مغاربة طردوا من فيلاتهم ليعيشوا في دور الصفيح.. السطو على العقارات بالمغرب"مهمة سهلة"

غسان الكشوري

تهجير واعتقال وتشريد من المسكن.. هذا المصير ليس في سوريا أو فلسطين، بل يقع في المغرب وتحت طائلة القوانين. ومن فيلا إلى دور الصفيح أو الايواء عند الجيران والأقارب.. أو في أحسن الحالات إرجاع الحق بعدما "فات الفوت".. إنهم ضحايا مافيا السطو على العقارات يتحدثون.

"الأمن يبحث عني في هذه الأثناء، بسبب شكاية مقدمة ضدي؛ لعدم الامتثال وعصيان أمر الإفراغ.. والدتي مريضة. ويطالبوننا بالخروج من المنزل بسبب المالك الجديد الذي قدم وثائق يدعي من خلالها أنه صاحب البيت، لكن أؤكد أنها مزورة وأطالب بالتحقيق في صحتها"، يقول أحد المتضررين من "مافيا" العقار.

وتضيف شهادة أخرى: "في سنة 2016 قاموا بإخراجي مع أولادي على الساعة 7 صباحا من الفيلا التي كنا نقيم بها، واتهموني بأنني أقيم في عقار ليس في ملكي، وسلبوني سكني ومحلي التجاري.. أنا الان بدون مأوى وأسكن عند أقاربي"، تحكي (مليكة.ع) التي تظهر عليها آثار توتر نفسي وعصبي. وتضيف بحرقة أن ابنتها (28 عاما) كانت ترافقها في كل معاركها لاسترداد جقها، لكنها "توارت إلى الخلف لأنها يئست من أن تنصفها العدالة في المغرب".

قصص وحكايات أغرب من الخيال لمغاربة "واحدة انتقلت من فيلا بأنفا بالدار البيضاء لتعيش في الكاريان.. وأخرى من فيلا بأكدال بالرباط إلى دور الصفيح". فيلات، عمارات، هكتارات من الأراضي،.. بعد العيش فيها لعقود طويلة أبا عن جد، "انتزعت ملكيتها بجرة قلم وبوثيقة إدارية حديثة، وذاق أصحابها الاعتقال والتنكيل والتشريد"، هكذا قدمت عشرات العائلات، أمس الثلاثاء بالدار البيضاء، شهاداتها ومعاناتها، خلال ندوة أقامتها جمعية "ضحايا السطو على الممتلكات"، لتشخيص ظاهرة الاستيلاء على  عقارات الغير.

أعمار المتضررين، القادمين من جهات المملكة، تتراوح بين الأربعين والسبعين. وبلباس متواضع وسحنات يملأها الغضب، أجمع المتدخلون أنهم لا يعانون ألم الحرمان فقط، بل تواطؤ القانون والمسؤولين ضدهم. هذا الأمر يفسره محمد متزكي، مؤسس الجمعية ورئيسها الشرفي، بأن العدالة وإن سارت على نحو قويم، إلا أن بعض القضايا  تظهر " أن الذي حاول النصب علي هؤلاء، هو نفسه الشخص، رغم تباعد المدن والأماكن، وأن له نفوذا في السلطة".

ومع تقدم الأبحاث داخل المحاكم، يضيف متزكي، الذي كان هو أيضا ضحية ، يتبين أن "قضاة ومحامين وموثقين، كانوا متواطئين في عمليات النصب، عبر تفويت العقارات إلى أفراد عائلاتهم بطريقة غير مباشرة".

قصص وحكايات أغرب من الخيال لمغاربة "واحدة انتقلت من فيلا بأنفا بالدار البيضاء لتعيش في الكاريان.. وأخرى من فيلا بأكدال بالرباط إلى دور الصفيح".

أعداد ضحايا العقار

خلال هذا اللقاء، قال محمد متزكي، بأن الأرقام تشير إلى متابعة 1400 شخص رفعت ضدهم قضايا بسبب إثبات ملكهم العقاري، في الوقت الذي "لا يتابع فيه كبار مافيا العقار الذين يتوغلون في الاستيلاء على الممتلكات"، بحسب متزكي الذي يوضح في حديثه لـ "تيل كيل عربي" أن ملفات 1200 من ضحايا السطو على العقارات موثقة لدى الجمعية".

وفي نفس السياق، قال عبد اللطيف بن يعقوب النائب البرلماني، والمساند للجمعية أن "أعداد الضحايا تصل إلى الآلاف، بخلاف أرقام وزارة العدل التي أشارت لوجود حوالي 400 أو 500 ضحية فقط".

