يتَّهم مسنون، تتجاوز أعمارهم الستين سنةً، يقطنون في الجديدة ونواحيها محامياً بـ"سرقة أموالهم والسطو على أراضيهم، بحيث تسبَّب لواحدةٍ منهم في خسائر مالية بلغت 100 مليون سنتيمٍ، واستولى على أراضي جُمُوع". محاكم الجديدة أصدرت أحكاماً قضائية في صالح المحامي، الذي ينفي تماما التهم الموجهة إليه، رغم حديث الأشخاص المذكورين عن "وُجودِ أدلة ملموسة تُدِينُهُ". ''تيل كيل عربي'' يعرض قصص هؤلاء المسنين، وتعليقات المحامي عليها.
نعيمة: ''نُصب عليَّ وخسرت 100 مليونٍ''
نعيمة، سيدة تبلغ من العمر 57 سنةً، وتقطن في مدينة الجديدة، تتهم بوشعيب الحكيم، وهو المحامي المذكور، بالنصب عليها في مبلغ 8500 درهم، وهي القضية التي حكمت عليه فيها محكمة الاستئناف بالجديدة بشهرين حبساً موقوفة التنفيذ وغرامة مالية قدرها 10 ملايين سنتيم، لكن الحكم لم يُرْضِ نعيمة التي تعتبر أن الخسائر المالية التي تسبب لها فيها الحكيم تقدر بحوالي 100 مليون سنتيم.
الحكم صَدَرَ في 8 فبراير الجاري، لكن بداية القضية تعود إلى سنة 2014، التي قررت فيها نعيمة بيع سجل تجاري تملكه، خاصٍّ بمخبزةٍ لهَا تقع في شارع محمد التريعي بالجديدة. عملية البيع عرقلتها مالكة المحل، لأن نعيمة كانت، حينها، متأخرةً في دفع واجب الكراء لمدة ثلاثة أشهر، مما دفع صاحبة المحل، التي تلقبها نعيمة بـ ''الحاجة''، إلى رفع دعوة قضائية ضد المتضررة.
بعد نقاش ودِّي بين نعيمة وصاحبة المحل، قررت هذه الأخيرة أن تتنازل عن الدعوة القضائية المذكورة، مقابل أن تكلِّف نعيمة محاميا بوضع واجب الكراء، وقدره 8500 درهمٍ، في المحكمة التجارية بالجديدة، لكي تتسلمه صاحبة المحل من هناك، وتُغْلق القضية بشكل نهائيٍّ.
اختيار نعيمة كانَ مكتب المحامي بوشعيب الحكيم في الجديدة، حيثُ سلَّمته مبلغ 8500، لكي يضعها في حوزة المحكمة كما اتفقت معَهُ نعيمة. وبعدَ أن تسلم المبلغ المذكور، طلبت منه أن يمنحها وصلاً يثبت أنه تلقى منها الـ 8500 درهم، لكنه أفاد، حينها، أنه لا يتوفر على وَصْلٍ من النوع المذكور، واكتفى بمنحها بطاقة تعريفية خاصَّة به (Carte visite)، كتب على ظهرها أنه تسلم منها المبلغ إياه.
بعد ذلك، اكتشفت نعيمة أن الحكيم لم يسلم المبلغ إلى المحكمة، مما دفع هذه الأخيرة إلى الحكم على المتضررة بإفراغ المحل، وهو القرار الذي نفذ لاحقاً. نعيمة توجهت، بعدها، إلى الوكيل العام للملك في المحكمة الابتدائية للجديدة، الذي أمر بإجراء خبرةٍ خطِّيَّة للتأكد من كون ما كُتِبَ على ظهر بطاقة التعريف المذكورة يرجع إلى الحكيم من عدمه، وكانت نتيجة هذه الخبرة في صالح نعيمة، ولكن، رغم ذلك، حكمت المحكمة بالبراءة لصالح المحامي، وذلك في 21 شتنبر المنصرم.
