ممرضون أعيتهم العطالة يلتحقون بالتعليم.. يروون حكاياتهم

سعيد أهمان

بعد المهندسين وخريجي المدارس الوطنية للتجارة والتسيير، نجح العشرات من الممرضين المجازين العاطلين عن العمل بمهنة التدريس، عبر مباريات التعاقد التي اجتازوها بنجاح، بعدما تفوقوا في الانتقاء الأولي وفي الامتحان الكتابي والامتحان الشفوي، وصار بعضهم يهنئ بعضا على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى  صفحات التنسيقية المحلية والجهوية والوطنية لخريجي مهن التمريض وعلى صفحة الممرض المغربي.

 عدد من الممرضين المجازين نجحوا في مباريات التوظيف بموجب عقود، والتي تسمح لهم بولوج مهنة "أستاذ التعليم الابتدائي" و"أستاذ مادة التربية البدنية والرياضة" بالثانوي فقط. وهما التخصصان اللذان تسمح بهما  شروط المباراة في دورة يناير 2018.

"تيل كيل عربي" تحدث إلى عدد منهم، وقبلوا بأن يتحدثوا بوجه مكشوف عن أسباب اختيارهم، وكيف حضروا للاختبارات؟ وما هي الأسئلة التي طرحت عليهم خلال الاختبار الشفوي؟ وهل سوف يعودون إلى المهنة التي درسوا لأجل امتهانها؟

لماذا هذا الاختيار؟

 "اللهم مائة تعاقد ولا نبقى في الشوماج". هكذا لخصت أميمة رقيق، خريجة المعهد العالي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة دواعي التحاقها بقطاع التعليم عبر نظام التوظيف بموجب عقد، فهجرت مهنة التمريض بقطاع الصحة، بعد تكوين شاق دام ثلاث سنوات، وما استتبعه من تداريب ومداومة شاقين، على حد قولها.

أميمة رقيق، ذات الـ22 ربيعا، تخصص التوليد، قالت في حديث لموقع "تيل كيل عربي"، إنها عاشت شبح البطالة لشهور، فكرت إلى جانب صديقتيها خريجتي نفس المعهد، وفي نفس التخصص أن يجربن حظهن "على الله".

 وبأمل أكبر، قالت أميمة: "كان غادي يكون عندي أمل أكبر في التعليم أحسن، ولا ديك الوضعية لي كنا فيها، بسبب عدم تنظيم وزارة الصحة لمباراة توظيف لـ9000 خريج عاطل". وتابعت "ما يمكنش نبقاو كالسين، خاصنا نستقلو ماديا".

وفي نفس الاتجاه، سار سمير إدبريك، من مواليد 1996، متعدد التخصصات في مهن التمريض، بالقول: "انسحبت من التمريض واتجهت لمهنة التدريس، لأنه لدي قناعة بأنني سأقدم أكثر".

 وأضاف سمير، الذي تحدث لـ "تيل كيل عربي"، أنه بعد "ثلاث سنوات من التكوين الصعب في التمريض، وجدنا عالما آخر هو البطالة في غياب بوادر أو بصيص أمل لدى وزارة الصحة، وكان أمامي خيار هو تقريب المسافة لولوج الوظيفة".

وقال سمير إدبريك، العاطل عن العمل منذ تخرجه العام الماضي، والذي كان يشغل مهمة الإعلام بالتنسيقية الإقليمية لخريجي مهن التمريض بتيزنيت، بنبرة ألم: "حينما يسألني الناس ماذا تفعل؟ أجيبهم: عاطل".

 وأضاف الشاب، أنه "حتى القطاع الخاص في مهن التمريض لا يوفر الظروف الجيدة للعمل، لأنك غير محمي، وتستغل بأجر شهري يتراوح ما بين 3000 و4000 درهم، وذلك بسبب تزايد عطالة خريجي المهن التمريضية، بعد أن حذفت وزارة الصحة إعلان المباراة في يناير 2018 على موقعها الرسمي، دون سابق إعلام، لتقرر على ما يبدو إعادة نشره في مارس المقبل".

يلخص سمير وعدد من أصدقاءه الناجحين في مباريات التوظيف بموجب عقود بقطاع التربية الوطنية أسباب اختيارهم في "الظروف الاجتماعية والهروب من شبح البطالة، بعد أن أعياهم الانتظار وتلقيهم لوعود فارغة من قبل وزارة الصحة لتوظيفهم".

