قال محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، إن "اختيارنا لندوة: "أيُّ نظام عالمي بعد حرب أوكرانيا؟"، التي تنعقد ضمن برنامج هذه السنة من موسم أصيلة الثقافي الدولي في دورته الثالثة والأربعين، تعبر عن رغبتنا في أن نخرج إلى العلن وإلى دائرة النقاش الفكري والسياسي، ما ينشغل به الجميع اليوم، من أفكار وتساؤلات بصدد مصير العالم، ومآل توازناته السياسية، بعد أن استقر منذ منتصف القرن الماضي، على قواعدَ تَرْسم ملامح التوازن بين القوى الكبرى، وتضمن الحد الأدنى من السلام العالمي".
وأضاف في كلمته الافتتاحية للندوة المذكورة، أمس الخميس، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي، أنه "كما كان قصدنا من اختيار موضوع الندوة الراهنة أن نستشرف بعض معالم الأفق السياسي والأمني والاقتصادي الذي رسمت ملامحَه تطوراتُ الحرب في أوكرانيا، وانعكاساته على عالمنا العربي بعد أن لامست كلَّ الدول والأنظمة، وأدرك خطورتها المواطنون بمختلف مراتبهم ودرجات وعيِهم. إنه الانشغال الذي سيشارك معنا في نقاشه خبراء وقادة ومفكرون، ممَّن حلُّوا بين ظهرانينا، من أصقاع مختلفة. فمرحبا بهم وشكرا لهم على إسهامهم في التفكير معنا في سؤال مصيري يهم بلداننا بقدر ما يهم العالم".
وتابع: "لا يخفى عليكم أن الندوة الراهنة تهدف من بين ما تهدف إليه، إلى تسليط الضوء على ملامح القطبية الجديدة الذي ظهرت للوجود إثر حربِ أوكرانيا، بين الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) وذراعه العسكري (حلف الناتو) من جهة، وروسيا وحلفائها، والأطراف الدولية الداعمة لها من جهة أخرى. وهو الاستقطاب الذي أفضى إلى تَشَكُّلِ نزوعٍ ظاهر إلى عدم الانحياز في المواقف إزاء الحرب الأوكرانية لدى العديد من دول الجنوب، وبصفة خاصة البلدان العربية والإفريقية، التي تراوحت مواقفها بين الحياد الحذر أو عدم التورط في إبداء موقف واضح من الوضع القائم".
وأوضح أنه "ما بات نتعرَّفُ عليه هنا وهناك، من مستجدات في المواقف السياسية، لا ينْعَكِسُ بوضوح في خريطة التحالفات القادمة. فثمة في الظاهر محورين، لكن علاقةَ الأطراف بهما شديدة التعقيد، إذ لم تعد هناك قاعدة ولا منطقٍ دائمٍ للتَّحالف ولا للقطيعة، بعد أن هيْمَنت محادير عديدة جعلت المواقفَ تبدو ظرفية، والعلاقاتِ انتقائية في طبيعتها، ومبنية على مصالح الأقطار ، بصرف النظر عن صلاتها السياسية التقليدية. وهو ما انعكس في قرارات أوبيك الأخيرة، مثلما تجلى في قرارات العديد من البلدان العربية والإفريقية، التي صارت تدرك أن بَلْوَرَة موقف من الحرب لا يقتضي الاصطفاف مع طرف ضد طرف، وإنما تغليب منطق الحوار مع الطرفيْن بما يضمن عدم التورط في تعميق الأزمة وتحصين المكاسب الوطنية".
وأكد أن "المستجدات التي أنذرت ببداية تَحَوُّلٍ في النظام العالمي الموروث منذ الحرب العالمية الثانية، مع تبلور شكل مستحدث من الصراع السياسي، مستند إلى مرجعية فكرية، عبر السجال المتنامي تدريجيا حول النموذج الليبرالي الغربي. ومن ثمَّ عودة التكتلات العسكرية والأمنية والسياسية المناصرة أو المعارضة له. من هنا تتجلى أهمية الندوة الحالية، التي تسعى إلى استشراف آفاق هذا التغير الجيوسياسي، وما قد يسفر عنه من نتائج ستطبع مستقبل العالم العربي، وإفريقيا لعقود طويلة قادمة".