أجرى الحوار: مهدي مشبال/ترجمة: أحمد مدياني
رئيس مجموعة اقتصادية تعمل في مجال التواصل والإشهار، ونائبة رئيس مجلس المستشارين، وقيادية في الاتحاد العام لمقاولات المغرب ومؤسسة مهرجان "كناوة". نائلة التازي، أحد أبرز الوجوه الثقافية في المغرب، تتحدث في هذا الحوار مع مجلة "Telquel" عن رؤيتها لأداء الاتحاد العام لمقاولات المغرب في الساحة السياسية والاقتصادية، ونتائج انتخاب رئيسه الأخيرة، التي أوصلت صلاح الدين مزوار إلى كرسي القيادة، وما مدى تأثير هذه النتيجة على استقلالية "نقابة الباطرونا". وتعود التازي إلى مرحلة رئاسة مريم بنصالح للاتحاد، وماذا قدمته كأول امرأة تصل إلى هذا المنصب.
كما تطرقت نائلة التازي بجرأة عن أسباب مقاطعة منتوجات ثلاث شركات مغربية، وما هو موقفها من ما وصفته بـ"الحراك الإلكتروني" الحقيقي وأسبابه. كذلك، تقدم مؤسسة مهرجان "كناوة" وجهة نظرها حول أعطاب المجال الثقافي في المغرب، والصعوبات التي لا تزال تواجه مهرجان الصويرة.
* كنت سيدة التواصل خلال فترة رئاسة مريم بن صالح شقرون للاتحاد العام لمقاولات المغرب. خلال هذه الفترة التي امتدت لـ6 سنوات، إذا كانت هناك ثلاثة أشياء مهمة يجب تذكرينها، ما هي؟
أولاً، يجب التذكير بأن مريم بنصالح كانت أول امرأة تترأس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وخلال فترة ولايتها، أعطت مكانة بارزة للمنظمة، وجعلتها لاعباً رئيسياً في الساحة السياسة، سواء في علاقتها مع الحكومة أو الشركات السياسيين والاجتماعية، كذا الشركاء والمنظمات الدولية ولدى الرأي العام. وأشدد على أن المقاعد الثمانية التي حصل عليها الاتحاد داخل مجلس المستشارين كانت بفضل مريم بنصالح. بالإَضافة إلى دورها في تعزيز السلم الاجتماعي، والوساطة التي قامت بها طيلة فترة ولايتها لتجنب النزاعات الكبرى بين أرباب العمل والمستخدمين. وهناك نقطة رابعة مهمة، وهي الدبلوماسية الاقتصادية، وهذه الوظيفة أدتها بمهارة ودقة فائقة.
*خرج الاتحاد العام لمقاولات المغرب مؤخراً من حملة انتخابية طولية تنافس خلالها حكيم المراكشي وصلاح الدين مزوار. كيف ترين فوز الأخير بالرئاسة.
بالفعل خضنا حملة انتخابية مثيرة. كان هناك مشروع ضد آخر، وتم توظيف وسائل اتصال وتواصل جديدة خلال الحملة، كما لجأ المرشحان أحيانا لخطاب القوة، ما مكنهما من شغل الرأي العام وضخ مزيد من التشويق في الحملة الانتخابية. ستظل هذه الانتخابات علامة بارزة في تاريخ الاتحاد العام لمقاولات المغرب، لأنه لم نشد حملة انتخابية من هذا النوع لأكثر من خمسة عشر عاماً. كما أنها أجريت في سياق خاص وغير مسبوق، بفعل حملة المقاطعة التي تستهدف بعض الشركات الكبرى.
*على ذكر المقاطعة. لماذا لم يتفاعل الاتحاد العام لمقاولات المغرب مع حملة المقاطعة التي استهدفت شركات ثلاثة من أعضائها؟ ولماذا كل هذا الصمت؟
حملة المقاطعة فاجأت الجميع. بصدق، السؤال الذي طرحناه في البدء كان ما أصل هذه الحملة، ليصبح بعد ذلك السؤال ثانوياً، لأن الأهم، هو الرسالة التي مرت من خلالها، وأهم عناصرها، أن الحياة أصبحت مكلفة للمغاربة، والمواطنون يبحثون عن المساواة وفي حاجة لتحسين أوضاعهم الاجتماعية. لذلك، يجب أن نكون جميعاً قادرين على التفاعل مع هذه الحاجيات، مع طرح السؤال حول لماذا وصلنا إلى هذا الوضع. هذه الحملة لم يسبق لها مثيل، وأنا أراها حراكاً إلكترونياً حقيقياً لم ننتهي من استخلاص دروسه.
*بالعودة إلي نتائج الانتخابات الأخيرة داخل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، أثار انتخاب مزوار جدلاً حول تسييس "نقابة الباطرونا". ألا ترين أن اختياره خطر يفاقهم الأزمة الاجتماعية التي تثير الجمع بين المال والسياسة؟
أعتقد أن السؤال لا يجب أن يكون من هذا المنطلق. صلاح الدين مزوار تعد بالاستقالة من حزب التجمع الوطني للأحرار إذا تم انتخابه، وقام بذلك بالفعل. طبعا هناك من سيقول إنه كان رئيساً للحزب، وسوق يحافظ على علاقته معه، لكنه اختار في الأخير ويجب احترام قراره والحكم عليه من خلال أفعاله.