اقرأ أيضاً: يهم الأساتذة المتعاقدين.. 1400 درهم منحة شهرية و9 شروط خلال ستة أشهر من التدريب

 وفقا للمعطيات التي حصل عليها موقع "تيل كل عربي"، فإن العشرات من المرضين المجازين اجتازوا بنجاح مباريات التوظيف بموجب عقود، ينتمون للأكاديميات الجهة الشرقية، وطنجة تطوان، والرباط سلا القنيطرة، وفاس مكناس، ودرعة تافيلالت، وسوس ماسة، وكلميم واد نون، والعيون الساقية الحمراء، وأغلبهم خريجو تخصصات التوليد والمساعدة الاجتماعية والتخدير والانعاش، والمتعدد الاختصاصات.

الاختبارات بين الكتابي والشفوي

الانتقال من تخصص التمريض إلى مهنة التربية والتكوين لم "يكن صعباً"، حسب عدد من التصريحات التي استقاها موقع "تيل كيل عربي".

 في هذا الصدد، يشرح سعيد حدوش، ممرض مجاز، لموقع "تيل كيل عربي" ذلك بالقول: "التكوين الأساس الذي تلقيناه ذو حمولة معرفية ومهنية مهمة. تلقينا تكوينات في علم النفس، وفي نفسية الطفل وقدراته وميوله وسلوكياته ونموه، واكتسبنا تجربة في التنشيط التربوي، ما يؤهلنا لولوج مهنة التدريس في سلك التعليم الابتدائي التي يسمح بها إعلان المباراة، فأخذنا بالأسباب، وجاب الله التيسير".

ومن بين الأسباب التي أخذ بها حدوش التحضير رفقة صديق له درس معه التحق بقطاع التعليم، وصار أستاذا بمراكش، فأرشده لكتب في مستجدات التربية والتكوين، شأنه شأن سمير إدبريك وأميمة رقيق اللذان أكدا على أن مواد "الفرنسية والرياضيات والعلوم، يتفوق فيها الممرض المجاز، نظرا لحصول أغلبهم على باكالوريا بميزات متفوقة تصل إلى معدل17 على 20، ناهيك عن تكوينهم الأساس الذي ينسجم والمواد المطلوبة في الامتحان.

و بعد نجاحهم في الشق الكتابي، حكوا لموقع "تيل كيل عربي" أن كل اللجن التي اختبرتهم في الامتحان الشفهي، كانت تواجههم بسؤال: "من التمريض إلى التعليم. هل من تفسير لهذه المعادلة ولتغيير التخصص؟"

أجوبة عدد ممن استمع لإفادتهم موقع "تيل كيل عربي"، كانت على نغمة واحدة تقريباً: "لم نغير التخصص، انتظرنا وزارة الصحة، وتوكلنا على الله في آفاق أخرى، وهو ما يسمح به القانون، ولنا الحق في ذلك".

 تقول أميمة رقيق: "حينما نجحت في الكتابي صار لدي أمل أكبر في المرحلة الثانية لمباراة الشفوي فنجحت، لأن مجال التعليم ليس بعيدا عن اهتماماتي، فقد كنت أنجز ساعات إضافية لمدة ثلاث سنوات، حينما كنت أتلقى التكوين الأساس بالمعهد العالي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة".

اقرأ أيضاً: العثماني يطمئن 20 ألف أستاذ متعاقد: تعاقدكم ليس هشا

تردد بين التدريس والعودة للتمريض

 عدد من الطين استقى آراءهم "تيل كيل عربي"، ساروا في اتجاهين، الأول اختار مهنة التدريس بالتعاقد لغياب البديل ولمواجهة شبح العطالة دون العودة إلى مهنة التمريض، وآخرون اعتبروا التدريس مرحلة انتقالية فقط في انتظار أن تفرج وزارة الصحة عن مباراة التوظيف.

سعد حدوش، من أصحاب الاتجاه الثاني، ويطالب وزارة الصحة بالإصدار الفوري لمباراة التوظيف في مهنته الأصلية، ويشدد على أنه أخلاقيا سيترك التعليم لنمنح فرصة أخرى للناجحين في لائحة الانتظار".

أما الاتجاه الأول، فتمثله أميمة رقيق التي اختارت مهنة التربية والتكوين، دون عودة إلى التمريض، وعبرت صراحة للموقع عن أنها "لن تعود إلى مهنة في التمريض. لقد وجدت الظروف في التعليم أفضل منها في الصحة، لأن مهنة التوليد فيها مخاطر وما تقدر تديباني فيها، غير أنها علمتنا الصبر والمسؤولية، فوزارة الصحة تخلت عنا، ونحن تخلينا عنها، على الرغم من أن البعض من زملائنا الخريجين يتهكم علينا بقولهم: واش غادي تدكو ليهوم ليباري، تقول أميمة بحسرة".