اكتشفت وسائل الإعلام حكيم الوردي في القضية التي سُلطت عليها الأضواء، والمتعلقة بمعتقلي حراك الريف الأربعة والخمسين، والتي ينتصب فيها ممثلا للنيابة العامة. بعد توالي الجلسات، أعطى دروسا للمتهمين، هاجمهم أحيانا، ونال إعجاب البعض منهم!
كان حكيم الوردي، المدعي العام في قضية ناصر الزفزافي وبقية الثلاثة والخمسين متهما بالغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، غير معروف، لكنه اندفع إلى الأضواء بعد أن اهتمت الصحافة بالقضية، رغم ما يفرضه عليه عمله من واجب التحفظ، والإبقاء على بعض من الغموض حول شخصه.
وأكثر ما أثار انتباه الصحافيين، الذين ألفوا ارتياد القاعة 7 بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، دقة تدخلات الوردي ومستوى لغته وفصاحته، فيما يهتم المحامون بمشاكسته ومعرفته الدقيقة بالنصوص القانونية. فقد استطاع، في ظرف 15 سنة من التجربة، أن ينال احترام عدد كبير من رؤسائه ومن زملائه، الذين يصفونه بأنه "شخص نزيه، يسهُل التعامل معه، ومَرحٌ بقدر صرامته في مرافعاته". إنه يمثل الجيل الجديد من الوكلاء العامين للملك، يفترض فيهم أن يغيّروا صورة جهاز يثير النفور والرعب...
"إلا الملك"
استطاع حكيم الوردي أن يظهر بصورة بعيدة عن صورة وكيل الملك البارد والصارم، حيث يبدو نشيطا وحيويا خلال الجلسات الأربعة الأسبوعية في قضية الحراك. وهذا واحد من أكثر المتهمين نقدا، وهو مدير موقع "بديل"، حميد المهياوي، يقر مرة بأنه "يقدّر الوكيل"، بل قال إنه يمضي "وقتا ممتعا عندما يزوره في سجن عكاشة".
لا يرد على بعض العبارات القدحية والساخرة للمتهمين إلا بابتسامة عابرة، تفاديا للدخول في سجالات كلامية لا تنتهي مع خصومه، مفضلا أن يكون أكثر بيداغوجية من خلال تصحيح بعض النواقص القانونية وشرح بعض المصطلحات العصية في قانون المسطرة الجنائية. لكن للوردي أيضا لحظات غضب. فهو لا يتحمل الهجوم على استقلالية النيابة العامة، "الهدف السهل"، لمحاميي الدفاع في بداية القضية، كما يخرج عن طوره عندما يهمّ الأمر المس بالمؤسسة الملكية. كما حدث يوم الاثنين 23 أبريل، وهو يوم حزن في الملف، بعد وفاة والد أحد معتقلي الحراك، إلياس حجي. في بداية الجلسة، عبّر المتهمون، الذين تمت المناداة عليهم واحدا بعد الآخر من طرف القاضي علي الطرشي، بصوت عال، من صندوقهم الزجاجي، عن عزائهم لزميلهم المعتقل، دون نسيان "تحميل المسؤولية للدولة والنيابة العامة في هذه الكارثة الإنسانية". ومرت "الجنازة المرتجلة" بهدوء إلى أن أعلن أحد المتهمين، وهو جواد بلعالي، أن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية السيئة في الريف يتحمل مسؤوليتها الملك محمد السادس. وما كان من حكيم الوردي الغاضب إلا أن قاطعه بعنف وخاطبه منبها إياه: "أنت لا تعي خطورة أقوالك"! وهذه من المرات القلائل التي يُرى فيها وهو يقف من كرسيه من أجل توقيع كلماته في نفس مخاطبه.
قاض بمحض صدفة تقريبا
رأى حكيم الوردي النور سنة 1978 بالدار البيضاء بالحي الشعبي "درب لوبيلا"، غير بعيد عن المدينة القديمة، من أب ميكانيكي وأم ربة بيت. درس بالمدرسة الابتدائية سيدي محمد بن عبد الله، وبإعدادية ابن بطوطة، قبل أن ينهي دراسته الثانوية بثانوية مولاي إدريس الأول، حيث حصل على الباكلوريا، شعبة الآداب العصرية، بميزة "حسن" وبمعدل 15 على 20، وفي الرتبة الأولى على مستوى مقاطعة أنفا. وترك جانبا ميولاته للأدب والفلسفة، ليسجل نفسه بكلية الحقوق بعين الشق، في شعبة اعتبر أنها قد تضمن له وظيفة...
