تفاعلا مع الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الـ 49 للمسيرة الخضراء، سجل مرصد العمل الحكومي في ورقة تحليلية حول الجالية المغربية بالخارج أن الأخيرة "تمثل قوة اقتصادية واجتماعية وثقافية مهمة، وجسرا حضاريا يربط المغرب بمختلف دول العالم".
وحسب الورقة التحليلية، "يبلغ عدد المغاربة المقيمين بالخارج المسجلين لدى شبكة قنصليات المملكة حوالي 5.1 ملايين، وتتميز بتركيبة ديموغرافية شابة تعكس حيوية ودينامية هذه الفئة، إذ يشكل الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و39 سنة، حوالي 60 في المائة من مغاربة العالم، بينما تقل نسبة الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 60 سنة عن 4 في المائة، وهذا التركيب السكاني يجعل الجالية المغربية قوة فاعلة قادرة على الإسهام في مختلف مجالات التنمية الوطنية وتعزيز الحضور المغربي على الساحة الدولية".
الإسثمار
ودعا المرصد في ورقته التحليلية التي توصل "تيلكيل عربي" بنسخة منها، إلى "اعتماد خطة وطنية واضحة لإدماج مغاربة العالم في النسيج الاستثماري الوطني، من خلال تحديد القطاعات ذات الأولوية مثل التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، الصناعة التحويلية، والفلاحة، وتوفير منصة رقمية شاملة تضم فرصا استثمارية محدثة ومهيكلة حسب المناطق والقطاعات الاقتصادية، مع تقديم معطيات دقيقة حول الجدوى الاقتصادية".
وأضاف المرصد أنه "رغم الارتفاع الملحوظ في قيمة تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، إلا أن توزيع هذه التحويلات واستغلالها يعاني من اختلالات كبيرة فيما يتعلق بخلق القيمة المضافة وتعزيز الاستثمار، فحسب المعطيات الرسمية، لا تتجاوز نسبة الأموال المخصصة للاستثمار 10% من مجموع هذه التحويلات، بينما يخصص 60% لدعم الأسر، و30% على شكل ادخار".
وأورد أن "تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج أحد المصادر الأساسية للموارد المالية في النظام البنكي المغربي، حيث تمثل حوالي 20% من الموارد التي تجمعها البنوك".
وذكر التقرير أن "التحويلات المالية للجالية المغربية المقيمة بالخارج أحد الدعائم الأساسية للاقتصاد الوطني، حيث تلعب دورا حيويا في تعزيز التوازن المالي للمملكة وتوفير مصدر رئيسي للعملة الصعبة، وقد شهدت هذه التحويلات تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، إذ ارتفعت من 60 مليار درهم في عام 2019 إلى 115.3 مليار درهم في عام 2023، مع توقعات ببلوغها 120 مليار درهم في عام 2024".
وطالب بـ"إنشاء صناديق تمويلية جديدة موجهة لمشاريع الجالية، تقدم قروضا ميسرة وضمانات تحفيزية للمستثمرين، مع إعادة هيكلة صندوق MAD Invest ليكون أكثر فعالية وانتشارا، وتفعيل منصات إلكترونية موحدة تمكن مغاربة العالم من إتمام الإجراءات الإدارية للاستثمار عن بعد، مع دعم خدمات الإرشاد والمتابعة المباشرة، وفتح مكاتب تمثيلية استثمارية في الدول التي تعرف كثافة عالية للجالية المغربية، لتقديم الإرشاد والمساعدة المباشرة في الاستثمار بالمغرب".
السياسة
وأكد المرصد على ضرورة "تخصيص مقاعد لممثلي الجالية في مؤسسات مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومؤسسات مكافحة الفساد، وتفعيل حق التصويت والترشح عبر تعزيز الآليات القانونية التي تضمن مشاركة الجالية في الانتخابات الوطنية، وتمكينهم من تمثيل مصالحهم بشكل مباشر داخل البرلمان".
الخدمات القنصلية
وأشار المرصد إلى أهمية "فتح قنصليات جديدة في المناطق التي تعرف كثافة سكانية عالية للجالية المغربية، خاصة في الدول ذات المساحات الجغرافية الشاسعة، وإنشاء منصة رقمية موحدة تتيح الحصول على الوثائق الرسمية والخدمات القنصلية عن بعد".
ونبه إلى ضرورة "تحسين تكوين العاملين في القنصليات للتعامل مع مختلف احتياجات الجالية بفعالية وسرعة، وتوفير قنصليات متنقلة في المناطق البعيدة لتقديم خدمات مباشرة لفئات الجالية التي تعاني من صعوبة الوصول إلى المراكز القنصلية".
البيروقراطية الإدارية ومحاربة الفساد
واقترح المرصد "إنشاء شباك موحد يوفر جميع الخدمات الإدارية الموجهة للجالية في أماكن تجمعهم خلال فصل الصيف وفي الإدارات الرئيسية، ورقمنة جميع المساطر الإدارية لجعلها متاحة عن بعد، مع تقليل الاعتماد على الوثائق الورقية، ووضع آليات صارمة لمحاربة الفساد الإداري مثل إطلاق منصات للإبلاغ عن الممارسات غير القانونية وضمان حماية المبلغين، وتنظيم دورات تدريبية للموظفين في التعامل مع الجالية لتقديم خدمات بجودة عالية وشفافية".
الكفاءات المغربية بالخارج
وأشار المرصد إلى ضرورة "إطلاق منصة للتواصل مع الكفاءات المغربية، تتيح هذه المنصة ربط الكفاءات بالخارج مع المؤسسات المغربية لتبادل الخبرات والاستفادة من قدراتهم".
ودعا إلى "توفير حوافز ضريبية وتشجيع للاستثمارات المبتكرة التي تعود بها الكفاءات المغربية إلى الوطن، وإشراك الكفاءات المغربية في الخارج في شراكات استراتيجية مع المنظمات التي يعملون بها لدعم الاقتصاد الوطني".
وشدّد على أن "الجالية المغربية المقيمة بالخارج تزخر بكفاءات وأطر عالية التأهيل في مختلف المجالات، والتي اختار عدد من أبنائها العودة إلى المغرب للمساهمة في مساره التنموي، حيث أثبتوا قدرتهم على تقديم قيمة مضافة كبيرة، سواء من خلال الاستثمار في قطاعات حيوية، أو عبر شغل مناصب مسؤولية في مجالات تقنية وإدارية استراتيجية".
وذكر أن "أبناء الجالية يساهمون اليوم في تعزيز القدرات الوطنية عبر استثمار خبراتهم ومعارفهم المكتسبة في الخارج في قطاعات اقتصادية هامة مثل الصناعة، التكنولوجيا، الفلاحة، والسياحة، هذا بالإضافة تمكن العديد منهم من الولوج إلى مناصب المسؤولية العليا، حيث أصبحوا برلمانيين، وزراء، ومديرين عامين في مؤسسات وطنية وإدارات استراتيجية".
وأفاد أن "المغرب على خزان كبير من الكفاءات بين صفوف أبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج، مما يشكل ثروة بشرية هائلة يمكن استثمارها لدفع عجلة التنمية الوطنية، حيث تضم هذه الكفاءات نخبة من العلماء، المهندسين، التقنيين، وأصحاب الاختصاصات المعقدة في مجالات استراتيجية مثل الطب، الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، والهندسة الصناعية، وهو ما يجعلها مؤهلة للمساهمة بفعالية في سد الفجوات التقنية وتطوير القطاعات الحيوية التي يحتاجها المغرب".