سبق وحبس بسبب تهمة الضرب والجرح عام 2013، ودخل الإصلاحية 12 عاماً قبل ذلك بتهمة السرقة، ليختار حياة الشارع بعيداً عن مسقط رأس في مدينة بني ملال. جرائمه حيرت السلطات الأمنية، وتطلب الأمر شهوراً لتحديد هويته، بل تم توقيفه في المرة الأولى وإخلاء سبيله، ليصل عدد ضحاياه قبل اعتقاله 8 مشردين قضوا بضربة بواسطة حجر على الرأس.
"تيل كيل عربي" ينقل مشاهد من حياة "مهشم رؤوس المشردين"، الذي غادر الدراسة باكراً، ونفذ أكثر من جريمة في مناطق متعدد، ليختار الصمت أمام المحققين.
مسار حياته
مثل المشتبه فيه بتهشيم رؤوس عدد من المشردين، يوم أمس الأربعاء، أمام قاضي التحقيق بعد إنجاز مسطرة البحث التمهيدي في حقه، من قبل الشرطة القضائية بولاية أمن أكادير، والاستماع إليه وفق محاضر البحث التمهيدي، بعد إحالته على النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بأكادير.
ومع بدأ التحقيق التفصيلي، بدأت أولى خيوط مسار حياة مهشم رؤوس المشردين تظهر، بعد أن وضع منذ يوم 12 مارس الماضي، قيد الاعتقال الاحتياطي في السجن المحلي رقم 2 في أيت ملول.
من مواليد عام 1989، ورغم أنه لم يتجاوز الثلاثين، فبنيته الجسمية لا توحي بسنه. ابن بلدة "وانداس" بإقليم أزيلال، أعزب، غادر فصول الدراسة منذ التاسعة أساسي (الثالثة إعدادي حاليا)، وكان يدرس في قرية "تيزي نيسلي" في القصيبة ببني ملال، ويحسن القراءة والكتابة.
وبحسب معلومات حصل عليها موقع "تيل كيل عربي"، ففي عام 2013، قضى المشتبه فيه عقوبة حبسية مدتها سنة واحدة نافذة بسبب إدانته بجنحة "الضرب والجرح"، ليغادر أسوار السجن عام 2014، وعمره آنذاك 24 عاما ونيف.
وقبل أكثر من 12 عاما، من واقعة عام 2013، توبع في قضيتين من أجل السرقة الموصوفة والاعتداء بالسلاح الأبيض والضرب والجرح. وأحيل على مركز حماية الطفولة، فصار "سلوكه عدوانيا بعد مغادرته للمركز"، حسب مصادر مطلعة على ملفه، تحدثت لـ"تيل كيل عربي"، ونفت أن يكون قد تعرض لأي اعتداء جنسي في حياته.
هجر بيت والديه في بني ملال، واختفى عنهم لسنوات من دون أن تعرف أسرته إلى أين رحل. لينطلق بعدها في مسار جديد، ويعيش حياة التشرد لأكثر من عشر سنوات بعد مغادرته مركز حماية الطفولة، وأصبح يتنقل بين مناطق تارودانت وأكادير وشيشاوة والأوداية مشيا على الأقدام، من دون أن يستعمل وسائل النقل، إلا في حالات محدودة، وصار يخالط المشردين ويقبل على مواقعهم ويعاشرهم.
لغز جرائمه
أولى الجثث التي سقطت على يد المتهم، تعود للأسبوع الأول من العام الماضي (2017)، حينما عثرت مصالح الشرطة القضائية بالمنطقة الإقليمية لأمن بيوكرى (اشتوكة أيت باها) على جثة متشرد يتجاوز عمره الخمسين عاما، ينحدر من قرية لكفيفات بأولاد تايمة (تارودانت)، على مقربة من أرض خلاء مقابلة للحي الصناعي بالمدينة.
المحققون عاينوا جثة الضحية الأولى، وبها جرحين غائرين على جبينه وجروح على مستوى الذقن واليد وكدمات في الجسم. ليتواصل حصاد الضحايا من المشردين ويرتفع إلى خمسة على مستوى النفوذ الترابي لولاية أمن أكادير.
