مرجعية، وهذا سينفعنا إذا ما أردنا، مثلا، إصدار سندات لمدة 20 عاما. كما يمكن لبنك مغربي أو مقاولة مغربية في حال الرغبة في الخروج إلى السوق المالي الدولي، الدفع بأن السندات السيادية صدرت لمدة 12 عاما بمعدل فائدة في حدود 1,5 في المائة، سيرتفع هامش المخاطر، لكنه لن يكون كبيرا. نحن لم نذهب من أجل الحصول على العملة الصعبة، فقد كان يمكن أن نقوم بذلك بطريقة أخرى.
بالنظر لما سبق، هل سيتم الخروج إلى السوق الدولية العام المقبل من أجل إصدار سندات؟
لم لا؟ لدينا حاجة لتمويل العجز الموازني، وهو الأمر الذي يتم تبعا لشروط السوق الداخلي أو الخارجي. الحمد لله، يعتبر السوق الداخلي الممول الرئيسي، وهذا نوضحه للمستثمرين، الذين يعترفون بأن لدينا سوقا داخليا مهما، غير أن هناك حاجة للعملة الصعبة، التي نتعاطى معها بطرق عدة، من بينها التمويل لدى شركائنا أو السوق المالي. ويمكننا البناء على ما تحقق، إذا ظلت شروط السوق جيدة، حيث يمكننا العودة في العام المقبل.
هل يحرر اللجوء السوق المالي الدولي السيولة لفائدة القطاع الخاص، على اعتبار أن الاقتراض من السوق الدولية يرى فيه مستثمرون وفاعلون في القطاع الخاص يشكل عامل إزاحة بالنسبة لهم؟
عامل الإزاحة قابل للقياس، ونحن نؤكد أن لجوء مديرية الخزينة إلى السوق الداخلية لا يشكل عامل إزاحة للقطاع الخاص، حيث أن معدلات الفائدة لم ترتفع. فعندما نحدد استراتيجية للتمويل، نأخذ بعين الاعتبار مجموع العوامل. ويعود لمديرية الخزينة تحديد مستوى العجز القابل للتمويل دون أن يفضي ذلك إلى ارتفاع معدل التضخم دون خلق عامل إزاحة. وعلى هذا الأساس، يتخذ القرار. ونحن نراقب السوق بطريقة دائمة، حيث أن معدلات الفائدة لم ترتفع. ما فائدة الاقتراض من السوق الدولية؟ إنه مقابل للسيولة جد مهم. والعملة الصعبة هي أحد مصادر السيولة.
ما هي النفقات التي سيمولها هذا الاقتراض؟
لن يوجه المليار يورو لمشروع بعينه. لدينا حاجة لتمويل عجز الموازنة عبر الدين الداخلي والدين الخارجي. ويجب أن نشير إلى أن الاقتراض لا يمول سوى الاستثمار في شموليته، علما أن القانون التنظيمي للمالية يمنع تمويل نفقات تسيير الإدارة عبر الدين. فقوانين المالية يجب أن تخلف رصيدا إيجابيا بين الإيرادات العادية ناقص نفقات التسيير، بعد ذلك يخصص القرض لتمويل نفقات الاستثمار في شموليتها.
لا تخفى عليكم التخوفات التي يعبر عنها من العودة للاستدانة من الخارج بقوة، بما له تأثير على حجم تلك المديونية. هل تلك التخوفات مبررة؟
الدين الخارجي ليس كبيرا، فهو يمثل 20 في المائة من محفظة ديون الخزينة، ويشكل 14 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وإذا أضفنا دين المؤسسات العمومية ترتفع تلك النسبة إلى 30 في المائة. إنها نسب ليست مهمة كثيرا، على اعتبار أنها كانت تجاوزت 100 في المائة في سنوات الثمانينات من القرن الماضي.
المديونية الخارجية ليست عائقا بالنسبة للاقتصاد، لأن وزنها ليس جد مهم في محفظة الدين، فهي لا تطرح مشاكل على مستوى ميزان الأداءات في ما يتصل بخدمة الدين أو على مستوى الموازنة في ما يتعلق بخدمة الدين وتحملات الفوائد.
لقد كانت المديونية دائما طابوها، بالنظر لما عشناه في سنوات الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، غير أنه يجب أن نعلم أننا انخرطنا في تدبير نشط للمديونية الخارجية من أجل تقليص وزنها، حتى لا نتعرض للمخاطر المرتبطة بالتمويل الخارجي، هذا ما أفضى إلى تطوير السوق الداخلي.
من جهة أخرى، يجب النظر إلى المديونية الخارجية، من حيث بنيتها، حيث لدينا مديونية طويلة الأمد على 25 عاما و30 عاما، بكلفة تصل في المتوسط إلى 2,6 في المائة، وهي كلفة جد ضعيفة، كما أن بنيتها من حيث العملات قريبة من بنية سلة عملات الدرهم المغربي، ونؤكد أن جميع المخاطر المالية متحكم فيها.
ويجب أن ندرك أنه لا محيد عن الدين الخارجي، فنحن في حاجة إليه ما دمنا بلدا منفتحا على الخارج، وما دمنا في حاجة لتمويل العجز الجاري. لكن ما يجب التركيز عليه عند تقييم الدين هو تدبيره، فكل وزير مالية يأتي يسأل حول ذلك الموضوع. وأقول له إن المديونية بين أياد أمينة. ونحن لدينا فريق من الأطر الكفؤة بمديرية الخزينة والمالية الخارجية، ينكب فقط على مراقبة تطور الدين الخارجي.
