تحتفي مدينة طانطان بجنوب المغرب، بموسمها الشهير باستضافة جنسيات وعادات متنوعة، تربطها آصرة الإرث الثقافي والتقاليد العريقة.
انطلقت أمس الأربعاء (4 يوليوز) فعاليات الدورة الرابعة عشر لموسم طانطان الشهير بجنوب المغرب. وتحت شعار "موسم طانطان.. عامل إشعاع الثقافة الحسانية"، تستضيف أيام المهرجان، الممتدة إلى غاية الـ9 من الشهر الجاري، جمهورية الصين الشعبية ضيف شرف، بالإضافة إلى إشراف دولة الإمارات العربية المتحدة على الموسم.
بخيام منصوبة بساحة السلم والتسامح على مشارف مدينة طانطان، انطلقت منذ صباح أمس الباكر، مسابقة لحلب الإبل، على هامش برنامج الموسم المصنف منذ سنة 2004، تراثا شفهيا غير مادي للإنسانية، من طرف منظمة اليونيسكو. ونصبت وسط الساحة قرية صناعة تقليدية، قدمت فيها نماذج من الصناعة المحلية للحلي والزينة، وكذلك عروض لطقوس وعادات المنطقة من آلات موسيقية وألعاب البدو الصحراوي. بالإضافة لعرض نقوش حجرية تعود لما قبل التاريخ بالمنطقة.
وسط الخيام "العالمية"، في ساحة مخصصة للخيول، تقام عروض للتبوريدة من مجموعات تحتفي هي الأخرى بلباس وبفروسية الرجل الصحراوي. وبإزاء ذلك، ينتظر أن يقام ضمن أيام الموسم، سباق للإبل على مقربة من الخيام، في مسافة تمتد لعشرات الكيلومترات.
وبأحياء المدينة، وبالتحديد بشارع الحسن الثاني أقيم كرنفال افتتاحي، قدمت خلاله عروض فنية ورقصات غنائية، تحتفي بعادات المجتمع الصحراوي، لنساء وأطفال المدينة.
الإمارات.. رعاية دائمة
تتشارك دولة الإمارات للمرة الرابعة على التوالي، مع القبائل المغربية لمدة أسبوع كامل، نفس العروض الفنية والتاريخية ضمن فعاليات الموسم. وتعتبر الدولة القادمة من صحراء الخليج أنها تتقارب مع الشعب المغربي في الإرث التاريخي والمعيشي للعادات الصحراوية.
بهذا الصدد، يوضح عبد الهادي شناق، عضو لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي، في حديثه لـ"تيل كيل عربي"، أنه قبل 4 سنوات تمت دعوة الإمارات، ضيف شرف إلى الموسم العريق، ومن حينها وجد المضيّفون أنفسهم في تقارب وتشابه مع تقاليد وعادات الشعبين، "فارتأت الإمارات أن تقوم برعاية المهرجان بشكل دائم".
ويتمثل التقارب، بحسب المتحدث، في "المجال البحري وفي عادات الإبل، وفي الطبيعة الصحراوية عموما.. بالإضافة إلى علاقة البلدين، بين الحسن الثاني والشيخ ال نهيان".
ويضيف الشناق أن الإمارات تقيم مواسم تتشابه تقريبا في برامجها مع المغرب، خصوصا في أبو ظبي، في العروض التراثية، وما يخصص للإبل، بحيث تشارك جميع الدول الخليجية المجاورة".
لكن ما الذي تستفيد منه الإمارات من موسم طانطان؟ يجيب عضو اللجنة المنظمة من أبو ظبي، أنهم يبتغون "نقل ثقافتهم إلى المغرب، فهذا الأخير حاضن للثقافات وللمنطقة المغاربية بالخصوص. والمكسب الأساسي للإمارات هو تسويق الثقافة أينما أمكن".
المسؤول الإماراتي الذي أكد أنه لا يعرف بالتحديد ميزانية المهرجان أو مساهمة بلده فيه، يضيف أن كل سنة تتوسع الإمارات في الموسم بشكل أكبر، من حيث طريقة العروض الفنية والثقافية، "وهو ما يُحدث، بالمقابل، أثرا وصدى لدى الشعب الإماراتي، بحيث يخصص الإعلام المحلي بكل ما هو تراثي متشابه، وله إشعاع عالمي"، يقول الشناق.
يذكر أن التراث الاماراتي يصنف كذلك، ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للانسانية. ويضم في معالمه: "الصقارة"، السدو (مهارات النسيج التقليدية)، التغرودة (الشعر البدوي)، العيالة (فن الاداء).
التنين الصيني تحت الخيام
الجمهورية الشعبية تحضر لأول مرة إلى المغرب، لموسم طانطان. ورغم عدد ممثيلها القليل (4 أفراد)، الذي حضر منصة الافتتاح، إلا أنهم قدموا خلال اليوم الأول ضمن الكرنفال الاحتفالي، عرضا موسيقيا راقصيا، أثار إعجاب الطنطاويين.
بعض ممثلي الوفد ينأوون بالحديث بالفرنسية والانجليزية، ويفضلون بكل اعتزاز لديهم التحدث باللغة العربية. ويقول أحدهم في حديثه لـ "تيل كيل عربي": "نحن من مقاطعة سيتشوان بجنوب غرب الصين، ولأول مرة نزور المغرب للمشاركة في مهرجان طانطان، ولهذا فنحن جد فرحين في هذه الدورة الناجحة".
