معرض الكتاب بالدار البيضاء.. هل يراعي القدرة الشرائية للقراء المغاربة؟

المصطفى أزوكاح

يلتئم مرة أخرى الآلاف من عشاق الكتب في الدورة 25 للمعرض الدولي للكتاب والنشر بالبيضاء. ودأب زوار المعرض على الشكوى من ارتفاع الأسعار، وهو ما يرده ناشرون إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، غير أن مصادر، تؤكد أن العارضين يحققون أرباحا مهمة، خلال أيام المعرض، التي يأتي في المركز الرابع ضمن المعارض التي يعرفها العالم العربي.

فهل سعر الكتاب مرتفع؟ وماهي العوامل التي تتحكم في إنتاجه؟ وهل يحقق الناشرون أرباحا عبر معرض الدار البيضاء  ؟

ناشرون مواظبون

لا تتخلف العديد من دور النشر الوازنة في العالم العربي، عن الحضور إلى المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، بل إن دور نشر سورية، تستحضر حالة الجمود التي تعرفها علاقة بلادها مع المملكة، تلح على وزارة الثقافة كي تكون حاضرة في ذلك الموعد، كما يؤكد مصدر مطلع.

ويأتي حرص دور النشر الكبيرة مثل " رياض الريس" و" الساقي" و" الجمل"، على المشاركة بمعرض الدار البيضاء، بالنظر لموقعه الذي أضحى وازنا في ساحة معارض الكتاب بالعالم العربي، فقد أضحى يحتل المركز الرابع بعد معارض القاهرة وبيروت والشارقة.

ويعتبر مصدر خبر المعارض العربية، أنه يمكن لمعرض الدار البيضاء، أن يحظى بموقع أكبر، في حالة عمد إلى إعادة النظر في الفضاء الذي ينظم به، بما يساعده على جذب دور نشر جديدة، وإغراء الزوار بالإقبال عليه.

ويضرب مثلا بمعرض القاهرة، الذي اشتكى الناشرون من كونه غير مجز في الأعوام الماضية، غير أن تغيير فضائه في العام الحالي، أفضى إلى استقطاب حوالي 3 ملايين زائر.

وينتظرأن يعرف معرض الكتاب والنشر الذي تنظمه وزارة الثقافة والاتصال بتعاون مع الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات خلال الفترة الممتدة من 7 إلى 17 فبراير المقبل مشاركة أزيد من 700عارض مباشر وغير مباشر، يمثلون أكثر من 40 بلدا، كما سيتميز المعرض بحضور إسبانيا كضيف شرف من أجل تسليط الضوء على المشترك بين الثقافتين المغربية والإسبانية.

ويرتقب أن يتضمن المعرض 128 ألف عنوان يغطي مختلف صنوف المعرفة من آداب وفلسلفة وعلوم اجتماعية، وكذا العلوم الحقة. وستكون الكتب الصادرة باللغة العربية غالبة في المغرب ب 82235 ، متبوعة   بالكتب باللغة الفرنسية ب 40500 كتاب، تليها الانجليزية وباقي اللغات

هل سعر الكتاب مرتفع؟

وتفيد البيانات التي كشفت عنها مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء، مؤخرا حول حصيلة النشر بالمغرب في العام الماضي، أن متوسط سعر الكتاب، وصل إلى 70.36 درهما، مقابل 64 درهما في العام الذي قبله، و60 درهما في 2016.

غير أن مصدرا يشير إلى أن الكتاب المدعم من قبل وزارة الثقافة يبقى مرتفعا، حي يساوي في الكثير من الأحيان، سعر الكتب التي لا تحظى بذلك الدعم، في الوقت نفسه، يلاحظ أن دور نشر لا تلتزم بالخصم الذي جرت العادة على أن يتراوح بين 20 و40 درهم خلال المعارض.

ويضيف أن المعرض يحضره الناشرون، الذي يقومون بعملية البيع المباشر للكتاب، غير أنهم يتصرفون كموزعين، على اعتبار أنهم لا يخصمون عند البيع لزوار المعرض هامش الربح الذي يستفيد منه الموزع عادة.

وقد تراوحت أسعار الروايات في الأعوام الأخيرة بمعرض الدار البيضاء بين 40 و120 درهما، هذا سعر، يرى ناشرون أن كلفة الورق والطباعة، تتدخل فيه بشكل حاسم، وهي كلفة ترتفع بالنسبة للكتاب المترجم، بسبب إضافة حقوق الترجمة والمترجمين.

 الورق والبترول.. انتفاء العلاقة

 يعتبر ناشرون أنهم يتحملون تكاليف جد مرتفعة، خاصة تلك المرتبطة بالورق، وهم يرون أن سعر الورق في العالم العربي لا يخضع لمنطق العرض والطلب، ولا يتحدد تبعا لسعر البترول وسعر صرف الدولار.

