عقد المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أمس الأربعاء 15 ماي 2024، ندوة مشتركة مع مجلس المنافسة، حول ضمانات المستهلك بين التشريع والقضاء، في إطار فعاليات الدورة 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، المنظم بالرباط، تحت رعاية الملك محمد السادس.
واعتبر زكرياء الشافعي، المستشار بديوان الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن القضاء ومجلس المنافسة يشتركان في السهر على تطبيق قانون المنافسة، وضبط التنافسية داخل السوق المغربي كل في مجال اختصاصه، فالقضاء بحكم ولايته العامة يبت في جميع النزاعات المعروضة عليه بما فيها قضايا المنافسة، مضيفا أنه إذا كان الاختصاص الأصيل لمجلس المنافسة حسب الفصل 166 من دستور المملكة والمواد 6 و 7 و8 من قانون حرية الأسعار والمنافسة يكمن بالنظر في الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، فإن دور القضاء يبقى قائماً في البت في هذا النوع من القضايا مادام القانون المتعلق بمجلس المنافسة لا يسلبه هذا الاختصاص.
وأضاف المتحدث أن المشرع المغربي تبنى خيار التكامل بين السلطة القضائية وسلطات المنافسة في حماية النظام العام الاقتصادي، فمن جهة يتولى القضاء البت في القضايا المعروضة عليه ذات الصلة بتطبيق قواعد المنافسة سواء كانت ذات صبغة مدنية أو تجارية أو زجرية، كما يبرز دوره أيضاً كجهة لتنفيذ قرارات سلطات المنافسة وممارسة الرقابة على قراراتها من خلال البت في الطعون الموجهة ضدها من جهة أخرى.
وفي مداخلة حول دور القضاء الزجري في قضايا المنافسة وحرية الأسعار، قال محمد شنضيض، وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط، إن قانون حرية الأسعار والمنافسة لما كان يرتبط بالوضعية الاقتصادية داخل البلاد، ويكرس السياسة الاقتصادية للحكومة، وينظم قواعد المنافسة، وكون مجلس المنافسة يصدر قرارات إدارية، فقد كان لزاما على المشرع أن يعهد إلى جهة قضائية تطبيق المقتضيات المتعلقة بهذا القانون واحترام المبادئ والأحكام المتعلقة به، فضلا عن مراقبة القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة، ومدى تطبيق هذا الأخير للقانون، ومدى تطابق النصوص القانونية مع الإجراءات المتخذة من قبل المجلس، والتكييف المعتمد من قبل المجلس للممارسات والأفعال المخالفة لقانون المنافسة.
واعتبر شنضيض أن القانون 104.12 المتعلق بتحديد الأسعار والمنافسة، يستهدف الأشخاص الذاتيين والاعتباريين، سواء كان لهم مقر أو مؤسسة داخل المملكة المغربية أم لم يكن، شريطة أن تنطوي أنشطتهم على أعمال اقتصادية داخل السوق بالمملكة المغربية، ويكون لذلك تأثير على المنافسة، مضيفا أن الفئة الثانية هي جميع أعمال الإنتاج والتوزيع والخدمات، بما في ذلك التي يقوم بها أشخاص اعتباريون خاضعون للقانون العام.
من جهته أكد حوبابي، رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف بالرباط، أن مبدأ حرية المنافسة يعد رديفا للأنظمة الاقتصادية الليبرالية، المرتبطة بالحرية الاقتصادية المنافية للتوجيه والتحكم من طرف الدولة، مضيفا أن اختيار المملكة المغربية للاقتصاد الليبرالي الحر، لم يكن بالاختيار المطلق بعيدا عن ضوابط النظام العام الاقتصادي والنظام العام التنافسي، الموجب للضبط، والتتبع والتقنين والتحصين من كل الممارسات الماسة بالبيئة التنافسية، أي منافسة كافية دون أن تكون مفرطة.
وأضاف حوبابي أن ضبط قواعد المنافسة فرضت إيجاد آليات قانونية دقيقة تسهر على خلق ظروف تنافسية سليمة مراعية لاختيارات الدولة وحقوق مواطنيها، ومساهمة بشكل مباشر أو غير مباشر في استقطاب الرأسمال الخارجي.
وشدد المتحدث على كون الحديث عن دور القضاء في مجال المنافسة وحرية الأسعار، يعد حديثا عن مفهوم متكامل، وعن لبنة أخرى أوجدها المشرع لتحقيق مفهوم المشروعية من جهة، ومن جهة أخرى لتحقيق التوازن بين مراكز مختلفة يحدث فيها أحيانا تصادم في وجهات النظر، سواء كانت بين الفاعلين الاقتصاديين مثلا أو بينهم وبين الإدارة وبين الأجهزة المكلفة بضبط المنافسة وحرية الأسعار وحماية المستهلك، يما يجب تدخل القضاء كجهة فصل حيادي يستنبط مقومات قرارته من طبيعته العضوية كسلطة فصل وحكم ومن مرجعية قانونية تستند للنصوص الجاري بها العمل ومن مقوم ثالث ذو طبيعة اجتهادية باعتباره المكلف بتفسير النصوص وتنزيلها.
بدوره أكد محمد أبو العزيز، الأمين العام لمجلس المنافسة، أن المنافسة بالنسبة للشركات تلعب دور التحفيز على الابداع والابتكار، وتشجيع الاستثمار، وإزالة الحواجز المصطنعة أمام الولوج إلى الأسواق، وتحسين مناخ الأعمال، وتعزيز القدرة التنافسية للنسيج الاقتصادي، كما تلعب دورا اقتصاديا، يضيف المتحدث، يتمثل في تقوية جاذبية البلاد للاستثمار، وتحسين الإنتاجية والنمو، وتحفيز النشاط الاقتصادي، وتكريس نجاعة وفعالة المشتريات العامة.
وأضاف أبو العزيز أن التنافسية بالنسبة للمستهلك تلعب دورا هاما في تحقيق رفاهية المستهلك، وتحقيق التنوع في العرض، والرفع من جودة السلع والخدمات، وضمان أسعار تنافسية.
وأوضح أبو العزيز إن دور مجلس المنافسة كهيأة دستورية مكلفة، في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة، بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها، والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.