قال عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، في أشغال ندوة "أي نظام عالمي بعد حرب أوكرانيا؟"، إنه "أمام هذه الحرب المعلنة بالوسائل العسكرية والسرية بالوسائل السياسية، وجدنا أنفسنا كدول للعالم الثالث نحصي خسائرنا الاقتصادية ونتطلع إلى تاريخ انتهاء هذه الحرب مجهولة المصير والآفاق".
وأضاف في كلمته ألقاها عنه مشارك في الندوة، التي تدخل ضمن موسم أصيلة الثقافي الدولي، أمس الخميس، أن "المغرب تعتبر أوروبا وأمريكا شريكين استراتيجيين وتاريخيين له، تبنى منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، موقفًا واضحًا وثابتًا يقوم على مبدأين أساسيين: أولهما مبدأ عدم استخدام القوة لتسوية المنازعات بين الدول، وتشجيع جميع المبادرات والإجراءات التي تعزز التسوية السلمية للنزاعات، والثاني يرتكز على احترام السلامة الإقليمية والسيادة والوحدة الوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة".
وأوضح أنه "بغض النظر عن التهديدات للسلم العالمي الناتجة عن التحالفات والتكتلات العسكرية الجديدة والسباق نحو التسلح لتحقيق الأمن الذاتي التي نعيشها اليوم، يمكن إجمال التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب في ثلاث نتائج اقتصادية رئيسية".
أولا: ارتفاع أسعار النفط
ولفت إلى "الحرب الأخيرة تسببت في ارتفاع أسعار المنتجات البترولية. مما أثر بشكل مباشر على اقتصادات الدول النامية بشكل كبير لا سيما التي تعتمد بالكامل تقريبًا على عائدات هذه المنتجات".
ثانيا: أزمة غذاء وشيكة
وأكد المتحدث ذاته، أن "انعكاس الحرب الروسية الأوكرانية على التوريد من عملية القمح مس دول العالم برمته، ومنها طبعا المغرب الذي يعتبر ثالث دولة مستهلكة للقمح في إفريقيا، وأن استمرار الحرب في أوكرانيا واستمرار المشاكل التي تمنع وصول المنتجات الغذائية الأوكرانية عبر البحر الأسود ستفاقم أزمة الغذاء العالمية وستشكل تحديًا حقيقيًا لتأمين الواردات للمغرب ودول العالم".
ثالثا: خطر حدوث تباطؤ اقتصادي في المنطقة الأوروبية
وأشار إلى أن "أوروبا تعتبر إلى حد بعيد، فاعلا اقتصاديا دوليا هاما، وتمثل الشريك التجاري والاقتصادي الأول للمملكة المغربية، إنها وجهة ما يقرب من 60 ٪ من الصادرات المغربية. وبالتالي، هناك سبب قوي للخوف من أن الحرب في أوكرانيا، ستؤدي إلى تباطؤ الاقتصادات الأوروبية، الأمر الذي سيخلخل التوازنات الاقتصادية في العالم ومنها المغرب، حيث النتيجة المباشرة هي انخفاض الطلب داخل أوروبا على المنتجات الأجنبية، بما في ذلك المنتجات المغربية. بالإضافة إلى أزمة التصدير من داخل أوربا في اتجاه الخارج".
أكبر ضحية لهذه الحرب
وأبرز أن "السؤال الذي يطرح نفسه هو السؤال المتعلق بموقعنا من هذا النظام الجديد السائر في التشكل، هل سيكون لنا كعالم ثالث دور؟ أم أن التاريخ يعيد نفسه، إذ لم يكن لنا دور حقيقي وفاعل منذ الحرب العالمية الثانية، ولم يُمنح لنا تاريخيا أي موقع نرغب فيه داخل ذلك النظام؟ فدول العالم الثالث ومنها المغرب ستكون لا محالة أكبر ضحية لهذه الحرب، لاسيما الدول الإفريقية".
وذكر أنه "على المستوى الطاقي، تؤكد الدراسات أن من بين 54 دولة في إفريقيا، هناك 11 دولة رئيسية منتجة والبقية مستوردة للطاقة ومنها المغرب. وبحسب تصنيف بنك التنمية الأفريقي فإن 43 دولة أفريقية مستوردة للطاقة تعاني أيضًا بشكل غير مباشر من ارتفاع أسعار الفحم والغاز والنفط، حيث تزيد من تكاليف إنتاج الأسمدة والمواد الغذائية التي تتطلب طاقة كبيرة".
