كتابه "الظهير البربري: أكبر أكذوبة سياسية في المغرب المعاصر"، الصادر في 2002، كان له وقع القنبلة، لكن محمد مونيب، الذي توفي الأسبوع الماضي، يعد أيضا، رجل حوار. هنا عودة إلى مسار كاتب عام سابق لعمالة أكادير، لم تمنعه وظيفته من فرض نفسه رمزا من رموز الحركة الأمازيغية منذ بداياتها.
في الأحد 3 دجنبر الجاري، بكت أكادير رحيل ابنها البار. يتعلق الأمر بمحمد مونيب، الذي توفي في سن 83 عاما، مخلفا وراءه صورة شخص إنساني، مستوى التزامه ليس له نظير غير طابعه المتحفظ.
بالنسبة إلى الجمهور الواسع، هو أولا مؤلف كتاب "الظهير البربري: أكبر أكذوبة سياسية في المغرب المعاصر"، المؤلف الذي حاول فيه توضيح حقيقة مقتضيات أكبر ظهير سلطاني إثارة للجدل، صدر خلال فترة الحماية الفرنسية بالمغرب.
فرسميا، الظهير المؤرخ في 16 ماي 1390، اسمه "الظهير المنظم لسير العدالة في القبائل ذات الأعراف الأمازيغية التي لا تتوفر على محاكم لتطبيق الشريعة"، صدر عن الحماية الفرنسية ووقعه السلطان محمد بن يوسف (محمد الخامس)، وتم التنديد به طويلا من قبل الحركة الوطنية، الذي رأت فيه سعيا إلى التفريق بين الناطقين بالعربية والناطقين بالأمازيغية في المغرب.
"محمد مونيب كانت له الشجاعة في نزع عقد تاريخ المغرب المعاصر من خلال ذلك الكتاب الذي كشف حقيقة البعد الجغرافي للظهير عوض العرقي"، يقول منير كجي، الناشط الأمازيغي، مضيفا "من أجل اعتبارات سياسية لها خلفية إديولوجية محضة، لم تتتملك الصحافة المغربية لتلك الفترة المضمون، ولكن ذلك لا يمنع واقع أن الكتاب كشف حقائق تاريخية لم يرد عليها قادة الحركة الوطنية".
وبالنسبة إلى الناشط الأمازيغي، ذلك الكتاب، "رفع عائقا كبيرا أمام النشطاء الأمازيغيين الذين كانوا يتهمون بأنهم انفصاليون كل مرة رفعوا فيها مطالب حول الحقوق الثقافية واللغوية"، وهو ما فتح الباب أيضا أمام تواتر نشر أبحاث وأطروحات أخرى حول موضوع الظهير.
بيته "زاوية"
في نهاية تعرفه على ردهات الإدارة المغربية، التي مارس فيها إلى حين تقاعده، انكب محمد مونيب على تحليل أرشيف الجريدة الرسمية خلال عهد الحماية، "وبفضله يمكن تصحيح كثير من أجزاء تاريخ المغرب"، يقول منير كجي، فقد كان الراحل من الجيل الأول للمغاربة الذين تمكنوا من ولوج الإدارة خلال عهد الحماية.
مونيب، الناجي من زلزال أكادير لـ1960، استثمر روحه وجسده في إعادة بناء المدينة، متبعا مخططات التهيئة السابقة، ويقول عبد الله بوشطارت، الصحافي في قناة "تمازيغت" العمومية، إن "المدينة فقدت كثير من أفراد نخبتها، وهاجر آخرون، والراحل محمد منيب، ظل طيلة حياته مرجعا كبير لكل الشباب، الذين كان يشجعهم بدون أن ينتظر مقابلا".
وتدرج محمد مونيب في سلالم الإدارة حتى صار كاتبا عاما لعمالة مدينته أكادير، وهو المنصب الذي لم يغير شيئا من نضاليته، إذ يقول الكاتب محمد أودادس، الذي احتك بالراحل: "كان بإمكانه أن يكون عاملا لوزارة الداخلية، وأكثر، لكنه لم يختر تلك الطريق، فقد كان شخصا ذو تفكير وبديهة عميقين".