بعدها بأيام من سقوط الضحية الأولى، وفي نفس الشهر سقطت جثة ثانية جديدة في أيت ملول مهشمة الرأس بواسطة حجر، وجثة ثالثة في يناير 2018 في إنزكان، وجثة رابعة خلال اليوم الموالي في أيت ملول، وجثة خامسة بمحاذاة قنطرة وادي سوس. وهي كلها لضحايا سقطوا بطريقة مشابهة، بعد الاعتداء عليهم بحجر، كما أنهم يتقاسمون وضعية العيش في الشارع.
أمام هذا الوضع، اضطرت السلطات الأمنية للقيام بحملات تمشيط واسعة من أجل تعقب ملاذ المشردين في مناطق سوس، بتنسيق مع عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، لتوقيف عدد من المشتبه فيهم.
وخلال هاته العمليات تم توقيف المتهم، لكنه تمكن من الإفلات من قبضة الأمن، بعدما أدلى للمصالح الأمنية بهوية غير صحيحة.
عقب إطلاق سراحه، أحس المتهم أن أصفاد الاعتقال تقترب منه، فغير وجهته، واتخذ سوق الجملة للخضر والفواكه في بلدة هوارة (تبعد عن أكادير بنحو 44 كيلومترا) ملاذه، حتى يكون بعيدا عن أعين الأمن والمخبرين.
غير أن نتائج التحريات الأمنية المنجزة، بعد رفع عينات الحمض النووي من جثثي الضحيتين اللذين سقطا في طريق الميناء وأيت ملول، مكنت من الحصول على أدلة مادية لأحد المشتبه فيهم، الذي لم يكن سوى "مهشم الرؤوس" الذي أوقف قبل ذلك وتم إخلاء سبيله، لتصدر مذكرة بحث وطنية ضده وتم تعميم صورته.
وفي يوم 12 مارس الماضي، تم توقيفه على مستوى السد القضائي لمفوضية أمن أولاد تايمة (المنطقة الإقليمية لأمن تارودانت)، وأحيل على مصالح الشرطة القضائية بولاية أمن أكادير لتعميق البحث معه.
دلائل علمية وقرائن مادية
المشتبه فيه، الذي حير المحققين، تمت مواجهته بأدلة علمية وقرائن قانونية تؤكد "تورطه" في جرائم القتل، منها العثور على آثار دم على ملابسه، بالإضافة إلى عينات تركها خلفه أظهرت خبرة الحمض النووي أنها تعود له، ووجدت كلها بمحاذاة الضحايا الثمانية في أكادير وإنزكان أيت ملول وبيوكرى والأدوداية وشيشاوة ومراكش وتملالت، فكان المشتبه فيه "يرفض التعليق والرد على ما وجه به، رغم أنه أقر بالتردد غير ما مرة على هذه الموقع".
ومن بين الأدلة المادية التي عثر عليها المحققون في مسارح الجرائم التي ارتكبت، حجرة وقنينة بلاستيكية بها ملون، أحيلت على المختبر الوطني للشرطة العلمية في الدار البيضاء، وخضعت لتحاليل الحمض النووي ليتبين أنها مطابقة للحمض النووي للموقوف.
كما أن العثور على حجر آخر قرب جثة متشرد (مارس الماضي)، على مقربة من وادي سوس في إنزكان، هشم رأسه بنفس الطريقة التي هشم بها رؤوس الضحايا الآخرين، والعثور كذلك على عازل طبي، أدلة عجلت بتحديد هويته.
نتائج الخبرة الطبية
ونظرا لسلوك المشتبه فيه وصمته أمام المحققين، تمت إحالته على الخبرة الطبية من أجل التأكد من سلامته النفسية والعقلية والجسدية، وأجري له الفحص السريري على يد طبيب محلف مختص في الأمراض النفسية بمستشفى الأمراض النفسية والعقلية، وخلصت الخبرة إلى أن الموقوف في كامل قواه العقلية.
ووسط التزامه الصمت وعدم تعليقه على ما يواجهه من جرائم في حق المشردين الضحايا السبعة، يواصل قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف في أكادير، فك لغز هاته القضية.