توقف الدكتور الصيدلي يوسف لطرش، منقذ ضحايا جريمة إطلاق الرصاص بمراكش، في الجزء الأول من حوار "تيلكيل – عربي" معه، عند التفاصيل الدقيقة لما قبل إطلاق الرصاص، وبعد وقوع الجريمة، والطريقة التي تفاعل بها في إسعاف المصابين إلى حين حضور الشرطة والوقاية المدنية. واليوم، في الجزء الثاني، يحكي ما حدث مع الضحايا داخل سيارة الإسعاف، والطريقة التي تلقت بها أسرة فاطمة الزهراء الكمراني، الخبر، علاوة على حيثيات مثوله أمام المحققين، وخلاصاته من التجربة.
ماذا وقع لما حضر الأمن والوقاية المدنية؟
"ملي تهز التلفون"، وتم التبليغ عن جريمة إطلاق الرصاص، حضرت الشرطة وعناصر الوقاية المدنية، الذين تجادلت معهم، إذ أرادوا نقل فاطمة الزهراء مستلقية على ظهرها، فاعترضت على ذلك. "تغاوت معاهم" مصرا أن تحافظ على وضعية الاستلقاء على جنبها الأيمن، فتدخل صديق لي، وقال لهم "راه كايهضر معاكم دكتور"، وحينها فعلوا ما طلبته. أما المصاب الثالث، المهدي المساري، فقد كان ثقيلا وتعاونا من أجل نقله إلى سيارة الإسعاف.
بعد وضع الضحيتين في سيارة الإسعاف، هل غادرت المكان؟
لقد رافقتهما في سيارة الإسعاف، وفي الطريق، سألت رجال الإسعاف إلى أي مستشفى سنذهب بالضحايا، فلما قالوا لي المستشفى "السيفيل" (المدني العمومي)، اعترضت بشدة، فقد استحضرت أن إصابة الأخت فاطمة الزهراء، بالغة وخطيرة، ونزفت كثيرا، فلم أعرف المضاعفات التي ستصاب بها، كما تخوفت أن يكون هناك ازدحام في مستعجلات المستشفى العمومي.
ولأنني دكتور صيدلي، "طاحت لي على فمي تسمية مصحة مراكش"، إذ يأتيني كثير من المرضى إلى الصيدلية بوصفات من المصحة المذكورة، وتتمتع لديهم بسمعة جيدة.
وارتباطا بموضوع المصحة، إسمح لي أن أقول لكل من انتقد ندوتنا الصحافية داخلها، ومن اتهمني بالقيام بالإشهار لها، "أقسم بالله لما كنا في الإسعاف، طاحت ف فمي الكلينيك اللي مشينا ليها بدون تفكير مسبق"، ثم والله لا أعرف مالكها، ولم يسبق لي أن التقيته.
ماذا وقع بعدها؟ وهل ظل الضحيتان يقاومان فقدان الوعي؟
لقد تفهم رجال الوقاية المدنية مشكورين، الاعتراض، وأبدوا تعاونا، فكانت الوجهة مصحة مراكش، وبسرعة قياسية، وقبل الوصول، بدأ الألم يشتد لدى الضحيتين، خصوصا فاطمة الزهراء الكمراني، التي بدأت "كاتغوت وكايوصلها الحريق بزاف"، قبل أن تبدأ بالتقيؤ، ثم لاحظنا خروج الدم من فمها، بسبب إصابتها في الكبد والأمعاء والمعدة، وأنا لم أجد ما أفعله من غير "نغوت على السائق: كسيري، كسيري"، فقد بدأت تدخل في "لوشوك" الذي أردنا تفاديه.
ولما بلغنا المصحة الخاصة، أدخلنا الضحيتين إلى مستعجلاتها، فوجدنا طبيبة، سألتنا ماذا وقع؟ فأخبرناها بما جرى، ولم تمر سوى خمس دقائق، حتى حضر البروفيسور الداعلي، مدير المصحة، الذي تعامل معنا ببرودة أعصاب، ولم يهول من الأمر، فزرع فينا الاطمئنان، وحاول تهدئتنا، ثم سأل من جاء بالضحيتين، فقلت له أنا، ثم سألني ماذا أفعل؟ فأخبرته أنني صيدلي.