أهم شيء بالنسبة لي هو الحفاظ على مسافة واحدة من جميع الأحزاب السياسية، الكبيرة والصغيرة. الاتحاد العام لمقاولات المغرب يضم أرباب عمل من مختلف التيارات السياسية، لكن يجب على عدم الحاق CGEM بأي حزب سياسي.
*لدى CGEM مجموعة برلمانية لما يقرب من ثلاث سنوات داخل مجلس المستشارين وأنت عضوة فيها. كلنا نتذكر ترشيحك لرئاسة هذه القاعة. هل كنت حقا تصدقين فوزك؟
السياسة هي أيضا عملية نتعامل فيها بالرموز. ومن خلال تقديم امرأة لرئاسة مجلس المستشارين، أراد CGEM إرسال إشارة قوية للأحزاب السياسية. لقد كان الفعل مهماً في حد ذاته وليس النتيجة، لأنه لم يسبق الدفاع عن ترشيح المرأة كرئيسة لإحدى غرفتي المجلسين. والنتيجة هي أنه ستكون هناك لأول مرة امرأة في المكتب ونائب رئيس مجلسنا.
*رئيسة إحدى وكالات التواصل ونائبة رئيس مجلس المستشارين، هذا الجمع بين مسؤوليتك داخل الغرفة الثانية ومهنتك جديداً إلى حد ما في المغرب. كيف تعيشين هذه التجربة؟ وما هو رأيك في العمل التشريعي؟
عندما تأتي إلى العمل السياسي وأنت رئيس مقاولة خاصة، فإنك تشعر بالكثير من الاحباط، لأن الزمن السياسي في المغرب يتحرك بوثيرة بطيئة جداً. في نفس الوقت، نحاول أن ننظر للإدارة من زاوية مختلفة، ونطور أسلوب العمل، كما لا نخفي أننا في حاجة لمزيد من التدريب، وتحسين وسائل العمل وتقييم النتائج. وأنا أرى أن التغيير سيكون طويلاً ويحتاج مزيداً من الالتزام.
*ما هو حجم التأثير الذي أحدثه من موقعك في مسار الأحداث كعضوة في مجلس المستشارين؟
أولاً حصلنا على منصب نائب الرئيس، ورئاسة لجنة الزراعة والقطاعات الإنتاجية، ورئاسة لجنة السياسات العامة. كما كانت لنا المبادرة في تقديم مقترح قانون بشأن الحق في الإضراب، ومقترحنا هذا دفع الحكومة نحو وضع مشروع قانونها حول هذا الموضوع.
كما قمنا مؤخراً بوضع مقترح قانون حول تحديد أسعار النقل حسب أسعار المحروقات، بالإضافة إلى مساهمتنا في إعداد قانون المالية، والدفاع عن الشركات الصغير والمتوسطة واستطعنا انتزاع اصلات ضريبية لصالحها. كذلك، قمنا مؤخراً بالدفع بإعادة صياغة مشروع القانون الخاص بالتكوين المستمر. واجبنا هو أن نعبئ دائما لصالح ضمان القدرة التنافسية للشركات.
*تترأسين داخل CGEM فيدرالية الصناعات الثقافية والإبداعية. هل لدينا حقا صناعة ثقافية في المغرب؟
يمتلك المغرب إمكانات هائلة، وتراثا ثقافياً حقيقياً، ولديه ومواهب في جميع مجالات التعبير الفني.
هذا القطاع يتوفر على إمكانات عالية من حيث خلق القيمة والوظائف والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. المشكلة في المغرب هي أن الثقافة لا تزال على الهامش وأن الجهات الفاعلة تائهة. يجب أن تكون الثقافة مقاربة شاملة وعامة مختلفة تماماً، عبر شراكة مبتكرة بين القطاعين العام والخاص.
*في فرنسا، الصناعة الثقافية تعادل سبع مرات صناعة السيارات... ماذا عنا؟
ليس لدينا أرقام. إن أحد أهداف الفيدرالية التي أرأسها الحصول على المعلومات حتى نتمكن من التعرف بوضوح على حقائق القطاع ووضع خطة عمل قوية. هذا قطاع لا يعرف نفسه جيداً. لدينا مواهب في جميع المجالات والبنى التحتية ولدينا الوسائل الممكنة لتوظيفها، ولكن ليس لدينا قنوات منظمة لتوظيف كل هذا.
الإمكانات الثقافية موجودو، من الضروري العمل، والتوعية، والتعبئة، والتشريع لصالح هذا المجال.
*ما هي القطاعات الممثلة في هذه الفيدرالية؟ وما الذي تعمل عليه حالياً؟
تجمع الفيدريالة بين عدة قطاعات: النشر السينما والموسيقى والفنون الحية والفنون البصرية والمؤسسات الإذاعية السمعية البصرية والثقافية. نحن حاليا في مرحلة التشخيص لعمل جرد، ثم سنمر للدفاع عن رؤيتنا أمام السلطات العمومية والقطاع الخاص. الهدف هو تطوير اقتصاد حقيقي للثقافة.