وعن اطلاع الصين الشعبية عن العادات المغربية والصحراوية، قال المتحدث أن "طانطان معروفة عندنا في بعض المناطق بالصين بثقافتها الصحراوية. كما أن لدينا رغبة في التعرف على المزيد بمثل هاته الاستضافة".
وللتعريف بعاداتهم للشعب الصحراوي، يضيف المتحدث، أنهم يعتبرون الباندا خير مثال للتعريف بما يمتازون به، "وهي رمز مقاطعة شينوان بالصين، حيث لدينا محمية خاصة لهذا الحيوان، لذا نعتبرها ممثلا وسفيرا لنا"، وهو ما جلب بالفعل اهتمام الصحراويين بعادات التنين.
إرث و"طنطنة" عالمية
ترجح تسمية مدينة طانطان إلى الصدى (الطنطنة)، الذي يحدثه الدلو أثناء نزوله إلى قاع البئر بفعل الارتطام. ورغم أن المنطقة كانت تابعة للاستعمار الاسباني، إلا أن أهميتها ومكانتها كانت مترسخة لدى القبائل، إذ استطاع الشيخ محمد الاغظف بن الشيخ ماء العينين، أن يستقطب حوله مئات وآلاف المريدين موحدا قبائلا عديدة.
بعد وفاة هذه الشخصية الصوفية والمحورية في سنة 1961، أقيم بعد سنة أول موسم بطانطان، تخليدا لذكراه ودور الشيخ في مقاومة الاستعمار الاسباني، وكذلك لالتئام القبائل حوله. واستطاع الموسم الديني آنذلك، جلب آلاف الزوار، من مريدين وتجار، ليخلق رواجا كبيرا امتد إشعاعه خارج المنطقة.
واستمر إحياء هذا الموسم إلى غاية سنة 1974، ليتوقف بسبب الاضطرابات التي عرفتها المنطقة الصحراوية، بفعل الاحتدامات مع القوى الانفصالية المشكلة للبوليساريو. ورغم أن الموسم، حاول النهوض مرة أخرى، لا سيما بعد المسيرة الخضراء الشهيرة سنة 1975، لكنه ظل بشكل باهت وغير رسمي من الحين للآخر.
أعيد إحياء الموسم، في سنة 2004 بشكل رسمي وبرعاية الدولة، ليصنف حينها ضمن التراث العالمي للإنسانية، من طرف منظمة اليونيسكو، وتصبح خيامه ذات صدى و"طنطنة" عالمية. وذلك لكونه مجالا للتلاقي بين قبائل البدو الرحل، ومناسبة للتبادل الاقتصادي والتلاقح الثقافي.
"افتخار".. بين الأمس واليوم
اجتمعت القبائل من جنوب المغرب، سمارة كلميم، العيون، طانطان.. لكن المكان والبرنامج اختلف عما كان عليه الموسم في ستينات وسبعينات القرن الماضي.
يتذكر الشيخ بوعسرية ولد حمد، أحد المعمرين بالمنطقة، أن القبائل في الستينات، كانت تقدم من مناطق متعددة منها الجزائر وموريطانيا، وتنصب خيامها بالمئات.
الآن، شيخ قبيلة "الشناكدة" هذا، قدم إلى الدورة 14 من الموسم، مع عائلته وأحفاده، ويوضح في حديثه لـ"تيل كيل عربي"، أن الخيمة المنتصبة في الواجهة تعتبر هي الرئيسية لكل قبيلة، وتضم خلفها عائلاته، وقد تصل لعشرة أو عشرين خيمة، كل قبيلة حسب عدد أفرادها.
الشيخ القاطن بـ"الوطية" قرب الشاطئ البعيد عن طانطان (ومقام الخيام)، بأكثر من 20 كيلموترا، يشتكي أن الدولة والمسؤولين لا يقدمون أية مساعدة لهم في هذا الموسم الثقافي والعالمي. ويقول إنه كل سنة يحضر الخيام ويتكلف بمصاريفها وأعبائها وتنقلاتهم على حسابه الشخصي، وذلك من أجل التعريف بالتراث الصحراوي وبما تزخر به القبائل من تقاليد مغربية عريقة.
"رغم غياب المساعدات وعدم اهتمام المسؤولين بنا.. نحن نقوم بهذا من أجل الله والوطن والملك"، يقول شيخ القبيلة، بكل اعتزاز.
أحد الرحل، العربي الشيكر، من رعاة الإبل ومن سكان المنطقة الأوائل (من مواليد 1937)، يتذكر هو الآخر في حديثه للموقع، أن الموسم في فترة الستينات والسبعينات كان بأفضل حال من الآن، حيث كانت تمتزج القبائل من الجزائر وموريطانيا ومن مناطق بعيدة وتلتقي بأصولها، في خيام وبطقوس وعادات جد متجانسة".
يعترف الشيخ الشيكر، الذي يخبر المنطقة بسهولها وتلالها، أن مجيء الإمارات ومساهمتهم في الموسم، أعطى دفعة أفضل للمهرجان، من حيث الحضور والتنوع الثقافي، رغم الاختلاف عن نسختاته في القرن الماضي.