وكان أول أمر طلبه الأستاذ الطبيب (البروفيسور)، هو أن يخضع المصابان لـ"سكانير"، لمعرفة تفاصيل الإصابة، وكم من رصاصة، ومداها.
ماذا عن أسر الضحيتين؟ متى حضرت إلى المصحة؟
لقد علمت أسرة فاطمة الزهراء الكمراني بالأمر، لما كنا في سيارة الإسعاف، إذ طلبت منها رقم هاتف والدها، فاتصلت به، وتفاديا لأي رد فعل غير مرغوب فيه، قلت له إنني ارتكبت حادثة سير "وقستها، ونحن الآن في الطريق إلى المصحة الفلانية، وراه ماوقعاتش شي حاجة خطيرة".
ولما جاء والدها إلى المصحة، أخبرناه بالرواية الحقيقية لما وقع لابنته، وإلى الآن لا أستطيع محو مشهد رد فعل والدتها لما سمعت بنبأ "القرطاس"، من ذاكرتي، إذ أحسست بحر شديد، وصراحة "الله يسمح لينا من الوالدين"، وعلاوة على صوت الرصاص، مايزال المشهدان يتبادران إلى ذهني، فيغادر النوم جفوني، أما والدها، فقد "فشل" ولم يعاود التحرك من مكانه.
وفيما تم نقل المهدي لاستخراج الرصاصة من رجله، ولحسن حظه لم تكن إصابته بالغة، بدأت فاطمة الزهراء "كاتغوت"، مطالبة بأن يمنحوها مهدئا للألم، أما أنا فحينها بدأت أفقد تركيزي، "بقيت غير كاندور"، فاحتوى الطبيب الوضع، بأن طلب مني أن أحكي له ما وقع، وهو يحاول في الوقت ذاته تهدئة فاطمة الزهراء، وفي أقل من 10 دقائق، ظهرت نتائج "السكانير"، فتم نقل الفتاة الضحية إلى قاعة العمليات الجراحية.
هل تعلم كم من الرصاصات أصيب بها الضحيتان؟
فاطمة الزهراء، أصيبت برصاصة واحدة، وليس بشظايا كما يقال، والشيء نفسه للمهدي المساري، وهو رصاص حي، رأيت ناره مشتعلة لما خرج من المسدس.
وكانت إصابة الفتاة، في الجانب الأيسر من بطنها، ووفقا لما حكاه لي البروفيسور، فالرصاصة خلفت إصابات في معدتها وفي أمعائها، وجزء من الكبد. أما استخراج الرصاصة، فتم من ظهر الضحية. وبعد نجاح العملية نقلت إلى قسم الإنعاش.
وبعدها، هل عدت إلى مسرح الجريمة؟
لا. لقد ظللت في المصحة، وقدمت أسرتي للاطمئنان علي، فقد اعتقدوا أنني من المصابين، إذ رغم أن أصدقائي أخبروا أسرتي بأنني رافقت الضحايا فقط، اعتقدت أنهم يخفون شيئا ما، ويخافون عليها من صدمة ما، أما والدتي فكانت تبكي في الهاتف، وتعتقد أنني من أصيب في رجله برصاصة، ولم تصدق أنني غير مصاب حتى أكد لها أطباء المصحة ذلك.
بماذا انتهت حالة التيه التي أصبت بها؟ ألم تأتك صدمة ارتدادية بعد هدوء الأمور؟
لم يحدث ذلك فورا، فقد دخلت إلى بيتي، ونزعت عني قميصي الملطخ بالدماء، وحكيت للأسرة ما وقع، ولما حاولت النوم، داهمتني تفاصيل الأحداث، واسترجعتها منذ بدايتها، فلم يتسرب النعاس إلى عيني تلك الليلة، خصوصا بسبب صوت الرصاص الذي كان يتردد صداه في سمعي وذهني.
