قال ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، إن " الاهتمام الذي توليه هذه الطبعة من "موسم أصيلة" للحركات الانفصالية وللمنظمات الإقليمية في إفريقيا، دليل على الأهمية المتجددة لهذا المنتدى، وعلى يقظة القائمين عليه؛ وإن التحديات الأمنية التي تواجه قارتنا اليوم هي تحديات تبقى في مجملها غير مسبوقة، ولا مرتقبة وتتسارع وتيرتها وتتعاظم تعقيداتها بكثافة".
تحديات إفريقيا
وأضاف في الجلسة الافتتاحية للدورة 36 لجامعة المعتمد بن عباد المفتوحة التي تأتي ضمن موسم أصيلة الثقافي الدولي، ألقاها السفير المدير العام للعلاقات الثنائية والشؤون الإقليمية، فؤاد يزوغ، عشية اليوم الأحد، إن "قُرابة نصف ضحايا الإرهاب في العالم سقطوا في إفريقيا، لاسيما وأن التنظيمات الارهابية صارت تتمدد وتفرض سيطرتها بشكل متزايد ومستمر في مساحات ومناطق جغرافية على امتداد القارة".
وذكر بوريطة أن "إفريقيا هي المنطقة الأكثر تأثرا بالأزمات والنزاعات والحروب؛ وهي القارة الأكثر تضررا من تداعيات التغيرات المناخية، وما أفرزته من تهديدات للأمن الغذائي وما رافقها من تحولات ديموغرافية بفعل النزوح والهجرة القسريتين، فأزمة الغذاء على سبيل المثال أثرت على حيوات أزيد من 300 مليون مواطن إفريقي".
وأوضح أن "إفريقيا تواجه أيضا آفة تهريب السلاح والمخدرات؛ حيث أصبحت القارة مفترق طرق رئيسي لتهريب المخدرات، وجرى إغراقها بملايين من قطع السلاح التي يجري استعمالها بشكل غير قانوني وبدون ترخيص؛ هذه النشاطات الإجرامية، التي تدر على أصحابها من تجار المآسي والحروب أرباحا طائلة، تقوض سيادة وأمن واستقرار دول وتدمر شعوبا بأكملها".
وأورد أن "هذه الآفات قد تفاقمت بسبب حدود مخترقة ومنظومات أمنية ضعيفة وهشة، زادت الوضعية تعقيدا؟ علاوة على ذلك، فإن غياب الحكم الرشيد والمؤسسات القوية ولد حالة من عدم الاستقرار، السياسي والاجتماعي، وأصيبت العملية الديموقراطية بهشاشة مزمنة أعلنت عن نفسها في بلاغات الانقلابات العسكرية المتتالية".
وأبرز المتحدث ذاته، أن "المصائب لا تأتي فرادى، فإن هذه التحديات الكبيرة التي تواجه أفريقيا، زادتها جائحة كورونا تعقيدا وصعوبة، بسبب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي سببتها الجائحة في إفريقيا؛ إن القارة الإفريقية هي ضحية لندرة الموارد ووفرتها في نفس الآن، هي علاقة غامضة بين نقيضين قدر لهذه القارة أن تحتضنهما معا، وهنا يكمن سبب شقائها وأصل معاناتها".
وتابع: "فساكنة القارة الافريقية هي الأصغر في العالم، وهذه نعمة قطعا، ولكن في نفس الوقت يفتقد هذا الشباب لأي أفق، ما يجعله فريسة سهلة للوقوع في شراك الدعايات الإرهابية والانفصالية".
النزاعات الانفصالية
وأوضح أن "هذا الكلام يقودني الكلام إلى الحديث عن النقطة الموالية: وهي النزعات الانفصالية. لقد تحدثت سابقا عن "التراكم المكثف" للتحديات التي تواجه إفريقيا، والنزعات الانفصالية هي تجلي آخر لهذه الوضعية الصعبة، فإفريقيا هي القارة التي تضم العدد الأكبر من الحركات الانفصالية في العالم، ولن يكون من باب الاجتهاد إن قلنا أن وجود الجماعات الانفصالية عامل مباشر لنشوب الحروب الأهلية والتطاحنات العرقية والإثنية، وتمزيق النسيج الاجتماعي والثقافي وتقويض أسس واستقرار الدول".
