موقف معارض لموقف الدولة.. من أين استمدّ العميد مرجعيته ليرفض تتويج "طالبة الكوفية"؟

بشرى الردادي

خلق حادث رفض عميد كلية العلوم ابن مسيك بالدار البيضاء تسليم شهادة التخرج إلى طالبة متفوقة، بالمدرسة العليا للتكنولوجيا بالدار البيضاء، خلال حفل أقيم، نهاية الأسبوع الماضي، بسبب ارتدائها الكوفية الفلسطينية، موجة من ردود الفعل القوية المنددة.

وطرحت الواقعة سيلا من التساؤلات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ من بينها لماذا رفض العميد تكريم طالبة متفوقة اختارت التوشح برمزية الكوفية؟ ومن أين استمدّ مرجعيته ليتصرّف بتلك الطريقة معها؟

"سلوك أرعن"

تعليقا على كل هذا الحادث، وصف خالد البكاري، الأستاذ الجامعي والفاعل الحقوقي، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، تصرف المسؤول الجامعي بـ"الأرعن".

وقال البكاري "بموضوعية، أعتقد أن المسألة هي قرار فردي من مسؤول جامعي كان ضيفا فقط، ولا علاقة له بأوامر من الوزارة الوصية على التعليم العالي بمنع الطلبة من ارتداء الكوفية الفلسطينية، سواء أثناء الدراسة، أو خلال حفلات التخرج، بدليل أنه في إحدى كليات مراكش، ارتدى الكوفية العميد والأساتذة وجميع الطلبة الذن شاركوا في حفل التخرج، ومرت الأمور كلها بسلام".

وتابع المتحدث ذاته، أن "تصرف العميد كان طائشا، لكن مدير المؤسسة المعنية بحفل التخرج قام، بعد ذلك، بتسليم الطالبة جائزتها، وهي متوشحة بالكوفية، والتقط معها صورة".

وأشار البكاري إلى أن "المسؤول الجامعي لم يكتف بالامتناع عن منح الطالبة جائزتها، بل وقام بتصرف يمكن إدخاله في خانة المس بحرمتها، حينما أراد أن ينزع عنها الكوفية، إذ لا يحق لأي أحد أن يلمس قطعة من ثياب طالبة أو أي امرأة، بدون إذنها".

أعراف وتقاليد الجامعات

وأضاف الأستاذ الجامعي أن "ما حدث مرفوض تماما، ليس فقط بسبب أن الأمر يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي يعتبرها أعلى هرم في الدولة بمثابة القضية الوطنية، بل أيضا بسبب التقاليد الجامعية في العالم كله، والتي ترعى الحرية الأكاديمية والحرية داخل الفضاء الجامعي".

واستشهد البكاري بما يحدث بالجامعات الأمريكية، وقال في هذا الصدد: "لاحظنا أنه في الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم أن بعض الجامعات منعت التظاهر تضامنا مع فلسطين، إلا أنها لم تمنع الطلبة من ارتداء الكوفية في حفلات التخرج، بما فيها جامعة كولومبيا وجامعة كامبريدج وجامعة هارفرد".

كما شدد الأستاذ الجامعي على أن "هذا السلوك، ينافي سياسة الدولة المعلنة، على الأقل، وينافي حتى أعراف وتقاليد الجامعة، خصوصا أننا نشهد، اليوم، نداءات في جامعات عالمية كبرى، من طرف نقابات أساتذتها، ومن طرف شخصيات بارزة في الميدان الأكاديمي، تنادي بالتضامن مع الأكاديميين الفلسطينيين، الذين تم اغتيالهم، ومع الجامعات والكليات في غزة، التي تم تدميرها، وهو الأمر الذي تفاعلت معه إداراتها".

زلة 

ولفت البكاري إلى أن "هناك سؤالا يطرح نفسه، الآن، حول معايير انتقاء بعض مدبري الشأن العام في المؤسسات الجامعية"، موضحا أنه "لا يجب الاكتفاء بأن يكون مسارهم العلمي جيدا، بل يجب أن تتوفر فيهم، أيضا، مقومات أخلاقية، وأن يكون لديهم حد أدنى من الحس السياسي، حتى لا يقعوا في مثل هاته الزلات، التي ستدفع فيها بلادنا ثمنا من صورتها، وسنظهر أمام العالم وكأننا ضد التضامن مع الشعب الفلسطيني".

"عقاب" العميد

واعتبر المتحدث ذاته أنه "يجب إخضاع العميد للمساءلة، وأقلها أن يتم إلغاء مهامه. فحتى الصورة التي رسمت في أذهان الرأي العام والطلبة والأساتذة عنه لم تعد تؤهله للبقاء في منصبه التسييري".

