بعد استعراضه لتاريخ دولة تشاد، أشار الشيخ ابن عمر، وزير خارجية تشاد السابق، إلى أن "بالنسبة لكثير من الدول، كانت الحدود في الواقع نتيجة لصراع النفوذ الاستعماري بين هذا وذاك، أكثر منها حدوداً ذاتية، ومن هنا جاء مفهوم الحدود الاصطناعية".
وأضاف الأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطنية في تشاد، في مداخلة له بندوة "أفريقيا: حدود، أمن وتجارة حرة"، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي، أمس الثلاثاء، أن "الحدود، وإن كانت اصطناعية بالمفهوم الذي أشرت إليه، فقد أفرزت مع ولادة الدولة الحديثة شعورا قويا جدا بالانتماء والمواطنة".
وذكر السياسي التشادي أن "في كل الدول الإفريقية هناك مفارقة بين حداثة الدولة واصطناعية الحدود، مع وجود شعور قوي بالانتماء الوطني يصل أحيانا إلى درجة الشوفينية".
ولفت إلى أن "هذا الانتماء يظهر في مباريات كرة القدم، وأحياناً يتحول إلى صدام عسكري".
وأفاد بأنه "رغم إقرارنا بأن هذه الحدود اصطناعية وسعينا نحو الوحدة الإفريقية، إلا أننا نلاحظ، في المقابل، تعصبا شديدا لهذه الحدود تجاه الجيران".
وجاء في الورقة التقديمية للندوات المتعلقة بقضية "أزمة الحدود في أفريقيا: المسارات الشائكة"، أنه "في شتى أنحاء إفريقيا، ما زال المؤرخون والمثقفون والسياسيون يذكرون، بامتعاض، تلك السفالة التي طبعت مؤتمر برلين لعام 1885؛ حيث تقاسمت القوى الأوروبية الرئيسية أراضي وموارد إفريقيا فيما بينها".
وتابعت الورقة المؤطرة للندوة أن "القوة الجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية لكل طرف كانت بمثابة المحدد الذي شكل خريطة إفريقيا"، مضيفة: "لقد أقدموا على ذلك وكأن القارة لم تكن مأهولة، ولم يكن لديها تاريخ أو ثقافة أو تقاليد تستحق الحفاظ عليها. فقد كان الأفارقة وكياناتهم السياسية خارج اهتمامات ومعادلات القوى الأوروبية".
وأشارت الورقة إلى أن "معظم المفارقات الجغرافية والسياسية الناتجة عن ذلك التقسيم لا تزال تشغل عقول صناع القرار في إفريقيا. لقد كان لتقسيم القارة والاحتلال الاستعماري الذي أعقبه آثار مدمرة على المجتمعات والكيانات السياسية التي سبقت الاستعمار؛ حيث وجدت الأوضاع الإنسانية والديناميات السياسية والاقتصادية والثقافية الداخلية نفسها معلقة أو متغيرة أو حتى ملغاة، إن لم نقل مختفية تماما. إن توزيع الأراضي، ولاسيما ترسيم الحدود المصطنعة، لا يزال يتحكم في تشكيل الشؤون الراهنة للشعوب والبلدان الإفريقية في جميع المجالات تقريبا".