قال محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة في الجلسة الافتتاحية للدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي الخامس والأربعون، إن "دورة هذا العام، تأتي لتؤكد ثباتنا على الخط الفكري، الذي يشكل هوية منتدى أصيلة، كفضاء مفتوح للتداول في القضايا الكبرى، المطروحة على المستوى العربي والإفريقي والدولي، وما تثيره من رؤى ومواقف".
وأضاف في كلمته الافتتاحية، عشية اليوم الإثنين، إن "الوفاء لهذا الخط الذي رسمناه لكل مواسمنا، هو الذي جعل من مدينة أصيلة، منصة حرة للرأي والرأي الآخر، ومنتدى لحوار عميق بين نساء ورجال الفكر والسياسة والابداع، من كل الاطياف والقارات والجنسيات والثقافات والأديان. حوار اتسم على الدوام، بقدر عال من النضج والتبصر والمسؤولية، في ملامسة القضايا الاستراتيجية وتحليل الظواهر المعَقَّدة. تشهد على ذلك، تلكم المضامينُ الغنية لكل الندوات التي نظمناها، وقمنا - تعميما للفائدة- بطبع مداخلاتها القيمة، وإصدارها في كتب خاصة بها".
وتابع: "من المعلوم أن أزمة الحدود في أفريقيا، تطرح إشكاليات تمس السيادة ووحدة الوطن، بل هي تمس أساس وجوهر الوجود الذي تقوم عليه الأوطان. كما لا يخفى عليكم، إن هناك أسبابا عديدة لأزمة الحدود، لم تتم معالجتها في وقتها، بالحزم الذي يستدعيه الموقف، وعلى قاعدة مبدإ الانصاف، المنسجم مع حقائق التاريخ والجغرافيا، وهو ما جعل دولا وأنظمة معينة، تستفيد من مخلفات هذا الوضع، وذلك لأغراض توسعية. والأدهى أن تظل تلك الأنظمة مصرة على تثبيت وضعٍ هو من مخلفات الحقبة الاستعمارية".
ولفت الانتباه إلى أنه "نستحضر ما جرى سنة 1963 في مؤتمر منظمة الوحدة الأفريقية، حين تم استصدار قرار غير منصف في منظمة الوحدة الأفريقية، يقضي باعتماد الحدود الموروثة عن الفترة الاستعمارية في أفريقيا، وهو ما نتجت عنه توترات ونزوعات توسعية، لدى أنظمة استغلت القرار المذكور، لتستفيد من ما ليس
لها حقٌّ تاريخي فيه. ولقد شاهدنا كيف أدى ذلك الانحراف، إلى أزمات عانت منها أقطار أفريقية، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا. ولن يكون ممكنا التغلب على نتائج وعواقب هذه المعضلة، إلا بالمقاربة المتبصرة، في إطار أجواء الأخوة والتعاون، ومنطق المصلحة المشتركة، وليس بمنطق القوة والتوسع. ونحن نتطلع أن تُقدم ندوتنا حول هذا الموضوع، مداخل ورؤى ومقاربات، من شأنها أن تسهم في تقديم أجوبة، حول إشكالية الحدود وتبعاتها".
وأبرز أنه "من جهة أخرى، وإسهاما من منتدى أصيلة في النقاش الأكاديمي حول واقع ومآل الحركات الدينية داخل النسق السياسي، تحتضن دورة هذا العام أيضاً، ندوة في موضوع الحركات الدينية والحقل السياسي".
وأشار إلى أنه "نسعى من خلال هذه الندوة إلى المساهمة في تحليل آفة التماهي بين الدين والسياسة، من خلال رصد وتقييم مخاطر التدين السياسي، وما يطرحه من مشاكل وانزلاقات وانحرافات، في الدين كما في السياسة. وهي كلها إشكالات نعلم كيف تخلصت منها دول أخرى في الشرق والغرب، منذ زمن بعيد، بينما عدد من أقطارنا العربية والإفريقية ما زال للأسف الشديد، غارقا فيها، ويعاني من تبعات ما نتج عنها، من صراعات وحروب أهلية، فتحت الباب واسعا أمام الطامعين في التوسع، على حساب سيادة واستقلال الدول".
ونبه إلى أنه "تعلمون أن عرضنا في كل دورة، يراهن على التجديد ومسايرة المستجدات، التي تطرأ في عالم اليوم. وحفاظا على هذه الرؤية، ستشهد الدورة الحالية كذلك، تنظيم ندوتين متميزتين، بتعاون مع مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد في المغرب، تتناول الأولى موضوع الذكاء الاصطناعي، وطبيعة الحكامة المنشودة في أفريقيا في عصر الرقمنة. بينما تناقش الثانية موضوع شمولية الثقافة، وانخفاض اللامساواة في توظيف الموارد البشرية".