*نحن نقوم حاليا ببناء مسارح كبيرة بمليارات الدراهم، ولكن بدون أي برامج ثقافية. هذا هو حال مسرح "كازا غراندي" الذي سيفتح أبوابه قريباً، لكن بدون محتوى حقيقي. ما رأيك في هذا النوع من المشاريع؟
مثل العديد من المغاربة، أعتقد أن البنية التحتية جيدة ، لكن أين رأس المال البشري؟ وفي هذه الحالة، يظهر السؤال الأهم: أين هي الفرق لإدارة هذه البنية التحتية؟ وهذا مطلب يرفعه المثقفون والفنانون.
لقد أرسلت بنفسي أسئلة مكتوبة كبرلمانيين إلى المسؤولين العموميين حول هذا الموضوع ، لكن لم يكن لدي أي إجابات. لا يمكن أن يكون المشروع الذي يجب أن يكتمل في الأسابيع القادمة في مثل هذه الحالة. إنها مشكلة حكامة. كان يجب توظيف الفرق قبل عامين للتحضير لعملية وبرمجة هذه البنية التحتية الهامة.
*يحتفل مهرجان كناوة الصويرة بعيد ميلاده الواحد والعشرين، لكنه لا يستطيع تلبية احتياجاته رغم نجاحه الكبير. ما هي المشكلة؟
كان لدينا عدة مراحل في حياة هذا المهرجان. تم تنظيم النسخة الأولى بميزانية صغيرة جدا لم تتجاوز 600 ألف درهم، وسرعان ما أصبحت شعبية المهرجان كبيرة. لذلك كان من الضروري مواجهة هذا النجاح في مدينة كانت نفسها في ذلك الوقت منغلقة على نفسها. وكان إنشاء هذا المهرجان نقطة الانطلاق لديناميكية جديدة في مدينة الصويرة.
ثم جاءت المرحلة الثانية وكانت صعبة للغاية، حيث كان علينا إقناع القطاع الخاص بمواكبة التجربة، لأنه لا ينبغي لنا أن نحلم في ذلك الوقت بالدعم الشعبي. لحسن الحظ كان هناك رؤساء مقاولات رائعين مثل مريم بنصالح وعثمان بنجلون ومصطفى تيراب، هؤلاء رافقوا المهرجان.
حصلنا أيضًا على دعم مؤسسات كبيرة مثل الخطوط الملكية المغربية ومجموعة فنادق Accor. لكن يجب أن نكافح لإقناع القطاع الخاص.
المرحلة الثالثة هي المرحلة التي نمر بها حالياً، حيث نحاول الحصول على الجهات العمومية، مع العلم أنه حدث يساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمدينة والمنطقة ويحدث تأثيراً على المجتمع. المغرب. ورغم التطور الحقيقي الذي عرفه المهرجان، يجب أن نقاتل كل سنة للإقناع من يدعم المهرجان.
* كم تساوي ميزانية المهرجان اليوم؟
لدينا ميزانية قدرها 15 مليون درهم، منها مليون تبرعت بها المدينة. لقد استغرق الأمر 19 عاماً حتى نقنع في النهاية المسؤولين المحليين والمنتخبين بالتوقيع على اتفاقية معنا، ونبدأ في مساعدة المهرجان مالياً، وهم الآن مقتنعون بأهميته على الاقتصاد المحلي.
*قمتم بتكليف مكتب الدراسات "Valyans" لقياس حجم تأثير مهرجان كناوة على مدينة الصويرة. ما هي أهم الاستنتاجات التي وصلتم إليها؟
النتائج التي حصلنا عليها من خلال هذه الدراسة، سمحت لنا بأن نظهر للعناصر الفاعلة العامة، ضرورة الاهتمام بمثل هذا الحدث، حيث خلصت الدراسة إلى أن كل درهم نحضره إلى المهرجان يجعلها تربح 17 درهماً. وأن مدينة الصويرة هي الآن واحدة من المدن المعروفة في مجال الثقافة عالميا.
مهرجان كناوة حقق للمدينة والمغرب شهرة دولية، بتكاليف أقل مرتين أو ثلاث مرات من مهرجانات عالمية تستقطب نفس العدد من الجمهور. مثلاً مهرجان Vieilles Charrues في فرنسا، له نفس عدد زوار مهرجان كناوة ونفس عدد أيام التنظيم لكنه يكلف 65 مليون يورو.
كما أظهرت الدراسة أن عدد الأسرة في الفنادق بالصويرة قد تضاعف 7 مرات منذ انطلاق المهرجان. وأن عائدات الإعلام خلال الأيام الأربعة للمهرجان تبلغ أكثر من 80 مليون درهم. ناهيك عن كناوة الذين أصبحوا منذ ذلك الحين رمزا للثقافة المغربية وامتدادها نحو إفريقيا.