ولفت إلى أنه "سبق وقد أكدنا بمراكش في ماي 2022، خلال انعقاد المؤتمر الوزاري السابع للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش، والذي ضم قرابة 80 دولة، على أن: "انتشار الحركات الانفصالية في إفريقيا يزعزع الاستقرار ويساهم في المزيد من إضعاف الدول الإفريقية. وهو ما يخدم في نهاية المطاف داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة العنيفة".
وأكد أن "الفكر الانفصالي لا يتسبب في نشوب حروب أهلية وحسب، بل تعداه إلى تغذية التطرف والإرهاب، فالحركات الانفصالية والحركات الارهابية تلتقيان في أكثر من موقع، وأبرز نقاط التلاقي هي تقويض سيادة وأسس الدول، بالإضافة إلى ذلك التماهي في طرق جلب ووفرة التمويل وتناسخ التكتيكات العملياتية، وليس من باب المصادفة وجود كل أوجه الشبه هذه، بين الحركات الانفصالية والحركات الارهابية، بل إن نقاط التلاقي بلغت حد تجانس هذه التنظيمات وذوبان الخلايا والمجموعات من الجانيين في بعضها البعض، بل وحتى أساليب التعبئة والتجنيد هي واحدة".
وأورد ناصر بوريطة أنه "يتم استغلال تشققات البنية الاجتماعية والثقافية ومظاهر الضعف والهشاشة لاسيما في أوساط الشباب، فإن لم يكن هناك تحالف بين هذين الفكرين فهناك على الأقل تلاقي موضوعي إن لم يكن تواطؤا ذاتيا، ولكل ما سبق، يصبح من الضروري إقامة شراكات فعالة من خلال الاعتماد على البنيات والهياكل القائمة وتحديدا المنظمات الاقليمية، وهنا تبرز أهمية موضوع اليوم، والذي يقع في نقطة تقاطع بين الموضوعين".
وشدد على أنه "من الضروري تعزيز أوجه التآزر وتوحيد الجهود المبذولة في القارة الإفريقية على المستوى الوطني ودون الإقليمي والإقليمي، في توافق تام مع متطلبات وخصوصيات الدول الأعضاء، وهي متطلبات تهم التنمية بشكل خاص وهذا ما أبرزه الملك محمد السادس بقوله: "إن إفريقيا اليوم، يحكمها جيل جديد من القادة المتحررين من العقد، يعملون من أجل استقرار شعوب بلدانهم، وضمان انفتاحها السياسي، وتنميتها الاقتصادية، وتقدمها الاجتماعي".
وذكر بأن "التحديات الأمنية لا تعترف بالحدود؛ الأوبئة وحالات الطوارئ الصحية لا تعترف بالحدود؛ وبنفس الطريقة التي لا يعرف بها الإرهاب والنزعات الانفصالية حدودا؛ وإذا كان التهديد عابرا للأوطان فإن الإجابة الصحيحة يجب أن تكون هي أيضا ذلك".
أين المغرب من كل هذا؟
وقال إن "بلوغ هذا المستوى من التقييم، يتبادر إلى الذهن سؤال بديهي: أين المغرب من كل هذا؟ ببداهة السؤال يأتي الجواب واضحا حاسما يثق المغرب في المنظمات الإقليمية والعلاقات التي تربطه بها، وهو الشيء الذي أكد عليه الملك محمد السادس، في خطابه التاريخي في القمة 28 للاتحاد الإفريقي حيث قال: "ورغم السنوات التي عينا فيها عن مؤسسات الاتحاد الإفريقي، فإن الروابط لم تنقطع قط؛ بل إنها ظلت قوية، كما أن الدول الأفريقية وحدثنا دوما بجانبها،"، ولهذا السبب هو يدعم كل خطوات الاتحاد الأفريقي، التي يترأس المغرب مجلس السلم والأمن التابع له خلال شهر أكتوبر، كما تحتضن العاصمة الرباط هيئة مهمة في هذا الصدد وهي المرصد الإفريقي للهجرة".