كان مجتهدا، يواضب على الجلوس في الصف الأول لمدرج "گراندايزر" (أو "گولدوراك" بالنسبة للذين ألفوا المكان) – وهو فضاء يستقبل أكثر من ألف طالب تتلاحم مرافقهم-، حيث أثار انتباه أحسن أساتذته؛ أستاذ العلوم السياسية عبد اللطيف أگنوش، محمد معتصم المستشار الحالي للملك، والذي كان في ذلك الحين وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان وأستاذا للقانون الدستوري، وأيضا محمد أتركين، عضو المحكمة الدستورية...
في فترات الفاصلة ما بين الدروس، كان ينخرط في مجموعات النقاش للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، حيث رافق القاعديين والاتحاديين ومناضلي الحركة الأمازيغية، دون أن ينخرط في أي توجه إيديولوجي. وكان صيته قد ذاع بين زملائه ببيعه ملخصات للدروس. وفي نهاية سنته الثانية من الإجازة، سجّل نفسه، في إطار نزوة ظنها عابرة، لاجتياز مباراة المعهد العالي للقضاء، الذي نجح فيه، ليكون من بين 25 مرشحا من أصل 1000 الذين التحقوا بالفوج الثالث والثلاثين. وأصر، في الوقت ذاته، على متابعة دراسة القانون في الكلية، متمنيا أن يصير أستاذا جامعيا أو يرتدي بذلة محام.
متخصص في الجرائم المالية
كانت اختياراته لمواضيع بحثه الجامعي تكشف اهتماما بقانون الأعمال والجرائم المالية. وفي بحث تخرجه لدبلوم الدراسات العليا التطبيقية، عكف على الملكية الصناعية. وفي المعهد العالي للقضاء، اهتم بـ"المظاهر القانونية للعلامة التجارية في القانون الوطني والدولي والاجتهاد القضائي". هذا الميل إلى الجرائم المالية سيقوده، خلال تداريبه، إلى المشاركة في القضايا الكبرى التي همت تحويل المال العام والتي حركت السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين في المغرب.
وتحت إشراف قاضي التحقيق جمال سرحان، شارك الوردي في البحث في قضية السليماني-العفورة. وكان عبد المغيث السليماني قد أدين سنة 2007، بـ16 سنة سجنا من أجل تبديد أموال عمومية، قبل أن يستفيد من العفو في 2009.
أما عبد العزيز العفورة، العامل السابق لعين السبع الحي المحمدي، فقد أدين ابتدائيا بعشر سنوات سجنا من أجل "الشطط في استعمال السلطة والمشاركة في تبديد أموال عمومية"، قبل أن تتم تبرئته من طرف المجلس الأعلى لغياب وثائق أصلية تدعم الاتهام.
كما شارك حكيم الوردي في التحقيق في الفضيحة المالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بعد أن كشف تقرير برلماني أن ما لا يقل عن 47 مليار درهم اختفت من الصندوق.
وفي سنة 2013، تمت ترقيته إلى نائب وكيل العام للملك بالدار البيضاء، ليصبح في سن الخامسة والثلاثين أصغر ممثل للنيابة العامة في تاريخ المغرب. ومنذ ذلك الحين، يتم تكليفه بالجرائم المالية، وهو الذي طالب بمتابعة زين العابدين الحواص، المنتخب الاستقلالي بحد السوالم، والذي شغل الرأي العام في قضية "الـ17 مليار سنتيم" التي قيل إنه تم حجزها في بيته.
بالموازاة مع كل ذلك، يحضّر دكتوراه حول النزاعات المتعلقة بعناوين المواقع الإلكترونية. وهو من الآباء المؤسسين لنادي قضاة المغرب سنة 2011. وفضلا عن ذلك، ليس الوردي إلا رئيس تحرير مجلة الفرع البيضاوي لنادي القضاة، التي أطلقها سنة 2012. وقد أصدرت المجلة خمسة أعداد وبفضل جهوده يتم بيعها بشكل كبير، حسب أحد المقربين منه.
ترجمة : موسى متروف