شعورُ نعيمة بالظلم، دفعها إلى التوجه، بعد قرار المحكمة الابتدائية مباشرةً، إلى الوكيل العام للملك في المحكمة الابتدائية للجديدة، الذي أَمَرَ بعرض ملف القضية على محكمة الاستئناف بالجديدة، التي أصدرت قرارا ضد الحكيم، مضمونه شهرين سجناً نافذاً وغرامة مالية حجمها مليون سنتيم، لكن نعيمة مستاءةٌ من هذا الحكم، بحيث تَقُولُ ''فقدت، بسبب نصب الحكيم علي، سجلاًّ تجاريا يقدر بـ 30 مليون سنتيمٍ، وحوالي 70 مليون سنتيم صرفتها على إصلاح المحل، وهو ما مجموعه 100 مليون سنتيم تقريباً، لكن المحكمة حكمت على الحكم، فقط، بغرامة مالية قدرها مليون سنتيمٍ، وهذا أمرٌ غير معقول''.
بوشعيب الحكيم قال، في تصريحٍ لـ ''تيل كيل عربي''، إنه لم يتسلم، قط، المبلغ المذكور من قِبَلِ نعيمة، مبرزاً أن قرار الإفراغ لا علاقة لهُ بتأخر هذه الأخيرة في وضع الـ 8500 درهمٍ في حوزة المحكمة، وأن نعيمة معروفةٌ بمماطلتها، باستمرار، في دفع واجبات الكراء لصاحبة المحل، التي تعدُّ موكلةً للحكيم في هذه القضية.
نعيمة، التي يترافع، حاليا، لحسابها محاميان من الجديدة ومحاميةٌ من الدار البيضاء، توجهت إلى محكمة النقض، لكي تنصفها وتعوضها عن خيبتي الأمل اللتين تلقَّتهما من قبل المحكمة الإبتدائية ومحكمة الاستئناف في الجديدة.
حبيبة: ''أرض أجدادي نُهِبَت''
بعيداً عن الجديدة بـ 52 كيلو متراً، يوجد دوّارٌ اسمه ''العزيزات''، حيث تقطن حبيبة، وهي عجوز ثمانينية، تتهم الحكيم بالاستيلاء على أرضٍ ورثتها عن أجدادها، تُحْسب جزءاً من أراضي الجُمُوع في الدوار المذكور.
''تيل كيل عربي'' تحدَّث إلى عبد النبي، أحد أبناء حبيبة، الذي أفاد أنه قرر مؤخراً أن يبني منزلاً في الأرض المذكورة ويستقر فيه، لكنه تفاجأ، حينها، بأخبارٍ بلغت إلى علمه وعلم والدته، تقول إن أخاً له باع الأرض للمحامي الحكيم. الأخبار المذكور لم يتأكد عبد النبي وحبيبة من صحتها، إلا عندما باعت هذه الأخيرة الأرض لعبد النبي، بحيث اتهمهما الحكيم، وقتها، بالترامي على أرضه.
ملف القضية وَصَلَ بعدها إلى القضاء، وحكمت المحكمة الإبتدائية في الجديدة، قبل سنةٍ من الآن، لصالح الحكيم، فتمَّ نقل القضية إلى محكمة الإستئناف بالمدينة نفسها، والتي أيَّدت الحكم الأول بعد ستة أشهرٍ من صدورِهِ، وهو الأمر الذي علَّق عليه عبد النبي، في تصريحه لـ ''تيل كيل عربي''، بالقول: ''قبل صُدور حكم محكمة الإستئناف، عرضت على هذه الأخيرة شهوداً، أفادوا أنهم قاموا سنة 2012، تحت إشرافي، بتشجير الأرض وبناء سورٍ حولها ارتفاعه مترٌ، لكي أثبت أننا أصحاب الأرض، ولكن ذلك لم يؤثر على قرار المحكمة''.