ويتصور متدخلون في قطاع النشر وجود نوع من الاتفاق بين المتحكمين في سوق الورق، بحيث لا يتراجع إلى المستوى الذي يعكس حقيقة السوق، هذا في الوقت الذي يؤكد ناشرون أن الورق يتدخل بنسبة 60 في المائة في تحديد سعر الكتاب.

ويشير مسؤول في دار نشر مغربية، إلى أن انخفاض أو ارتفاع سعر البترول وسعر صرف الدولار، لا يؤثر على سعر الورق نحو الانخفاض، مشيرا في ذات الوقت إلى أنه يختلف في بعض الأحيان، حسب الطلبيات التي يعبر عنها الناشر.

ويذهب إلى أن  الطلب الذي يعبر عنه الناشرون في العالم العربي على الورق، لا يخول لهم تغيير موازين القوى الذي يميل لفائدة موردي الورق، وهو ما يرده إلى ضعف مستوى القراءة في العالم العربي.

واعتبر ناشرون مصريون، شاركوا في معرض الدار البيضاء في العام الماضي،  أنه بالإضافة إلى تعويم الجنيه وتأثيره على سعر الورق، هناك من يتحكمون في سوق الورق، حيث يرفعون أسعارها، في نظره، بشكل لا يستطيع الناشرون مسايرته.

 وتستورد الشركات العاملة في الورق بالعالم العربي لب الورق والمبيضات، اللذين يتأثران بسعر صرف العملة، كما هو الحال في مصر، ناهيك عن ارتفاع تكاليف النقل في سياق متسم برفع الدعم عن الوقود في العديد من البلدان العربية.

ويرى مصدر مغربي،  أن ارتفاع التكاليف في السوق المحلية، تدفع كتابا مغاربة إلى طباعة كتبهم بلبنان، بينما لوحظ في الأعوام الأخيرة، إقبال الناشرين المغاربة على المطابع الإسبانية والإيطالية، وهو ما قد يفسر بتكلفة الإنتاج المنخفضة.

ضغط التوزيع.. وضعف الترويج

غير أن الاقتصادي المغربي، محمد الشيكر، يعتبر أن ارتفاع سعر الكتاب المغربي لا تتحكم أسعار الورق والطباعة بشكل كبير، بل إن حصة الموزعين، هي التي ترفعه، ولا تترك هامشا كبيرا.

ويوضح أن كتابا يكلف 25 درهم، يطرح في السوق ب 50 درهما، ما دام الموزع، يطلب 45 في المائة من الثمن، كما أنه يطلب إيداع مبلغ مالي لديه، كي يضمن عمولته في حال لم يلق الكتاب الإقبال المنتظر.

ويرى أن ضعف الترويج للكتاب في المغرب، يساهم في ضعف المبيعات، فهو يتصور أنه لم تترسخ تقاليد في المغرب، من أجل الاحتفاء بالكتب الجديدة، والترويج لها، ما يساعد على رفع المبيعات.

و يعتبر أنه أيا كانت العوامل المحددة لسعر الكتاب في المغرب والعالم العربي، فإن الناشرين الذين يحضرون لمعرض الدار البيضاء، يحققون أقام مبيعات مهمة، قد تتراوح بالنسبة للناشرين المغاربة بما بين 20 و30 في المائة من مجمل المبيعات على مدى العام.

فبراير.. شهر الكتب

ترصد العديد من الأسر جزءا من ميزانيتها في فبراير من أجل مواجهة الإنفاق على شراء الكتب بمعرض الدار البيضاء. هذا ما يلاحظ عنذ زيارة المعرض.

ويلاحظ  المترجم والإعلامي المغربي المتخصص في الشأن الثقافي، محمد جليد،  أن الإقبال يكون كبيرا على الرواية، تليه أصنافا المعرفة الأخرى، غير أنه يسجل حرص الأسر على شراء كتب  للأطفال.

ويعتبر أن الحضور الكبير للأسر برفقة أطفالهم والزيارات التي تنظمها المدارس لفائدة التلاميذ، تساهم في ارتفاع مبيعات دور النشر التي توفر كتبا للأطفال.

ويبدو أن المنظمين استحضروا هذه الفئة من القراء، حيث خصصوا 21950 كتابا موجها للطفل، فضلا عن عدد من الورشات واللقاءات التي يتضمنها البرنامج الثقافي للمعرض لفائدة الأطفال.

ويشهد شهر فبراير تغيرا في العادة الاستهلاكية لأسر مغربية، حيث يقبلون على شراء الكتب من المعرض، هذا في الوقت الذي تشير دراسة لمركز الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والتدبيرية، إلى أنهم يسخرون درهما واحدا لشراء الكتب، بينما يصل المعدل العالمي إلى 25 درهما.

وكانت المندوبية السامية للتخطيط، خلصت في بحث لها حول استعمال الوقت من قبل المغاربة في 2014، إلى أنهم يخصصون دقيقتين في اليوم للقراءة، ويقضون ساعتين و14 دقيقة أمام التلفزيون، وينامون ثماني ساعات و21 دقيقة في اليوم.