وفي الصباح، أول ما قمت به، أنني تدبرت باقتين من الأزهار، فذهبت إلى المصحة، حيث زرت الأخ المهدي المساري، فتناولت معه وجبة الفطور داخل غرفته، وتبادلنا الحديث و"ضحكنا"، ثم ذهبت نحو والد فاطمة الزهراء التي مازالت حينها في الإنعاش، ثم نزلت إلى قسم الإنعاش وألقيت عليها نظرة، وهو ما واظبت عليه في بقية الأيام، مرتين في اليوم، إلى أن غادر الضحيتان المصحة.
تبدو شاهدا رئيسيا في مسرح الجريمة، ألم يتم استدعاؤك من قبل المحققين؟
لقد مثلت أمامهم من تلقاء نفسي، إذ بعد زيارتي للضحيتين في المصحة، ذهبت إلى "السونطرال"، وهناك طلب مني شرطي الاستقبال بطاقتي الوطنية للتعريف، ثم وجهني إلى الشرطة القضائية، التي استقبلتني، وأخبرت عناصرها أنني "كنت في مسرح الحادث، وقد رافقت المصابين إلى المصحة، والآن جئت للمثول أماكم إذا ما احتجتموني، سيما أنني ظهرت في أشرطة الفيديو"، وبعدها طلبوا مني أن أحكي لهم الوقائع، فسردتها لهم.
ومن الأسئلة التي وجهها إلي المحققون، أثناء تلقيهم لتصريحي، هل أشك في أن تكون جهة ما وراء تدبير الحادث، وهل رأيت ملامح المنفذين (...)، وبعدها تركت لهم رقمي، وطلبوا مني ألا أغادر مراكش، فربما يحتاجونني.
بعد الإعلان عن إيقاف الأجنبيين المشتبه فيهما، ألم يتم استدعاؤك مجددا للتعرف عليهما؟
بالفعل، حدث ذلك بعد مرور يومين، إذ تم استدعائي، وعرض علي عدد من الأشخاص المشتبه فيهم، لكنني لم أستطع أن أفيد المحققين، وكررت أمامهم أن المنفذين كانا يرتديان ملابس سوداء ولم ينزعا الخوذات، ما حال دون رؤيتي لملامحهما
في الندوة الصحافية بدت الناجية ممتنة لك، فما تعليقك؟
أنا لم أقم إلا بواجبي الشخصي الإنساني أولا، ثم الواجب المهني.
ماذا عن خلاصاتك من وراء هذه التجربة القوية؟ هل تغير فيك شيء ما؟
سؤال مهم جدا (..) وخلاصاتي، أولا أتمنى أن يحظر السلاح "والقرطاس" في العالم، وليس في المغرب فقط، وأن يعود الناس إلى الله، ويدركوا أن موت "الغفلة" حقيقة، وعلى الإنسان أن يجعل يقينه في الله، فالأسباب متعددة لكن الموت واحد، وأطلب من الله أن يحمي بلدنا، ويجعلنا بلدا آمنا مطمئنا، كما أتمنى أن تتوقف الجريمة وأساليبها عن التطور في بلادنا.
وختاما، علىالإنسان أن يكون إنسانيا قبل أي شيء.
أطلب منك كلمة أخيرة، أو رسالة إلى كل الذين تفاعلوا مع الجريمة بأشكال متعددة؟
أتوجه إليهم أن "يلعنوا الشيطان"، ويتوقفوا، خصوصا، عن "الخزعبلات" التي ينشرونها في "فيسبوك"، سيما الوصم السلبي في حق الضحايا، الذي صل حد قول البعض في حق الفتاة إنها تستحق ما وقع لها.
أقول للجميع إنني تعرفت أكثر على الضحيتين بعد الحادث، والتقيت الأسر، وكلهم أناس طيبون "والله يعمرها دار"، والمسألة الثانية، ألتمس من الجميع، الكف عن نشر صور الجريمة وضحاياها، فوضعية أسرة المرحوم حمزة بن الشايب "لا يعلم بها غير الله، والله إصبرهم"، وندعو الله ألا يتكرر مثل هذا في وطننا وفي العالم.
لقد كانت جريمة غير عادية ولن تنمحي من ذاكرتي ما حييت، أما وقعها علي شخصيا، فقد جعلتني أتقوى أكثر، وجعلتني أتقرب أكثر إلى الله.