فعندما نأخذ الدين بسعر فائدة متغير، نقوم بمراقبة دائمة له، بل إننا نراقب الاتجاه العام لتطور الفائدة، عندما نلاحظ انخفاضا لسعر الفائدة نستفيد منه، وعندما يتجلى لنا بأن ثمة خطرا مرتبطا بارتفاع معدلها، نلجأ إلى عمليات المبادلة Swaps، حيث ننتقل من سعر فائدة متغير إلى سعر فائدة ثابت.
وقد عالجنا في إطار عمليات المبادلة منذ بداية تلك العملية، من أجل تفادي المخاطر المرتبطة بالصرف والفوائد، حوالي 4 ملايير دولار. هذا عمل نقوم به يوميا.
لسنا في وضعية الثمانينات من القرن الماضي، حين انتقل معدل الفائدة المتغير من 1 إلى 18 في المائة، واليوم نراقب السوق حيث نحول سعر الفائدة من متغير إلى ثابت كلما دعت الضرورة لذلك.
ويجب أن ندرك أنه من أجل تعبئة الدين الخارجي، نحدد مبلغا كل عام، الذي يصوت عليه البرلمان بعد اقتراح من وزير المالية عبر مشروع قانون المالية. نحن نحدد سقفا للدين، ونبرره، وبعد تعبئته يقوم فريق مكون من أربعين إطارا في مديرية الخزينة والمالية الدولية بتدبير الدين الخارجي. ويجب على وزارة الاقتصاد والمالية أن تكون فخورة بمستوى الأطر التي تقوم بذلك العمل.
هل هذا النوع من الاقتراض يطرح إكراهات على مستوى تدبير الميزانية، كأن يفضي إلى تقليص بعض النفقات ذات البعد الاجتماعي التي ينظر على أنها قد تساهم في توسيع العجز؟
نسعى إلى تمويل عجز الموازنة، وعندما نعبىء الدين الخارجي لا نقول إنه لا يجب الإمعان تمويل النفقات الاجتماعية مثلا. ويجب أن نعلم أنه قبل اقتراح نسبة للعجز تنجز دراسات قبلية من قبل وزارة الاقتصاد والمالية، كي يتم التدليل على مستوى العجز الذي يمكن تحمله، بعد ذلك يبقى القرار للمستوى السياسي، فنحن نقوم على مستوى مديرية الخزينة والمالية الخارجية بإعداد القرار، حيث نشير إلى نطاق العجز الذي يمكن تمويله بدون أن يفضي ذلك إلى ارتفاع معدل التضخم أو خلق عامل إزاحة للاستثمار الخاص مثلا.
وعموما، لا يخضع الحصول على قروض من السوق المالي للمشروطية، حيث أن المستثمرين يعلمون أننا نعبؤه من أجل الاستثمار ويدركون أننا حاصلون على ترخيص من البرلمان من أجل الاقتراض. كما أن المشروطية ارتبطت بفترة التقويم الهيكلي، واليوم حتى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يوصيان بالإنفاق على القطاعات الاجتماعية.
عندما أثيرت مسألة الدين العمومي بلجنة المالية بمجلس المستشارين الذي وصل إلى حوالي 82 في المائة، غير أن وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة أكد على أن المعيار المعتمد كمرجع من قبل المؤسسات المالية هو دين الخزينة. هل من توضيحات حول هذا الموضوع؟
مشروع قانون المالية، كما يناقشه البرلمان، يتعلق بميزانية الدولة، فعندما نتحدث عن مديونية الدولة، فإن المقصود بها مديونية الخزينة، حيث تخرج مديونية الشركات العمومية مثلا عن إطار مشروع قانون مالية الدولة. هكذا فإن المديونية الشاملة غير مدرجة ضمن ذلك المشروع.
ما الذي نتحدث عنه عندما نسوق معدل 82 في المائة؟ حساب الدين يخضع لمعايير دولية، يجب تحديد نطاق Périmètre مديونية الخزينة التي تهم الدولة، وعندما نوسع النطاق نأخذ بعين الاعتبار الجماعات الترابية، والشركات العمومية ذات الطابع غير التجاري ومؤسسات الحماية الاجتماعية، أي قطاع الإدارات العمومية.
وعندما نتناول هذا القطاع، ننظر إلى مديونيته تجاه الخارج، بينما المديونية داخل نفس القطاع، مثل تلك الناجمة عن اكتتاب صندوق تقاعد في سندات الخزينة، لا تدرج ضمن الدين، لأنها أصول وخصوم في الوقت نفسه.
وعندما نقوم بعملية التوطيد Consolidation هاته على أساس حصيلة مختلف المؤسسات ذات الطابع الإداري، ونحذف الديون القائمة بينها، فإن مديونية الخزينة تنخفض من 65 إلى 52 في المائة. كل المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف تقوم بذلك العمل، ونحن قمن به، ونقوم به اليوم بدعم تقني من قبل صندوق النقد الدولي. المشكل أنه عند نخرج أرقاما حول المديونية ونقول إنها بنسبة 82 في المائة، فإن ذلك يلحق الضرر بنا عند مقارنتنا ببلدان تقوم بحساب الدين على أساس مقاربة موطدة.
ما نريد التأكيد عليه هو أن هناك تدبير جيد للمديونية الخارجية التي تعتبر غير مرتفعة. ونحن في حاجة إليها لأننا نحتاج إلى العملة الصعبة، فنحن بلد نستورد، ولا يمكن تقليص صادرات البترول ومواد التجهيز. لا داعي للقلق، فهناك حرص كبير على حسن تدبير المديونية وعلى تمويل العجز ضمن شروط مفيدة للدولة والملزم. ويجب أن نعرف أن حتى البلدان التي يمنع دستورها العجز الموازني مثل سويسرا، فإنها تلجأ للاستدانة، لأن الدين أداة مالية تحتاجها السوق.