ويعد منزل محمد مونيب دليل ارتباطه الوثيق بالعلم والمعرفة، إذ كان مرادفا لساحة "الأكورا"، وحسب كثير من أصدقائه، كانت "الفيلا" التي يقطن بها "زاوية" للثقافة، ومزارا لكل الشخصيات المثقفة الكبيرة التي تأتي إلى أكادير.
بيت الراحل "كان يحتضن نقاشات سياسية وثقافية، ويحوي كتبا لا تقدر بقيمة"، يقول كجي، متحدثا عن "حكيم يحظى بتقدير الحركة الأمازيغية عبر العالم".
في كل المعارك
رغم صفته موظفا في وزارة الداخلية، التزم محمد منيب جمعويا، فـ"من النادي الثقافي لأكادير في الستينات، إلى الجامعة الصيفية في نهاية 1970، وصولا إلى جمعيات عادية خاصة بالأحياء وتهتم بالثقافة، نجد اسم محمد منيب في كل المبادرات المدنية في أكادير"، يقول رشيد بوقسيم، مدير مهرجان "إسني ن وورغ"الدولي للفيلم الأمازيغي.
محمد مونيب هو أيضا رجل يفتن بروحه التربوية وتواضعه الشديد، ويقول أحمد الدغرني، مؤسس الحزب الديمقراطي الأمازيغي في 2007، "التقيته أول مرة في 1983 خلال الجامعة الصيفية لأكادير، وأحتفظ له في ذاكرتي بصورة رجل مثقف، يحب النقاش والحجاج"، مضيفا "كان يقوم بذلك ببراعة راقية، في سياق تميز بمعاداة الحداثة".
في 2004، أطلق مونيب، حركة "تيداف" (النهضة)، في سياق وطني وسمه الخطاب الملكي لأجدير، الذي مهد لورش الاعتراف بالهوية الأمازيغية، وكان لتلك الحركة هدف يرمي إلى التنديد بمضامين خاطئة حول تاريخ المغرب في المناهج المدرسية، بسبب غلبة الحقائق غير العلمية، أو الإديولوجية المحضة.
"لقد رفع منيب دعوى قضائية ضد وزارة التربية الوطنية، ترمي إلى سحب كل المضامين المضللة حول الظهير الشهير (ظهير 16 ماي 1930)، الشيء الذي أزعج كثيرا من أصدقائه في الوزارة"، يتذكر رشيد بوقسيم، تلك الواقعة، التي تلاها في 2010 إصدار كتاب "الظهير البربري في المناهج المدرسية".
في الظل
عضو مؤسس للكونغريس العالمي الأمازيغي في 1995، ومجموعة "الاختيار الأمازيغي" في 2007، رفقة محمد شفيق وليلى بنجلون أمزيان، تميز محمد مونيب بالحكمة، وهي الخصلة التي جعلته يتمتع دائما بالتقدير في أعين المتعاملين معه، بالقدر نفسه الذي كان رجل إجماع، أهله للتحرك في الكواليس.
ومن أمثلة ذلك، ما حدث في 20 غشت 1994، حينما أعلن الحسن الثاني لأول مرة، رأيه الإيجابي بشأن تدريس "تمازيغت" واستعمالها في وسائل الإعلام، فخلال تلك الفترة كان نشطاء أمازيغيون معتقلين على خافية أحداث بلدة كلميمة في الجنوب الشرقي، "كنا في مهرجان سينما الشعوب الأصلية في فرنسا، ونعد اجتماعات من أجل تأسيس الكونغريس العالمي الأمازيغي، فوجد محمد منيب الكلمات المناسبة لإقناع بعض المعترضين على نشر بلاغ يشيد بمبادرة الملك".
ومن علامات القدر، أن الحفل التأبيني الذي سينظم لمناسبة مرور أربعين يوما على وفاة محمد مونيب سيتزامن مع "إيض إناير"، رأس السنة الأمازيغية، وبالنسبة إلى الذين عايشوه، أفضل تكريم يمكن القيام به لفائدة محمد منيب، هو إعطاء اسمه لشارع كبير أو مركب ثقافي في أكادير، المدينة التي أنجبت هذا المناضل منذ زمن مبكر.