السبب وراءَ عدم تأثير الشهود المذكورين على القرار الذي أصدرته محكمة الإستئناف بالجديدة، حسب عبد النبي، هو أن "الشهادات تمَّ تغييرها في المحكمة، بحيث حُذِفت التواريخ التي أفاد الشهود أنهم بنوا فيها الحائط وشجروا فيها الأرض"، مضيفاً أن "الشهود تعرضوا، بعد ذلك، لتهديداتٍ وإغراءاتٍ لكي لا يقبلوا الشهادة أمام المحكمة من جديدٍ"، بل إنهم رفضوا، وفق ابن حبيبة، أن يدلوا بشهادات كتابية حول كونهم قاموا بالأعمال المذكورة، مبررين ذلك بالقول: ''ما فينا ما نبقاو مجرجرين فالمحاكم''.
المحامي يرفض كل التهم
وأمام كلِّ ما صرَّح به عبد النبي، أفاد المحامي الحكيم، لـ ''تيل كيل عربي''، بأن "أخ المشتكي باع إليه الأرض المذكورةَ فعلاً"، مبيِّناً أن "هذا الأخير أرادَ أن يسترجعها بعْد أن علم بأنه باعها بثمنٍ رخيصٍ". كما قال، أيضاً، إن "حبيبة لم يعد من حقها أن تتحدَّثَ عن الأرض، لأنها باعتها إلى ابنها عبد النبي".
توجه عبد النبي، بعد ذلك، إلى محكمة النقض، وبعد انتظار دامَ ستة أشهرٍ، علم، مؤخرا، عن طريق سيدةٍ تشتغل في أحد مكاتب المحاماة، أن حكم هذه المحكمة جاءَ، أيضاً، في صالح المحامي الحكيم. وكان رفع العجوز حبيبة دعوةً قضائية ضد الحكيم وابنها الذي يقول هذا الأخير إنه باع إليه الأرض المذكورة، منتظرةً قراراً يعيدُ إليها أرضها التي ورثتها عن أجدادها.
امحمد الضلف، واحدٌ من سكان دوار العزيزات، يقولُ إنه اشترى أرضاً فلاحية تبلغ مساحتها 750 متراً مربَّعاً تقريبا، وتقع ضمن أرضٍ فلاحية كبيرةٍ مساحتها 2000 مترٍ مربَّعٍ، وفقدها لأنَّ من باعها إليه سنة 2001، أعادَ بيع الأرض كلِّها سنة 2017 للمحامي الحكيم.
''تيل كيل عربي'' تحدث إلى عبد الوهاب، وهو أحد أبناء امحمد، إذ أفاد أن والده أبرم سنة 2001 مع التباري، وهو مالكُ الأرض، عقداً عرفياً، وأسند، سنة 2006، مهمة تحفيظ القطعة الأرضية التي اشتراها إلى الحكيم، لكن هذا الأخير لم يقم بذلك، وفي المقابل أخبر امحمد الضلف بأنه قامَ بما كلَّفه به.
عندما علم المتضرر بأن التباري باعَ الأرض بأكملها للحكيم، وذلك بتاريخ 16 غشت 2017، تقدم بشكاية ضد الطرفين، فتمَّ الحكم على التباري بستة أشهر سجنٍ، بتاريخ 22 دجنبر المنصرم، بينما لم تطل أية عقوبةٍ الحكيم الذي تعتبر الأرض، حالياً، في ملكيته بالكامل، وفي المقابل أبرز هذا الأخير، للموقع، أن من يجبُ أن يتحمل المسؤولية القانونية على مستوى هذا الملف هو التباري، موضحاً أنه لم يكن يعلم أن هذا الأخير قد باعَ جزءاً من الأرض للضلف. كما نفَى، بشكل مطلقٍ، أن يكون قد كلِّفَ من قبل المشتكي بتحفيظِ قطعة أرضية اشتراها من التباري.