من جانب آخر، رصدت الجمعية وجود 9000 عقار مهجور، أصحابها يقيمون خارج المغرب، وهو ما يفتح شهية اللوبيات التي يسهل عليها الاستيلاء على العقارات "بطرق بسيطة" بحسب متزكي،  لكن كيف تتم عملية الاستيلاء على هذا الكم الهائا من العقارات في ظل وجود القانون؟

السطو.. "بالقانون"

تبدأ القضية عندما يدعي شخص أنه مالك عقار ما (شقق، عمارات، فيلات، أراضي..)، كان مالكه الحقيقي خارج المغرب أو داخله. ويعزز الشخص ادعاءه بشهادة ملكية من المحافظة العقارية، حصل عليها بوثائق مزورة بعد 4 سنوات من تسجيل طلبه.

وبعد ذلك يطالب هذا الشخص مالكي العقار الحاليين بأحقيته، فيتجه إلى القضاء ويرفع دعوة بالإفراغ في حقهم ولو كانوا يسكنونه منذ عقود من الزمن. في هذه الحالة يقف القضاء إلى جانبه بوجود تلك الوثيقة، ويصبح مالكا للعقار. وذلك لأن مالكه الحقيقي لم يعلم بأن تزويرا يحاك وراء ظهره وعلى أملاكه.

تخول المادة 2 من مدونة الحقوق العينية، لكل من تضرر من تزوير "أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه "، لكن إذا مرت هذه المدة وتم الاستيلاء على عقاره، لن يصبح بإمكان المتضرر الطعن في العقد الذي تقدم به المالك الجديد؛ أو "المالك بحسن نية" كما يسميه القانون.

وأمام هذا الوضع الذي لا يستطيع أحد معرفة من هو "حسن النية"، اقترح مصطفى الرميد في وقت سابق أثناء توليه وزارة العدل، على المواطنين "أن يتأكدوا من ملكية عقارهم كل 4 سنوات"، كحل وقائي من مافيات العقار التي "استطاعت أن تتسلل وتؤثر في المؤسسات التشريعية لتنزيل هذا القانون في سنة 2013 "، يقول متزكي.

السطو "إداريا"

بالاضافة الى هذه "الثغرة القانونية"، يعتبر متزكي أن الخلل يكمن في المحاكم الإدارية، وذلك "لغياب تعميق البحث (من طرف الفرقة الوطنية". ويوضح قائلا: "عندما يرفع شخص ما دعوة في المحكمة ويدعي أحقيته بامتلاكه لعقارك، تقوم المحكمة بمطالبتك بالإفراغ، لأنه يملك شهادة ووثيقة إدارية، رغم أني أملك وثيقة أصلية وأطعن في تلك الوثيقة المزورة، لدى الوكيل العام الذي بدوره يحيل الأمر إلى الفرقة الوطنية"، والذي يستغرق وقتا طويلا حسب الحالات.

ويؤكد متزكي على ضرورة إيقاف التنفيذ بالإفراغ، وذلك لأن العائلات تتشرد في الشارع، قبل التأكد من صحة الوثائق الإدارية الجديدة من طرف الجهات ذات الاختصاص. "وفي بعض القضايا استغرق الأمر سنوات طوال، فمات من مات، وانقلبت حياة عائلاتهم رأسا على عقب، قبل أن يسترجع الحق لأصحابه ويثبت تورط المتواطئين"، يقول الرئيس الشرفي للجمعية.

مطالب المتضررين

رغم تفاقم الحالات، تقر جمعية "ضحايا السطو على الممتلكات" بتقدم الجهود التي تبذلها وزارة العدل، وذلك بفضل الرسالة الملكية التي أوصى فيها بضرورة إحداث لجنة لتتبع هذه "الظاهرة" المستشرية، وكذلك "بفضل استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل". وهو ما أسفر عن تفكيك عدة عصابات تنشط في العقار.

لكن وبإزاء ذلك، تطالب الجمعية بتعديل المادة 2 من مدونة الحقوق العينية. كما تعتبر نفسها أولى بأن تكون عضوا في لجنة وزارة العدل، بحكم أنها تحتوي على أكبر عدد من المتضررين، ويجب الاستماع إليهم. ولهذا السبب، يقول متزكي، "نطالب بإحداث هيئة وطنية على غرار الانصاف والمصالحة لتعويض المتضررين وللقطع مع لوبيات الفساد".