ونبه إلى أنه "على المستوى الصحي، إن الحرب والأزمة العالمية ستسهمان في رفع المزيد من التحديات الصحية في إفريقيا علما أن إفريقيا لا تزال معرضة بشدة للوباء".
على المستوى الغذائي، أورد أن "الأزمة الغذائية بإفريقيا ستتعمق بارتفاع أسعار المواد الغذائية، والتي تمثل ما يقرب من 40 ٪ من ميزانيات الأسر في العديد من البلدان، كما أن آثار الحرب على مستوردي الطاقة الأفارقة سينعكس على مستوى أزمة الغذاء، لأنهم يعتمدون أيضًا على استيراد المواد الغذائية".
على مستوى التضخم، استرسل قائلا: "إن ارتفاع أسعار النفط وأسعار الفائدة الرئيسية على الصعيد الدولي سيرفع من نسب التضخم في إفريقيا. بل حتى البلدان الأفريقية التي لديها إمكانية الوصول إلى الأسواق الدولية ستشهد زيادة في تكاليف الاقتراض بنسبة 1 أو 2 ٪. وسيمثل هذا الوضع إشكالية بالنسبة للبلدان ذات الديون الخارجية المنخفضة التي ستعاني كذلك من عجز الحساب الجاري الذي سيصعب التحكم فيه".
أين الصين؟
وأفاد أنه "نجد أنفسنا أمام سؤالين هامين يطرحهما الكثيرون في خضم هذه الأزمة، الأول: أين الصين من كل هذه التغيرات التي يعيشها النظام العالمي الجديد؟ ولماذا ركنت إلى تعزيز موقعها الجيواستراتيجي والتمدد الصامت اقتصاديا وسياسيا؟ وماذا عن دورها المستقبلي لحسم الصراع في اتجاه أي طرف تسنده الصين؟ أو بعبارة أخرى هل "الواقعية" ستدفع الصين للتحالف مع واشنطن عسكريا وقيادة مشتركة للنظام العالمي الجديد اقتصاديا؟ أم العكس؟ مما سيرفع من حدة التدخل العسكري وانفلاته لمناطق عالمية مختلفة؟".
وتابع: "السؤال العريض الثاني الذي يطرح دائما نفسه في مثل هذه الأزمات هو: ما محل المؤسسات والقوانين والمواثيق والعهود الدولية؟ وأي دور لمجلس الأمن والأمم المتحدة والمنظمات الحكومية والأجهزة الدولية في ظل هذه الصراعات "الواقعية"؟ هل الشجب والتنديد من سيقيد ويكبح سلوك وطموح القوى العظمى؟".
العالم يدخل المجهول
وشدد على أن "العالم يدخل المجهول، بسبب حرب متعددة الأطراف ومتشعبة الأبعاد، ومجهولة المصير والنتائج، فالعالم يدخل مرحلة جديدة بعيدة عن شعارات رفض الهيمنة واحترام الشرعية، أو حتى تحرير الإنسان، فكما قال أحد المفكرين: "لن يكون هناك مشروع تحرُّري يقبله العقل في القرن الحادي والعشرون"، بل يمكن أن نتصور أن الوضع سيكون أكثر فظاعة، أو كما رجح البعض الآخر أن (حقبة 2020/2050 ستفتقر إلى السلام والاستقرار). ويرجعون ذلك ليس إلى وضوح مكانة الولايات المتحدة بوصفها القوة المهيمنة في النِّظام العالَمي الجديد. بل السبب أكبر من ذلك، وهو مرتبط بالأزمة التي يعانيها هذا النِّظام نفسه".
وشدد على أن "الحرب الأوكرانية-الروسية أصبحت واجهة لصراعات دولية ستحدد شكل النظام العالمي الجديد، حيث أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذا السياق أن "هذه الحرب جزء من تغير النظام العالمي بأسره"، مما يدفعنا للتساؤل هل ما يقع اليوم مجرد حرب عسكرية مستجدة ومنفصلة عن صراعات الماضي؟ أم هي جولة جديدة من الصراع الإيديولوجي والفكري والسياسي الذي عاشه العالم مند الحرب العالمية الأولى؟".