مرة أخرى يعود بنا النقاش إلى الفصل 222، فصل مدني لكن بروح دينية! فصل قانوني وإن كانت بعض القوانين غير عادلة عندما تبنى على التمييز بين الناس باسم الانتماء الديني والاختيار العقدي.. مرة أخرى نرقص على الجراح كي لا تجف، لا نضع الأصبع على الجرح وإنما نعتبره عرضا وسيزول غير آبهين بالمرة بأن الجراح تتعفن ثم تنتشر في أفق البتر للحد من الانتشار.. النتيجة جسد معاق أو منقوصة بعض أعضاءه.. نتيجة النتيجة: جسد مقعد معطل لا حول له ولا قوة. ربما حان الوقت كي أنشر غسيل مجتمعنا المتناقض، مجتمعنا المنفصم حد القرف ومجتمعنا المقرف حد الانفصام. سأنشر الغسيل وأنا لا أروم الدفاع عن أحد لأن هذا ليس من مهمتي، سأنشر الغسيل بغرض الشغب وتحريك مياهنا الراكدة العفنة والنتنة. سأنشر الغسيل مصورا ما يحدث، وسيكون من العار أن يقول لي أحدهم: أصمت من هذا الافتراء وابتلع لسانك لأن تهرطق.. على العموم اطمئنوا أيها القراء لأني لن أفتري ولن أهرطق. سأحدث وسأكتب عما رأيت وأرى. اربطوا الأحزمة واستعدوا للإقلاع.. لا ضمانة في الوصول.. قد نصل وقد لا نصل.
هناك منطقتان لكل واحد منا، وهما منطقة الظل ومنطقة الضوء، منطقة الظل نمارس فيها فواحشنا وفضائحنا، منطقة نقول فيها أشياء لن نقولها لأحد حتى ولو كنا في أرقى درجات الثمالة. منطقة الظل حميمية، لكن حميميتها تبدأ من عندنا وتنتهي إلينا. منطقة خاصة بنا فقط لا يمكن أن نشاركها أحدا كما نتردد مليا في كتابتها على سطور مذكراتنا.
منطقة الضوء رسمية أكثر من الرسمية عينها، هي المنطقة التي يرانا فيها الجميع ونرى فيها الجميع كذلك، نظهر فيها كل ما من شأنه تجنيب نظرة الغير لنا وتعليقاتهم. نحاول أن نكون فيها لطفاء حد الكياسة، أناسا متحضرين متدينين يتقون الله ويطيعون رسوله الكريم. أفرادا نبدو قانتين متواضعين إذا أصابتهم مصيبة قالوا نحمد ربنا ونستغفره وإليه نتوب.
عندما نعود إلى منطقة الظل نزيل قناع التوبة لصالح قناع الرياء، نفعل ونمارس ما كنا نتحاشاه ونحن في منطقة الضوء، ونقول ما كنا صامتين عليه كذلك. ثم نخرج مرة أخرى إلى منطقة الضوء فنرتدي القناع الذي يليق بها. هذه هي يومياتنا المتواصلة وهذا هو واقعنا الذي نعيش على إيقاعه الرتيب تارة والحركي تارة أخرى.
لقد قلت كل هذا كي أعود إلى مقتضيات الفصل 222 أو فصل العار، عار لأن ليوطي من وضعه، نعم هو بعينه، ليوطي المستعمر الذي وضع له تمثال في قلب الدار البيضاء، ولازال جاثما لحد الساعة على صدورنا في قلب القنصلية الفرنسية كي يذكرنا بأننا كنا مستعمرة إذا نسينا ذلك، عندما توفي الجنرال ليوطي بكاه المغاربة.. ثانوية محمد الخامس كان اسمها في الأصل ثانوية ليوطي، واليوم توجد ليسي ليوطي التابعة للبعثة الفرنسية، تخيل أننا بجلنا المستعمر فبات اليوم رمزا من رموز تاريخنا الغريب والمقلوب، هل كان الفرنسيون سيطلقون اسم هتلر على إحدى ثانوياتهم لا لشي سوى لأنه استعمرهم إبان حكومة الفيشي؟
ظاهريا وضع ليوطي هذا القانون احتراما لشعائر المسلمين، يقال إن القانون وضع كي يعاقب المستعمِر حتى لا يستفز مشاعر المستعمَر. هل يوجد استفزاز أكبر من أحداث الدار البيضاء والإنزال العسكري وأحداث واد بوفكران ومعركة الهري واستغلال ثرواتنا الطبيعية والبشرية..؟ هل يوجد استفزاز أكبر من اغتصاب أراضينا ونساءنا وتشريد عائلاتنا وبيع وطننا في المزاد العلني؟ لو كان الأمر صحيحا لوضع ليوطي قوانين أخرى تجرم شرب الخمر في الحانات وبيعه كذلك لأننا في أرض الإسلام. كان من الأجدر أيضا ألا "تتبرج" نساؤهم لأن في هذا الأمر أيضا استفزازا لمشاعر المسلمين، دور السينما والمسابح والشواطئ والكنائس يجب أن يسري عليها ما يسري على الإفطار العلني في رمضان.