وأكد على أن "المغرب لا يدعم المنظمات الإقليمية وحسب، بل الكل يعرف أنه كان من المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية عندما عقد الراحل الملك محمد الخامس في يناير 1961 بالدار البيضاء مؤتمرا أفريقيا مهد لإنشاء منظمة الوحدة الافريقية، وحدد إطار العمل الإفريقي المشترك".
وتابع: "لاحقا، وفي ثنايا الخطاب الذي دشن عودة المملكة المغربية إلى حضن أسرتها الافريقية، وضع الملك محمد السادس خارطة الطريق قائلا: "فبمجرد استعادة المملكة المغربية لمكانها فعليا داخل الاتحاد، والشروع في المساهمة في تحقيق أجندته، فإن جهودها ستنكب على لم الشمل، والدفع به إلى الأمام".
ونبه إلى أنه "تنبع روح هذه من جوهر سياسة الملك محمد السادس في إفريقيا، القائمة على المسؤولية والتضامن والعمل الجماعي؛ وتتجلى السياسة الإفريقية للملك على مختلف المستويات القارية منها ودون الإقليمية والثنائية؛ وهكذا يمكن النظر إلى المقاربة المغربية المستندة إلى فكرة الالتزام، التزام شامل وواسع النطاق وعلى مختلف الأصعدة".
وأورد، "لقد قام الملك محمد السادس بحوالي 50 زيارة ملكية لكل مناطق القارة، وتم توقيع آلاف الاتفاقيات مع الدول الافريقية الشقيقة، بما في ذلك خلال زمن الجائحة، حيث أعطى الملك محمد السادس تعليماته لتقديم يد العون ومواكبة الدول الإفريقية الشقيقة في جهودها لمكافحة كوفيد 19؛ كما تحرص المملكة المغربية على ضمان استقرار وأمن القارة الإفريقية وهذا ما أكد عليه الملك محمد السادس قائلا: "هل من حاجة للتذكير بأننا كنا دائما من السباقين للدفاع عن استقرار القارة الإفريقية؟"
وشدّد على أن "هذا الالتزام يتجسد في مختلف مراحل تحقيق الأمن والتنمية: فعلى امتداد أكثر من 6 عقود، كانت المملكة من بين الدول الأكثر مساهمة في تجريدات قوات حفظ السلام الأممي المنتشرة في إفريقيا، عدة وعتادا، حيث ينتشر في أفريقيا أكثر من 1700 عنصر من القبعات الزرق داخل بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة؛ كما يساهم المغرب بفعالية في مكافحة الإرهاب، وهو شريك رئيسي في هذا المستوى لاسيما وأن مقاريته الشاملة والمبتكرة التي تستهدف القضاء على الإرهاب من منبعه، لقيت قبولا من طرف الدول الإفريقية من خلال استفادتها من عمليات تكوين وتثقيف الأئمة والمرشدين؛ بالتوازي مع هذا العمل، يبذل المغرب جهودا حثيثة للقضاء على التهميش والاقصاء ومحارية التغيرات المناخية وتهديدات الأمن الغذائي، باختصار شديد، يحارب المغرب الأسباب الجذرية للتطرف، باعتبارها البيئة الأساسية لنشوءه وتمدده؛ ونذكر هنا على سبيل المثال " المبادرة من أجل الاستدامة، والاستقرار والأمن في أفريقيا" و"مبادرة تكيف الزراعة في أفريقيا Triple A " اللتان ترميان إلى تنسيق الجهود وتوحيدها في مواجهة التحديات الرئيسية في القارة".
وأبرز أن "الملك محمد السادس لخص العلاقة بين إفريقيا والمغرب في خطاب العودة إلى الاتحاد الأفريقي 31 يناير 2017، عندما أشار إلى " مدى حاجة المغرب لإفريقيا، ومدى حاجة إفريقيا للمغرب".