وقال البكاري: "إذا لم يبادر هو بتقديم استقالته، وبتقديم اعتذار، فأعتقد أن الموقف السليم لوزير التعليم العالي هو أن يقيله من منصبه؛ لأنه أساء إلى سمعة الجامعة المغربية ككل".

جامعة محمد السادس خارج الوصاية

أما بخصوص إلغاء كلية الحكامة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية لحفل التخرج، الذي كان مقررا، منذ شهور، يوم 12 يوليوز 2024، بشكل مفاجئ؛ ما فُسر بأنه رد على تحضير الطلبة المعنيين بحفل التخرج لأشكال تعبيرية رمزية سلمية تضامنية مع القضية الفلسطينية؛ كارتداء كوفيات وشارات، والتضامن مع غزة، من خلال خطابات التخرج، فاعتبر الأستاذ الجامعي أن "الأمور هنا مختلفة. فنحن لسنا أمام تصرف فردي، بل أعتقد أن الإدارة هي من اتخذت القرار، وعليها أن تتحمل مسؤوليتها فيه".

وأشار البكاري إلى أنه "قبل ذلك، كانت هناك رسالة وجهها طلبة الجامعة إلى الإدارة، طالبوا فيها بتجميد وتوقيف التطبيع الأكاديمي بينها وبين جامعة (بار إلان)، المشاركة في جرائم الاحتلال؛ وهو ما خلق نوعا من الشد والجذب بين الطلبة والإدارة حول هاته النقطة".

وأضاف المتحدث نفسه: "بوضوح، كل حدث له سياق معين، وإن كان حرم الجامعة هو مسرح كل هذه الأحداث. كلنا نعرف أن جامعة محمد السادس متعددة التخصصات لها خصوصيتها، حتى على مستوى التمويل من طرف المكتب الشريف للفوسفاط. وحتى على مستويات عديدة، لها وضعها الخاص. وهكذا، أقول إن تدخل الوزارة الوصية في الجامعة يكاد يكون ضعيفا".

وتابع البكاري: "تلك الجامعة لها شراكات مع جامعات تابعة للكيان الصهيوني، ورفضت جميع المطالب بتوقيفها".

وتابع في السياق ذاته: "نحن هنا، نتحدث عن شراكات متقدمة مع جامعات قريبة من تيارات سياسية متشددة داخل الكيان الصهيوني. فـ(بار إيلان)، مثلا، قريبة من التيار اليميني القومي المتطرف، الذي أخرج لنا إيتمار بن غفير، وأفيغدور ليبرمان، وبتسلئيل سموتريش. القرار ليس معزولا، وإنما اتخذ من أعلى المستويات. لكن ما طبيعة هاته المستويات؟ لا أملك أي معطيات".

قرارات من خارج الجامعة

وأشار المتحدث ذاته إلى أن منع طلبة العدل والإحسان، من تنظيم النسخة السادسة من "ملتقى القدس"، الذي يعد نشاطا خاصا ينظم كل عامين، بالجامعات المغربية، إلى جانب توقيف الدراسة بجميع المرافق التابعة للجامعة، لمدة أربعة أيام، "لم يكن هو الآخر قرارا معزولا، بل صدر من خارج الجامعة".

واعتبر البكاري، أنه "قرار سياسي. هل هو مرتبط بالقضية الفلسطينية، أم بالجهة السياسية التي تقف وراء النشاط، أم أن الأمر متداخل؟ الله أعلم".

وتابع: "لكن ما أؤكده هو أن القرار صدر من خارج الجامعة، وهذا يحيلنا إلى موضوع أخطر بكثير؛ وهو أن رؤساء الجامعات وعمداء الكليات لم تعد لهم الحرية في اتخاذ المواقف. حتى في سنوات (الجمر والرصاص)، كما كنا نسميها، كان يحتفظ للجامعة بحرمتها. أما حينما يصبح عميد كلية أو رئيس جامعة يعمل على تنفيذ قرارات صادرة عن جهات لا علاقة لها بالجامعة أو البحث العلمي، فهذا أمر خطير".

كما طرح البكاري، في تصريحه لـ"تيلكيل عربي"، مسألة أخرى، وهي "وجوب العودة إلى المطلب الذي كان يرفع دائما، سواء حينما كنا طلبة في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، أو حينما أصبحنا ندرس؛ وهو أن يتم انتخاب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات  من طرف الجسم الجامعي، لا أن يتم تعيينهم وفق مواصفات يدخل فيها الجانب الأمني والسياسي أكثر مما تراعي الجوانب الأكاديمية، والمشروع الذي يجب أن يمتلكه كل من يسعى إلى تدبير شأن كلية أو جامعة".

 

View this post on Instagram

 

A post shared by TelQuel - عربي (@telquelarabi)