أوضح راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، صباح اليوم، أن "الممارسات والتجارب التاريخية أثبثت أن ما من أمة نهضت وتقدمت دون أن تضع في صلب رهاناتها الإنسان، ودون أن تستثمر في الرأسمال البشري تعليما وتثقيفا وتكوينا وترفيها، ومن حيث توفير الخدمات الاجتماعية بالجودة المطلوبة".
وأضاف في الجلسة الافتتاحية لأشغال المنتدى البرلماني الدولي السابع للعدالة الاجتماعية، المنظم من قبل مجلس المستشارين بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يوم 21 فبراير 2023، إن "التمكين الاقتصادي والاجتماعي للإنسان والشغل المدر للدخل، والمطمئن على المستقبل، هو ما ييسر مشاركة الفرد في التنمية والإنتاج، وفي تدبير الشأن العام، مع ما لذلك من أفضال على الاستقرار الاجتماعي وعلى تعزيز البناء المؤسساتي في إطار دولة ترعى الحقوق وتحرص على الواجبات".
وأكد المتحدث ذاته، أن "المغرب أسس نموذجه المجتمعي على التضامن والتكافل والاهتمام بالإنسان، وهو النموذج الذي يتقوى وتتسارع وتيرة إنجازه وتتعدد مداخله منذ أكثر من عقدين من الزمن برعاية ملكية متواصلة، تصورا وإعمالا في الميدان".
ولفت إلى أن "الأمر يتعلق بثورة هادئة في العرض الصحي والتغطية الصحية ببلادنا، وبمشروع يكرس التضامن والتعاضد والتماسك الاجتماعي، ويعطي للحق في الصحة معناه الملموس، ومن شأنه أن يحسن من مؤشرات الخدمة الصحية ويحدث تغييرات إيجابية في علاقة المواطن بالمرفق العمومي".
وشدد على أن "طموحنا الجماعي هو بناء الفرد المتشبت بقيمه الوطنية، المنفتح على العالم، والمدافع عن مؤسساته، المشارك في تدبير الشأن العام، والمستقل في تفكيره والمتخذ لقراراته عن اقتناع وعن وعي. وفي عالم مفتوح، زالت فيه كل الحدود الفكرية، بفضل تكنولوجيا المعلومات، تتعرض القيم الإيجابية للطمس أحيانا أو التهجين أحيانا أخرى، بسبب ما يغمرها من أخبار مضللة ومعلومات زائفة".
وتابع: "لقد ازدهرت خطابات الانطواء والتعصب، ورفض الاخر، والتطرف، والنزعات الانعزالية. وتلك ظاهرة عالمية لا يسلم منها، لربما، أي مجتمع. وهنا تطرح مسألة استبطان القيم الاجتماعية الإيجابية، قيم الانتماء للوطن، والتضامن والتعاضد، والإنتاج والعمل والمبادرة والابتكار والتنافس الشريف، والاستحقاق، وعدم الاتكالية. وهي قيم متأصلة في المغرب، وينبغي تمجيدها واستعادتها في علاقاتنا ومعاملاتنا".
وأبرز على أنه "علينا الاستثمار في السياسات العمومية وفي الفضاءات والقنوات التي تنتج هذه القيم وتكرسها وتنشرها، وهذا استثمار "استراتيجي، منتج"، في العنصر البشري. ويتعلق الأمر بالاستثمار في التربية والتكوين والتعليم والثقافة والابتكار، أي في المدرسة والثانوية والجامعة والبحث العلمي، وينبغي أن يكون للإنفاق العمومي على قطاع التربية والتكوين، الأثر الملموس المتوخى على تحسن المؤشرات المتعلقة بالقطاع. وإذا ربحنا هذا الرهان باستعادة الدور المركزي للمدرسة والجامعة في المجتمع، وفي بنينة القيم، فسنجني بالتأكيد، نتائج إيجابية في مجموع القطاعات".
وأشار إلى أنه "على الأسرة استعادة دورها المركزي في التنشئة والتربية على روح "تمغربيت" وجوهرها الانضباط والوفاء والاحترام والاجتهاد، وربط الحق بالواجب، وإن وسائل الإعلام والتواصل، المفروض فيها تأطير النقاش العمومي والاسهام في ترسيخ الوعي الوطني وتكريس الاختلاف وبناء الشخصية الوطنية، ونحن مطالبون اليوم، وباستعجال، بالوقوف عند استعمالات التكنولوجيات الجديدة في التواصل، ومن حيث المحتويات والخطابات، ومن حيث توظيف التكنولوجيا في الإدارة والحياة العامة".
ونبه إلى أنه "مطالبون بالوقوف المتأني عند ما يتم استهلاكه من محتويات، خاصة من جانب شبابنا. ولعل في الرأي الذي أصدره مؤخرا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأن الأخبار الزائفة، وفي الدراسة السوسيولوجية التي أنجزها مجلس النواب مؤخرا حول القيم، ما ينبه ويدق ناقوس الخطر ويستعجلنا لاعتماد ما يلزم من سياسات وتشريعات، من أجل عكس التوجهات السلبية في ما يرجع إلى هذين الحقلين، بالتحفيز على الاستعمالات الإيجابية لتكنولوجيا التواصل، وعلينا تعزيز التعلق بقيمنا المغربية المشتركة، المتأصلة، والمفتوحة على العالم وثقافاته. وهو ما يشكل الأرضية الأساس، والركيزة المتينة لوحدتنا والتفافنا حول ثوابتنا الوطنية ومؤسساتنا".
وذكر أن "صيانة النموذج المغربي، وتطويره، رهين بمدى تملكه من طرف الجميع، وبمدى شعور المغاربة بأنه يمثلهم ويفيدهم ويستجيب لطموحاتهم وتطلعاتهم. ومن هنا أهمية الاستثمار في الموارد البشرية، والتفاوت الكبير في إيقاعات التنمية قد لا يسعف في تحقيق التماسك الاجتماعي المتوخى. ومن هنا ضرورة العدالة المجالية المؤطرة والمتمفصلة مع العدالة الاجتماعية".