باطنيا وضع ليوطي هذا القانون كي يبدو للمغاربة شخصا ذو غيرة على الإسلام، إذا أردت أن تكسب أو تخسر المغربي عليك بدينه، أو بالأحرى بفهمه للدين. طبق ليوطي قاعدة ماكيافيلية توجد في كتاب "الأمير" مفادها أنك إذا أردت استعمار شعب دون أن يفكر في طردك أو التحريض عنك، فما عليك إلا أن تحمي ثقافته وإرثه التقليداني، ليوطي ماكيافيليًّ أكثر من ماكيافيل، والفصل 222 مجرد خذعة كسب بها العامة. سيبقى ليوطي مستعمرنا الذي عاث في الأرض فسادا وقسم بلادنا إلى المغرب النافع وغير النافع. لذا فما الذي تنتظره من مستعمرك وهو ينظر إليك بازدراء واستخفاف؟
بعيدا عن ليوطي صاحب فكرة القانون الجنائي الذي تم وضعه سنة 1913 ليتم تعديله بعدئذ، وتحديدا سنة 1933، وقريبا مما حصل يوم البارحة حينما أمسكت الشرطة بشباب يجلسون في إحدى مقاهي شارع أنفا، كانت "الصحافة" حاضرة، ربما تملك آلة لاستباق الزمن أو أن لها مندسين في جهاز الشرطة يمدهم بالمعلومة قبل ان تخرج إلى حيز التنفيذ. ألم تكن الشرطة تعلم بهذا الأمر مسبقا وهي التي فككت وتفكك عشرات الخلايا الإرهابية التي تعمل بسرية تامة؟ أليس في هذا الأمر تناقضا؟ ثم ولماذا في هذه الظرفية بالذات؟ هل يجب تحويل عامة الناس وجهالهم السقّاط من نقاش "الشيخ والشيخة" العقيم إلى نقاش أكثر عقما "الإفطار العلني في رمضان" وذلك بغرض زيادات جديدة في الأسعار وإلهاء الجميع بمواضيع عقيمة لن تفيدنا في شيء؟
مجتمعنا منفصم جدا يلعب لعبة القط والفأر بين منطقتي الظل والضوء، مجتمعنا الذي يجرم الإفطار العلني في رمضان ويعتبره استفزازا لمشاعرنا، هو نفسه الذي يبيع صوته في الانتخابات بأبخس الأثمان على مرأى ومسمع من وزارة الداخلية، ثم يبدأ في سب الأحزاب السياسية وفسادها.. مجتمعنا هو الذي يقدم رشوة تبدأ بورقة نقدية من فئة 20 درهما والله وحده يعلم أين تنتهي.. مجتمعنا أغلب ناسه يكذبون وينافقون ويفترون مع علمهم رفض الإسلام لذلك.. مجتمعنا أغلب أفراده يحملون قرضا بنكيا أو أكثر، ألم يحرم الله الربا وقد كانت من الكبائر؟ مجتمعنا فساده أكبر مما نتصور، فساده يبدأ من أعلى الهرم إلى أسفل قاعدته، والكل يعلم ويتظاهر بأنه لا يعلم علما أنه يعلم بأنه يتظاهر أنه لا يعلم.. مجتمعنا أغلب أناسه يغشون، من بائع اللبن والحليب وزيت الزيتون واللحوم والفواكه والخضر والأسماك والألبسة.. إلى أصحاب الصفقات الكبرى وأصحاب الشركات العملاقة وشركات التأمين والمحروقات والمؤسسات القضائية والصحية والتعليمية والمالية والأمنية والبرلمانية.. مجتمعنا حسب إحصائيات غوغل يعتبر من بين الدول المدمنة على المواقع الإباحية.. مجتمعنا من بين المجتمعات التي تكثر فيها نسبة التحرش بشدة. على العموم هناك إحصائيات رسمية تتحدث عن نسب مهولة في الإجهاض والفساد والرشوة وخيانة الأمانة والشطط في استعمال السلطة واستغلال المال العام وبيع وشراء الذمم.
كنا سنحترم الفصل 222 إذا كانت كل الفصول دينية منها ما يجب من خلاله معاقبة تارك الصلاة ومنها ما يجب معاقبة الذي لا يزكي مع ضرورة قطع يد السارق وما أكثر اللصوص سواء الكبار منهم أو الصغار. إضافة إلى جلد الزاني كما ورد في الآية الكريمة من سورة النور: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين." المرجو تدبر الآية الكريمة.
هذا هو مجتمعنا المنفصم الذي يقبل تارك الصلاة علما أنها عماد الدين ومن تركها فقد كفر. وهو الذي يعتبر الممارسة الجنسية خارج مؤسسة الزواج مفخرة، هو الذي لا يعاقب شارب الخمر بل إنه يتوسل إلى عائدات الخمر لسد ثقوب الميزانية. هو الذي يفعل كل ذلك عن وعي وعلم وقصد لكنه في نفس الوقت يمتنع عن أكل لحم الخنزير لأنه حرام ويجرم كذلك الإفطار العلني في رمضان غيرة على الإسلام والمسلمين. فظيع هذا الذي يحدث وكأننا في مستشفى شاسع للأمراض العقلية.
أخيرا يكفي أن تذهب إلى المسجد يوم فاتح شوال كي تؤدي فريضة المغرب، ستجد بيت الله فارغا إلا من رحم ربك، أين ذهب الجمع؟ الله واحده يعلم. وأخيرا مما تم تأخيره، سأختم كلامي عبارة قالتها أحلام مستغانمي ولكم أن تتمعنوا فيها جيدا يا أولي الألباب: "رجل حاول ألا يبتلع نقطة ماء أثناء الوضوء في رمضان، لكنه ابتلع حصة أخته من الميراث ومترين من أرض الجيران، وابتلع مترا من الشارع العام."
إلى لقاء قريب.