قال عبد الله محمدي، الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الإفريقية من موريتانيا إنه "لا يمكنُ الحديث عن اندماج إفريقي دون التطرق إلى "التجارة البينية"، لأنه من خلال نظرة سريعة نجد أن سكان القارة اقترب عددهم من المليار ونصف المليار نسمة، ومرشح لأن يكسر حاجز المليارين في غضون سنوات معدودة، أي أن قارتنا أصبحت سوقًا كبيرًا، وسيكون أكبر، على عكس أسواق أخرى في العالم تتقلص وتضعف".
وأضاف عبد الله محمدي في مداخلة له في الجلسة الثانية حول موضوع "أزمة الحدود في إفريقيا: المسارات الشائكة"، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي، صباح اليوم الثلاثاء، "لقد نجحت الدول الإفريقية في قطع خطوات مؤسسية هامة في اتجاه تعزيز التجارة البينية، من خلال إنشاء (منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية)، وتسعى هذه الفكرة إلى إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية، لتقليل تكاليف التبادل التجاري بين الدول الإفريقية".
وشدّد على أنه "من الفرص المهمة في قارتنا كونها ورشة عمل مفتوحة، لا يتوقف فيها البناء والتشييد، وهي من بين أسرع مناطق العالم نموًا، ما يعني أنها مقبلة على تطوير هائل في البنية التحتية في جميع أقاليمها، من أجل تسهيل تنقل المواطنين والبضائع عبر شبكات السكك الحديدية والطرق السريعة والموانئ، ولكن أيضًا من أجل ربط مناطقها بالاتصالات وشبكات نقل الطاقة".
وأبرز أنه "لا يمكن تجاهل واحد من أبرز مشاريع الاندماج الإقليمي وأكثرها طموحًا وتأثيرًا في مستقبل قارتنا، وهو مشروع أنبوب الغاز الذي يربط نيجيريا والمغرب، مرورا بدول غرب إفريقيا، وتحدث عنه العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطابه أمام البرلمان يوم الجمعة الماضي ووصفه بأنه سيعزز التكامل بين دول القارة. أعتقد أن هذا المشروع فرصة كبيرة لكسر الكثير من القوالب الجامدة للتعاون الإفريقي، ورفع مستواه نحو التكامل والاندماج، حيث يوصف من طرف الخبراء بأنه أضخم مشروع لنقل الغاز في إفريقيا، ويمتد لقرابة ستة آلاف كيلومتر، ويربط ثلاث عشرة دولة هي: نيجيريا وبنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون، وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، ثم المغرب أخيرا".
وأشار إلى أنه "يقول بعض المثبطين -وهم كثر- إن المشروع حلم بعيد المنال، وأنه سيواجه تحديات كبيرة، وعراقيل ذات طابع سياسي وأمني تمنعه من أن يتجسد على أرض الواقع، ولكن ما تحتاجه قارتنا لتحقيق الرفاه والتنمية هو أن "تقبل التحدي"، بل وتتجاوز تقبله إلى "عشقه"، وأعتقد أن المغرب وحكامه وصناع القرار فيه يعشقون التحدي، لأنهم يرون المستقبل، ويمتلكون رؤية واضحة منذ ربع قرن، حين قرروا التوجه نحو العمق الإفريقي، كخيار استراتيجي".
وأورد أن "نعشق التحدي، يعني أن نكون مدركين له، محيطين بكل جوانبه، وعلى علم تام بأن التفاوت الاقتصادي بين الدول الإفريقي واحد من أكبر هذه التحديات، وأن التباين بين هذه الدول يشكل عقبة لا بد من وضع خطة ورؤية واضحة للتغلب عليها".
وتابع: "هنا تبرز مفاهيم مهمة مثل "التضامن الإفريقي"، حتى لا يتحول الاندماج إلى فرصة سانحة للأقوياء على حساب الدول ذات الاقتصاد الأضعف، وهذا التضامن يفرض العودة إلى القيم الإفريقية الأصيلة، أي قيم ما قبل الاستعمار ووصل الغرب، وهي قيم تؤسس لشراكة قائمة على مبدأ رابح – رابح، وهو ما لن يتحقق دون بناء جسور من الثقة والاتزان".
وأشار إلى أنه "لن أفوت الفرصة لأقول إن معضلة الأمن تشكل حاليًا أكبر عائق أمام تحقيق التنمية، ليس في القارة الإفريقية وحدها، وإنما في العالم أجمع، فالتغيرات الجوهرية التي يشهده المجتمع الدولي مربكة لجميع الخبراء، وأعتقدُ أن قارتنا تعيش بشكل واضح تأثير هذه التغيرات الجوهرية في العالم، ما حولها إلى ساحة لصراع قوى عالمية آخر همها مصلحة إفريقيا، ويكفي أن نقف عند منطقة الساحل كنموذج لهذا الصراع الدولي، وهي التي تحولت إلى واحد من أكبر أسواق بيع السلاح، تستهدفه قوى عالمية لتجريب منتجاتها من الأسلحة، وبيع وتسويق مخازن السلاح العتيق، وتجريب أدوات حروب العصر من تقنيات إعلام لفبركة المعلومات ونشر الأخبار الكاذبة، في إطار ما أصبح يعرف بحرب البيانات والمعلومات".
ولفت الانتباه إلى أن "هذه الصراعات ساهمت في إرباك العلاقات بين عدد من الدول الإفريقية، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على مشروع الاندماج والتكامل الإفريقي، وهو ما اتضح بشكل جلي في المشاكل التي يمر بها واحد من أكثر مشاريع الاندماج الواعدة في إفريقيا: المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس). هذا المشروع الإقليمي الذي حقق قفزات مهمة خلال العقود الأخيرة، وأصبح نموذجًا إفريقيا يحتذى به، يواجه اليوم تصدعات كبيرة تهدد مستقبله، بسبب التدخل الأجنبي، وغياب الحلول المحلية والإفريقية".